لايوجد لاعب أكثر ذكاءا من اللاعب الإيراني في المنطقة، والذي تفوق على اللاعب الأميركي بجدارة، ونتيجة هذا التفوق أقسم البعض بأن هناك حلفا سريا وإستراتيجيا بين طهران وواشنطن، وغايته نحر المشروع القومي العربي، والذي تراه إيران مهددا لها، مثلما تراه الولايات المتحدة بأنه مهددا لمصالحها في المنطقة، وهناك من ذهب أكثر من ذلك عندما أقسم بأن هناك علاقة خفيّة بين طهران وتل أبيب، وأن هدفها أيضا إنهاء الدور العربي، وكذلك نحر وسلخ المشروع القومي العربي والذي تراه إسرائيل مهددا لها، ويُجزم هؤلاء بأن ما يُسمع من خطب ووعيد من قبل بعض السياسيين الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس نجاد ضد إسرائيل ماهي إلا أكاذيب هدفها الجبهة الداخلية الإيرانية والفلسطينية بشكل خاص، والجبهة الإسلامية بشكل عام هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فأن الذين يوالون إيران في العراق والذين أصبحوا في سدة الحكم أصبحوا يتعاملون بشكل طبيعي مع المقاولين والخبراء والمستشارين الإسرائيليين في العراق وأن إيران تعلم بهذا مما خلق عند الكثيرين العشرات من علامات الإستفهام!!.

ولكن بالمقابل فهناك اللاعب المُخدّر ( التمبل) والتمبل: هي كلمة عراقية، وتقال إلى الإنسان الذي لا يجيد غير الكسل والنوم الطويل، والاهتمام بملذاته فيما لوأصبح خارج حلقات النوم، فالتمبل هنا هوالطرف العربي الذي أصبح رمزه خصر هيفاء وهبي، وورك مريام فارس، أما نشيده فأصبح ( الواوا)، وثقافة الهيشك بيشك، وهز ياوز، والتقهقر نحوالخلف والجمود والإعتماد على أميركا في حل مشاكله الخاصة والعامة.

أي تحولت ( معظم) البلدان العربية إلى مستودعات لنفايات شركات الأسلحة ومعامل الأدوية والتكنولوجيا والسموم والمشاريع الذرية، وأصبحت دولنا العربية مجرد مقاطعات وبيئات لنشر البرامج السياسية الفاشلة، وضيغ الحكم الهزيلة، ونشر الشذوذ والسحاق، وثقافة التخنيث ( المثليين)والمافيا والمخدرات والنصب والجريمة، بحيث أن حتى العقال العربي والكوفيّة والعربية تصنعهم لنا لندن وباريس وسويسرا، وهي حالة عامة.

ولم ينته الأمر بهذا الحد بل غرقت المجتمعات العربية بداء الطائفية والإثنية والغلووالتكفير مقابل غياب العقل والعقلاء، حيث تم استبدال العقل بالشر والباطل، واستبدال العقلاء بالمجانين والجواسيس والإرهابيين والعملاء، فانظروا إلى إيران التي صنعت السيارة والطائرة والصاروخ والقمر الاصطناعي وبجهد إيراني خاص، أنظروا إليها والتي تقولون عنها متخلفة، ويحكمها رجال الدين والعمائم( وطبعا ليست كالعمائم التي صدروها ويصدروها لنا)، أنظروا إلى التكنولوجيا التي تمتلكها إيران، والقفزات العلمية والسياسية والإعلامية والإستراتيجية التي سجلتها، بحيث أصبحت إيران مصنعا عملاقا فيما لوقورنت بالدول العربية التي أصبحت عبارة عن أكواخ بدائية لا يجيد ( معظم) أهلها غير الطرب والرقص، وملاحقة أخبار هيفاء وهبي ونانسي عجرم من فضائيات لا تقدم إلا التخدير والتركيز على نصف الإنسان ( من سرّته حتى ركبتيه) مع إصرار كامل على تعطيل عقله.

وبما أن التعميم لا يجوز بهكذا مواضيع حساسة، فهناك قفزات عربية تارة هنا وتارة هناك، ولكنها قفزات لا تعني الأمة، ولا تعني الشعوب، بل تعني فئات أنانية محدودة، ولكن لوجئنا إلى الشارع العربي وكبشر، فهناك الملايين التي تتألم على حاضرها المؤلم، وتخاف على مستقبلها ومستقبل أجيالها لأن هذا الكم الهائل من البشر هم من الرافضين إلى الوضع الراهن، ولكن هذه الملايين الحرة هي محاصرة بقوى عربية وأجنبية تريد للعرب أن يغرقوا في بحر الجنس والرذيلة والتخلف والانحطاط والإنحراف.

