|
أبو محمد- مقيم في بغداد- وجد من الصعب التخلي عن ابنته، لكنه أخيراً أقنع نفسه أن بيعها لعائلة خارج العراق يمكن أن يوفر لها مستقبلاً أفضل. "الحرب حطّمتْ عائلتي. فقدتُ أقرباء ومنهم زوجتي ضمن آلاف الضحايا نتيجة العنف "الطائفي"، وصرتُ مجبراً على بيع ابنتي حتى أُوفر لبقية أطفالي ما يسد رمقهم." في العام 2006 أُجبر أبو محمد وعائلته على ترك منزلهم في الأعظمية ببغداد بسبب قتال الشوارع المستمر، ومن ثم العيش في مخيم مؤقت makeshift في ضواحي العاصمة. لكنه فقد عمله، كما وفقد الأطفال مدارسهم. "لم نملك كفاية من المال للإنفاق على الكتب، الملابس والنقل،" حسب قوله. وظهرت على طفلته فاطمة- الأصغر بين أربعة أطفال- علامات سوء التغذية وشخص المسئول الصحي المحلي حالتها بأنها أخذت تُعاني من الانيميا anaemic- نقص خلايا الكُريات الحمراء. * اليأس Desperation مع منتصف العام 2006 أصبحت ظروف عائلته يائسة. وبالنسبة لأطفاله الذين كانوا يتمتعون بالصحة والحياة المشرقة قبل الاحتلال، أخذوا يُعانون من الهُزال والكسل. وفي هذه الأثناء زاره في المخيم سويدي ومعه مترجم عراقي مدعياً أنه يعمل في إطار المنظمات الدولية غير الحكومية NGO، عرض عليه من خلال المترجم قدراً من المال لقاء التخلي عن ابنته. "رفضتُ في البداية، لكن المترجم استمر بالمجيء إلى المخيم مكرراً نفس الطلب. وأخيراً لاحظتُ أن أطفالي سيموتون جوعاً. وهكذا عندما جاء المرة التالية لزيارتي، أعطيته موافقي." كما قدّم أبو محمد للمشتري كافة الوثائق الشخصية. وبعد أسبوع جاء السويدي والمترجم بوثائق جديدة لتوقيعها، مانحاً السويدي الحق القانوني لأخذ الطفلة. حصل أبو محمد على عشرة آلاف دولار لقاء تنازله عن طفلته. يعتقد الآن أنه ملعون من ربه، ويعاني من ألم الضمير، لكنه يُحاول التخفيف عن فجيعته بأن فاطمة سوف تنال حياة أفضل مقارنة بالكثيرين من أقرانها في العراق. * حالات اختفاء مدوية Alarming disappearances عبّر رسميون محليون وعاملون في مجال المساعدات الإنسانية عن قلقهم بشأن تصاعد معدلات الاختفاء التي تنذر بالخطر تجاه أطفال العراق وعلى مستوى البلاد التي تعيش بيئة غير مستقرة. عمر خلف- مساعد رئيس رابطة العائلات العراقية IFA- منظمة أنشأتها NGO العام 2004 لتسجيل ومتابعة آثار الأطفال المفقودين- قال: يتم بيع طفلين، على الأقل، أسبوعياً من قبل آبائهم، علاوة على اختفاء ما معدله أربعة أطفال أسبوعياً. وأضاف بأن "هذه الأرقام تُنبه لواقع خطير. هناك زيادة 20% لحالات اختفاء الأطفال مقارنة بالعام الماضي." "في السنوات السابقة أثناء الاحتلال، كان اختفاء الأطفال يتحقق في الطريق عند عودتهم من المدرسة إلى البيت أو أثناء لعبهم مع أقرانهم من الأطفال خارج المنزل. على أي حال، تُشير تحقيقات الشرطة بأن أعداداً من الأطفال قد تم بيعهم من قبل آبائهم لأزواج أجانب أو لعصابات متخصصة. وحسب هذه التحقيقات ودراسة مستقلة لـ IFA، تمت عملية ترحيل هؤلاء الأطفال بخاصة إلى هولندا، السويد، الأردن، لبنان، وسوريا. وبالعلاقة مع الوضع اليائس لعائلات عراقية كثيرة تُعاني من الفقر، يعرض