فعندما كتبنا هذه المقدمة فليس مدحا بإيران من أجل التملق، بل هي شهادة بحق جار لنا، وبحق أمة مسلمة تقع بجوارنا، أمة عرفت أن تستقرأ الأحداث، فنجحت بوضع الإستراتيجيات والتكتيكات النافعة لشعبها وأرضها ولحاضرها ومستقبل أجيالها،ولكننا ضد الطرف الانتهازي فيها والذي ركب الموجه القومية المتخشبه وهويلوح بالثأر التاريخي من العرب متناسيا أن هذه الأمة هي التي حررتهم من عبادة النار نحونور الإسلام وهذه حقيقة تاريخية ليس القصد من ذكرها سلبيا بل مجرد التذكير لتكون إشارة مهمة قد تعقلن البعض في الجانب الآخر،هذا الطرف الذي بدلا من مساعدتنا على النهوض كوننا إخوة لهم بالإسلام جاءوا فطمعوا بنا، فتدخلوا في دولنا ومجتمعاتنا فأزادوا الطين بلة بل خلطوا الأوراق علينا، وعقدّوا المشكلة فيما لونظرنا إلى العراق وتدخلهم فيه على سبيل المثال .

نسجل هذا كي لا يؤخذ علينا بأننا نمدح إيران السياسية، والمتدخلة في الشؤون العراقية والعربية، فنحن ضد هذا التدخل جملة وتفصيلا،وهوتدخل لا يقل عن تدخل الدول المعتدية والغازية، والتي جاءت من وراء الحدود والبحار لتحتل العراق، وتنهب خيراته والتي يجب محاربتها بكل شيء، وبجميع الوسائل حتى التحرير،وضمن برنامج مقاوم كفلته الأديان والدساتير الوضعية كلها، ولا يهمنا وليس منا ولا من شرفاء العراقيين والعرب ما نراه من إجرام ضد المدنيين، وضد المؤسسات الخدمية والتربوية والتعليمية والصحية لأن هذا العمل هوعمل المجرمين، وأن المحتل يعرفهم جيدا، وليس هم بمقاومين بل هم مخربين ومجرمين وعلى علاقة مع المحتل في أغلب الأحيان.

وبالعودة إلى الذكاء الإيراني فإن الساسة والإستراتيجيين الإيرانيين يعملون ليل نهار وأحيانا كثيرة بصمت مطبق، ويطاردون المعلومة أينما كانت، ويبذخون الأموال من أجل تنشيط اللوجست كي تسهل المهمة، ولكي تكون المعلومة والخبر على طاولة المخططين والإستراتيجيين الإيرانيين، وأن أهم شيء في عمل الإيرانيين هوعدم تقيّّدهم عند دين وذوق وخلفية ولون وجنسية من يتعامل معهم، فهم يتعاملون مع جميع الأجناس والأذواق والألوان والأعراق من أجل الحصول على المعلومة والخبر والفكرة والنظرية والتكنولوجيا والأسلحة والإلكترون ....الخ، وهذا سر نجاحهم،.

والسبب لأنهم يعملون لمصلحة أمتهم، ولمصلحة شعبهم، ولديهم حلم مشروع وهوالنموومثلما نمت الأمم الأخرى مثل أميركا وألمانيا وبريطانيا وروسيا وغيرها، وهي القراءة الصحيحة التي تقول ( لن تنمووتكبر إلا عندما تتحدى، ومن ثم تعمل كي توفر الأدوات التي تجعل الخصوم لا يؤثرون عليك،ولا يستطيعون حصارك، لأنك وصلت إلى درجات من الاكتفاء الذاتي، وبالتالي ستفرض نفسك لاعبا مع الكبار، ومن موقع القوة) وهذا ما قررته إيران وسارت عليه ولا زالت ولهذا أصبحت خصما قويا لخصومها.

ولهذا كثرت الأوراق الإستراتيجية والتكتيكية بيد إيران، فها هي تمتلك الأوراق الإستراتيجية في ( العراق، لبنان، أفغانستان، البحرين،أرمينيا، سوريا، روسيا، بحر قزوين، مضيق هرمز، الأحواز، الأكراد، اليمن، شرق السعودية، حماس، الفصائل الفلسطينية الأخرى، الطاقة، النفط، الأوبك، المياه، الاقتصاد، السجاد، الفستق، وحتى أوراقا إستراتيجية في الإسلام والحضارة) ولا زالت تبحث عن أوراق أخرى، وهناك العرب الذين لا يملكون الأوراق بل لا يجيدون الاحتفاظ بالأوراق،بل أن هناك قسما كبيرا منهم شُلت أصابعهم ولا يقدرون على مسك الأوراق أصلا.

 

لوحة من التكتيك والإستراتيجيات الإيرانية!!

فخذوا مثلا بسيطا من الديناميكية الإيرانية الناجحة، والتي تعتمد على السلاسة والاستفادة من كل شيء، فجميعا تتذكرون كيف نُحر الدبلوماسيين الإيرانيين في أفغانستان وتحديدا في منطقة ( مزار شريف) وقبيل العدوان الأميركي على أفغانستان، ولكن لم تبادر إيران بالحرب لأنها عرفت أن الحرب بهذه الحالة هي استنزافا مجانيا لها، ولصالح الولايات المتحدة والقوى الأخرى، وأن احتلت أفغانستان فسوف تبرر الحرب العالمية ضدها وبقيادة الولايات المتحدة،ولقد استفادت هنا من الخطأ العراقي في الكويت.

وحتى لم تبادر إلى الرد الانتقامي كي تؤذي آلاف الأفغان على أراضيها، ولكن عندما سقط نظام طالبان فتحت إيران الحدود فآوت حركات وأحزاب أفغانية كانت على عداء مذهبي وأيديولوجي وسياسي مع إيران، ومنها مجاميع تابعة إلى القائد ( حكمتيار) وكذلك استقبلت عددا من أعضاء تنظيم القاعدة، ومن الصف الأول والثاني والثالث وفي مقدمتهم الناطق باسم تنظيم القاعدة الشيخ ( أبوغيث الكويتي) وأبناء وزوجات أولاد بن لادن، وزوجات وأبناء بعض القادة من تنظيم القاعدة وطالبان ( حسب شهادة مجلة دار شبيغل الألمانية عندما نشرت عام 2005 تقريرا عن ذلك) ولكنها لم تبادر بتسليمهم إلى الغرب وأميركا مثلما فعلت الدول العربية والدول الأخرى، لأنها تجيد العمل الإستراتيجي وتجيد صنع الأوراق من العدم، فهي تتعامل بمنطق الإستراتيجيا وليس بمنطق الإنفعال والعاطفة وردات الفعل.

وتحركت الأيام وتراكم الزمن وسقط نظام الرئيس صدام، وبقيت الولايات المتحدة ومن معها في العراق، وسمحوا للقاعدة في التدخل في العراق، وكانت إيران تراقب ذلك بإمعان كي ترتب أوراقها بدقه وحسب المطبخ العراقي كي تدخل وتشارك في المطبخ، وبالفعل نجحت من أن تجعل من القاعدة أن تتعامل معها بطريقة ما في العراق وفي أفغانستان، وعادت طالبان لتكون صديقا إلى إيران، وكل ذلك من خلال ورقة أبوغيث الكويتي ورفاقه، والعائلات التي في إيران ومنذ الغزوالأميركي لأفغانستان، والتي هي عائلات بعض قادة طالبان وقادة من أعضاء تنظيم القاعدة، والذين سواء قتلوا ولا زالوا أحياء، ونتيجة هذا كله أصبحت إيران لاعبا قويا في العراق وفي أفغانستان على حد سواء.

بحيث أجبرت اللاعب الأميركي من استجداء اللقاء مع الإيرانيين، واستجداء الهدوء من أجل الارتياح قليلا ومن أجل لملمة الأوراق في العراق، وحتما أن في نيّة إيران إجبار دول حلف الناتوالتي لها قطعات وجيوش في أفغانستان من الجلوس معها،وبترتيب من حكومة قرضاي ومثلما فعلت الحكومة العراقية التي تحولت إلى نادل وجرسون يعد الموائد كي يجلس عليها الإيرانيون مع الأميركيون ليتباحثوا حول العراق، فالأمر سيحدث حتى في أفغانستان إن نجحت إيران في صمودها وفي استمرارها في لعب الأوراق بذكاء في أفغانستان.

 

القنبلة البشرية التي قذفتها وستقذفها إيران في ملعب قرضاي !

وحتى أن موضوع اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة ( بنظير بوتو) لم يمر مرورا عاديا،بل سعت إيران من استغلاله ومن خلال لعبة تجيدها إيران ببراعة، وهي لعبة (خلط الأوراق) فبما أن الفضاء أصبح مشوشا بين أفغانستان وباكستان، وبالتالي إيران التي تتمنى أن تغرق الولايات المتحدة في مستنقع جديد، ناهيك عن أمنيتها التي تحققت وهي تعطيل السلاح النووي الباكستاني إجباريا،أي تعطيل ( الصواريخ والقنبلة النووية السنيّة/ حسب منطق اليوم وهوالمنطق الطائفي).

لهذا قررت أن تقذف حكومة حميد قرضاي بالقنبلة البشرية، وهي قرار طرد أكثر من ( مليون أفغاني) يقيمون في إيران بصورة غير شرعية، ولقد جاء هذا على لسان المدير العام لشؤون الرعايا الأجانب في وزارة الداخلية بتاريخ 6/1/2008، علما أنها طردت في الأشهر الماضية مئات الآلاف من الأفغانيين وطبعا بعد تثقيفهم وغسل أدمغتهم وهي لعبة تجيدها إيران ببراعة متناهية، مما ولد خوفا ورعبا لدى حكومة حميد قرضاي، والتي أوفدت عددا من مسئوليها إلى إيران من أجل إقناع السلطات الإيرانية بوقف عمليات الإبعاد، ولكن الحكومة الإيرانية عرفت كيف تجيب هؤلاء عندما سمحت للأصوات الإيرانية (السياسية والصحفية والإعلامية) والتي طالبت بإخراج الأفغان من الأراضي الإيرانية.

مما سببت إحراجا كبيرا إلى الرئيس قرضاي وحكومته، وكلنا نعلم بأن حكومة قرضاي هي حكومة منصبّة من قبل الاحتلال، ومن قبل الولايات المتحدة، وبالتالي فأن الخطوة الإيرانية موجهة إلى واشنطن، ومن أجل إجبارها على التنازل والقبول بالجلوس مع الإيرانيين حول مستقبل أفغانستان ومثلما فعلوا في العراق، ومن ثم جاء التوقيت وبعد مقتل بوتوهوتعزيز لحركة طالبان مقابل حصار حكومة قرضاي بمشكلة جديدة،خصوصا وأن هؤلاء الأفغان يوالون حركة طالبان وأصبحوا يمتلكون ثقافة إيرانية لذا فعودتهم مهمة جدا الى إيران وطالبان وخطر على حكومة قرضاي والإحتلال هناك.

ولكن لوجئنا إلى خلفية الموضوع وكي تشاهدوا حجم الدهاء الإيراني، والذي لا يعرف العواطف في الحساب الإستراتيجي، بل يعرف تسجيل النقاط من خلال الإستراتيجيات وليس الانفعال، فعندما بدأت الحرب على أفغانستان كان هناك في إيران عشرات الآلاف من الأفغان، وأن نسبة80% منهم توجهوا نحوالحدود ( أثناء الحرب) للدفاع عن بلدهم، ولكن السلطات الإيرانية منعتهم من الدخول نحوالأراضي الأفغانية، بل فسحت المجال للأفغان ولبعض القادة من طالبان والقاعدة الهاربين من جحيم الحرب بالدخول نحوإيران، بل صدت السلطات الإيرانية حتى السيد حكمتيار وأعضاء حزبه عندما قرروا الدخول إلى أفغانستان من أجل الدفاع عن بلدهم، ولم تسمح لهم إلا بعد وقت طويل وضمن ترتيبات معقدة....

لهذا لم يفكر الإيرانيون بعاطفتهم ولا بالقضية الدينية، ولا حتى بقضية الجيرة، بل فكروا ببلدهم ووطنهم وشعبهم وكيفية الاستفادة من هذه الملايين الأفغانية مستقبلا، وها هي تقرر اليوم طردهم، ودون النظر إلى العواطف والدين والجيرة أيضا، لأن الهدف إستراتيجي هوتركيع الناتووواشنطن وجعل الرئيس حميد قرضاي في ورطة، ومن ثم تعزيز حركة طالبان خصوصا بعد أن سجلت انتصارات تكتيكية وإستراتيجية مهمة في الأشهر الماضية والفضل يعود للدعم الإيراني، ولدعم دول ما بعد أن سمحت إيران بذلك... وفي آخر المطاف كله يعود بالثمر نحوطهران!!.

وهناك هدف إيراني أخر، وهوإستراتيجي من وراء طرد الأفغان، وهويتعلق بباكستان ومستقبلها المجهول، والذي ينذر بالتدويل والذهاب إلى المستنقع الطائفي والإثني... فتريد إيران ومن خلال الأفغان الموالين لها من التفكير جديا بنقطة وبممر ( كويتا) والذي سوف يقلق قرضاي وواشنطن وباكستان ـ وقد نتطرق ممر كويتا الخطير ..... في الأيام المقبلة أن شاء الله.

لكم الله ياعرب.. فأنتم في حصار من قبل الحكام وأميركا والعملاء...!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com