الأجانب مبلغاً من المال مقابل أطفال من سن الشهر الواحد إلى خمس سنوات، حسب خلف. * تخدير الأطفال Children drugged حسن علاء- أحد المسئولين في وزارة الداخلية- قال: في حين من الصعب متابعة آثار الأطفال المفقودين، ألقت القوات الحكومية القبض على عصابة مكونة من 15 شخصا ًيتاجرون بالأطفال داخل العراق خلال التسعة أشهر الماضية. وأضاف "كثيرون منهم كانوا يحملون وثائق مزيّفة بُغية نقل الأطفال إلى خارج البلاد... أثناء اعترافاتهم، ذكروا بأنه تم بيع الكثير من الأطفال بمبالغ لا تتجاوز ثلاثة آلاف دولار لكل طفل بخاصة الأطفال الرضع، لكن السعر يمكن أن يرتفع إلى ثلاثين ألف دولار." زادت وزارة الداخلية جهودها الأمنية في نقاط التفتيش وفي الحدود على مستوى العراق. وذكر أن تجار الأطفال يقومون بتخدير الأطفال بـ عقار مسكن قوي أثناء الرحلة إلى خارج العراق. وعندما يصلون إلى نقطة التفتيش يقولون للشرطة أن الأطفال ركنوا للنوم تواً.. وحسب علاء "حالياً فإن كافة الأطفال ممن يتركون العراق يجب إيقاظهم ومقابلتهم من قبل الشرطة ودوريات الحدود، عدا الأطفال الرضع وغير القادرين على الكلام." الفقر المدقع Extreme poverty محمد سعيد- أحد مسئولي وزارة العمل والشئون الاجتماعية- قال أن الفقر المدقع والبطالة الواسعة على مستوى البلاد، دفعت الآباء إلى الحافة، وأجبرتهم على اتخاذ قرارات لا يمكن التفكير بها في الظروف الاعتيادية. "النظرة اليائسة لعائلاتهم وهم بدون طعام وعلاج صحي، تدفع الأباء إلى تفضيل التنازل عن أطفالهم لصالح تبنيهم من قبل الغير بقصد المحافظة على حياتهم." وذكر سعيد أن الوزارة جعلت من إيجاد فرص العمل قضية أزمة وطنية للعام 2008، بإيجاد أعمال فورية للناس الفقراء. ويأمل بمساعدة الوكالات الدولية، كما أن منظمات NGOs سوف تُزيد مساهماتها وتستثمر في المشروعات الهادفة لمساعدة الأطفال. لكن بالنسبة للكثيرين من الأباء تأتي هذه المساعدات متأخرة. * ألم مبرح Anguish خالد جبوري (38 عام)- والد سبعة أطفال ومشرد في ضواحي بغداد- يقول أن التنازل عن ابنته لتبنيها من قبل عائلة أردنية لم يحقق له سوى العذاب المستمر "بعد سنة واحدة سمعت من بعض الأقرباء أنهم رأوا ابنتي تعمل خادمة لدى العائلة التي يُفترض أنها تبنتها، علاوة على ضربها." وأضاف بأنه حصل على عشرين ألف دولار مقابل التنازل عن ابنته، لكنه يُريد أن يُعيد المبلغ لاسترجاع ابنته إذا ما ساعدته منظمة NGO المحلية. وحسب قول خلف IFA ليس هناك شيء يمكن أن تفعله NGO طالما أصبحت الطفلة خارج العراق. رويدا صالح (31 عام) أم لثلاثة أطفال، كذلك تُعاني وتصُلي من أجل سلامة ابنتها (حلا) ذات الثمانية أعوام. تقول صالح أنها اختفت منذ يوليو العام 2007، ولم تسمع عنها شيء منذ ذلك الحين. "أخبَرَتنا الشرطة بالتسليم للأمر الواقع، لكنني لا أستطيع. أرى كوابيس بتعرضها للاغتصاب. "أسأل الله أن يعيد حلا إلى أحضاني مرة أخرى. إنه لألم قاتل وفاجعة لا تفسير لها.. ستبقى نارها في داخلي إلى أن يأتيني الموت إذا لم أجدها،" قالتها الأم المنكوبة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |