|
توزيع الاختصاصات والمسؤوليات في النظم الفدرالية والواقع الدستوري العراقي
خالد عليوي العرداوي/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية ترافق مع انتشار العولمة بأشكالها المختلفة تراجع تدريجي ومستمر لدور الدولة القومية وضعف جاذبيتها والنفور منها من قبل المكونات الاجتماعية التي تبسط هذه الدولة سيطرتها عليها، فقد اخذت الروابط اللغوية والثقافية والدينية المختلفة تضغط باتجاه التعبير عن هويتها الخاصة ووجودها الخاص ضمن الكيان العام للدولة الام، واضحت اية محاولة لكبت هذه الرغبات تجر الى مالايحمد عقباه، بل قد يجر _ احيانا _ الى الفوضى الاجتماعية وتفكك الكيان السياسي للدولة. ولتجاوز هذه الحالة بدأت الدول تميل الى منح مزيد من اللامركزية الادارية لهذه المكونات واحيانا الى مزيد من الحكم الذاتي في اطار حكومات اقليمية تتشارك السلطة مع حكومة اتحادية مركزية وهو مانسميه بالشكل الفدرالي للحكم، فأصبح الحكم الفدرالي وسيلة مهمة وفعالة للتوفيق بين الرغبات المتزايدة للمكونات الاجتماعية المتنوعة في التعبير عن هويتها الخاصة وضمان التنسيق والتعاون بين هذه المكونات في اطار حكومة اتحادية مشتركة. ان الحقيقة المتقدمة هي التي جعلت التوجه نحو الفدرالية اليوم يكتسب شعبية عالمية وجاذبية في الطرح السياسي حتى وصل عدد الدول الفدرالية اليوم مايقارب ال 24 دولة تضم مايقارب الـ 40% من سكان المعمورة وهي كالاتي: الولايات المتحدة الامريكية، كندا، الارجنتين، البرازيل، استراليا، بلجيكا، المانيا، سويسرا، النمسا، المكسيك، روسيا، الهند، ماليزيا، فنزويلا، اسبانيا، جنوب افريقيا، اثيوبيا، جمهورية جزر القمر الاسلامية، الامارات العربية المتحدة، سانت كيتس ونيفس، صربيا والجبل الاسود، ولايات ميكرونيزيا الموحدة، و البوسنه والهرسك، ولعل مايميز الاتحادات الفدرالية هو السمات الاتية: - وجود نظامان حكوميان _ على الاقل _ يديران شؤون مواطنيهما مباشرة. - تقسيم دستوري رسمي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقسيم موارد الدخل بما يضمن نوعا من الاستقلال الحقيقي لكل نظام. - وجود مادة دستورية تضمن التمثيل الحقيقي للاراء الاقليمية المختلفة ضمن المؤسسات الفدرالية الواضعة للسياسات وهو يتضمن عادة تمثيل الممثلين الاقليميين في المجلس التشريعي الفدرالي الثاني. - وجود دستور اتحادي لايمكن تعديله من جانب واحد، ويتطلب تعديله موافقة نسبة مهمة من الوحدات المكونة للاتحاد، عبر موافقة اما هيئاتها التشريعية وأما الاكثرية الاقليمية في استفتاء شعبي. - وجود حكم مرجح يتخذ عادة شكل المحاكم او عن طريق تأمين اجراء الاستفتاءات الشعبية، من اجل اصدار حكم في النزاعات حول صلاحيات الحكومات الدستورية. - العمليات والمؤسسات الهادفة الى تسهيل التعاون الحكومي الدولي في تلك المناطق حيث تعتبر السلطات الحكومية مشتركة او متشابكة لامحالة. ولكن تجدر الاشارة الى ان الاختلافات تكون متعددة داخل اي اتحاد فدرالي وتختلف من اتحاد الى اخر، اذ قد تأخذ شكل الاختلاف في عدد الوحدات الاقليمية المكونة للاتحاد ونسبة سكانها وموقعها، وثروتها النسبية، والاختلاف في درجة التجانس الاثني بين الوحدات الاقليمية وضمن كل وحدة اقليمية، والاختلاف في درجات المركزية واللامركزية وانعدام المركزية في السلطات والمسؤوليات الملقاة على عاتق النظم الحكومية المختلفة، والموارد المتوفرة لها، والاختلاف في درجة التناسق واللاتناسق اثناء توزيع الصلاحيات او الموارد على الوحدات المكونة، والاختلاف في طابع المؤسسات الفدرالية، سواء كانت رئاسية او برلمانية او متساوية التشارك في السلطة من حيث الشكل، مع تضمين التدابير اللازمة لاختيار اعضاء المجلس الفدرالي الثاني وتحديد تركيبته وسلطاته، والاختلاف في المؤسسات والاجراءات التي تسهل الاستشارات والتعاون مابين الحكومات...... واقامة الدول الفدرالية لايخضع لوصفة جاهزة يمكن تطبيقها بمجرد رغبة النخبة او القاعدة، بل هي تخضع لعملية ولادة صعبة كما تخضع للتطور والتجدد المستمر الذي تتحكم فيه ظروف المكان والزمان ومقتضيات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتكنلوجي، وتعد قضايا توزيع الصلاحيات والمسؤوليات، وتوزيع الدخل، وتنظيم المحاكم، وترسيم الحدود الجغرافية بين وحدات الاتحاد من اعقد القضايا واكثرها اثارة للجدل عند تشكيل الدول الفدرالية،لذا سنتطرق في هذه الورقة _ باختصار _ لواحدة من هذه القضايا، الا وهي قضية توزيع الصلاحيات والمسؤوليات في النظم الفدرالية. التنظيم الدستوري للاختصاصات والمسؤوليات في النظم الفدرالية ان السمة الاساسية للنظم الفدرالية هي قيامها بتوزيع السلطات والمسؤوليات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية المنظوية تحت الاتحاد_ بصرف النظر عن التسمية التي تأخذها هذه الحكومات _والشئ المهم الذي يجب ملاحظته في هذا الصدد هو الاتي: اولا: عندما يكون الاتحاد الفدرالي قد نشأ من تجميع عدد من الوحدات التي كان لها وجود سابق على الاتحاد وقامت بالتنازل عن جزء من سيادتها من اجل اقامته، فغالبا مايكون التركيز منصبا على تعيين مجموعة محدودة من السلطات الفدرالية الخالصة والمشتركة _ متلازمة _ مع استبقاء السلطات المتبقية وهي غير محدودة عادة في يد الوحدات المؤسسة، ومن الامثلة على ذلك الولايات المتحدة، سويسرا، استراليا، النمسا، والمانيا. ثانيا: عندما يكون الاتحاد الفدرالي قد نشأ من تحول دولة مركزية الى دولة فدرالية بقيام الحكومة المركزية بتفويض سلطاتها الى الوحدات المحلية، فغالبا ما كانت سلطات الوحدات الاقليمية محددة وظلت السلطة المتبقية في يد الحكومة الفدرالية، كما هو الحال في كل من بلجيكا واسبانيا، وحذت كندا والهند وماليزيا هذا الحذو حيث تم تحديد السلطات الفدرالية الخالصة، والسلطات الاقليمية الخالصة، والسلطات المشتركة، مع منح السلطات المتبقية في كندا والهند - على سبيل المثال - للحكومة الفدرالية. والسؤال الذي قد يطرحه البعض هو ماذا نقصد بالسلطات الخالصة او الحصرية وماذا نقصد بالسلطات المشتركة والمتبقية ؟. ان المقصود بالسلطات الحصرية هي تلك السلطات التي يكون الاضطلاع بها من صلاحية الجهة التي حددها الدستور الفدرالي بحيث ان اي تدخل من اي جهة عدا الجهة المحددة دستوريا يشكل تجاوزا على النص الدستوري يقتضي تحرك القضاء لردعه، وتحديد السلطات الخالصة في الدستور مفيد، لانه يعزز استقلال الجهة التي تمارسها من جهة، ومن تقع عليه المسؤولية عند الاخلال بهذه السلطات من جهة اخرى، ويؤكد الخبراء على اننا مهما حاولنا تحري الدقة في تحديد السلطات الحصرية فأن التداخل السيادي بين مستويات الحكم المختلفة حاصل لامحالة، وهذا ماعكسته التجربة الكندية والسويسرية، ففي التجربة الكندية نجد ان الحكومة الفدرالية هي المسؤولة عن الشؤون الخارجية، والامن،والسياسات الاقتصادية الشاملة،والهجرة والمواطنية، لكن ذلك لايمنع الاقاليم من التعاون مع الحكومة الاتحادية ليكون لها رأيا مهما في هذه الميادين،. اما حكومات الاقاليم فهي المسؤولة عن حقول التربية، والرعاية الصحية، والانعاش والتنمية الاقتصادية، وتنظيم الصناعة الا ان ذلك لايمنع الحكومة الاتحادية من المشاركة في هكذا حقول عبر التنازل عن بعض الصلاحيات لحكومات الاقاليم من خلال برنامجها من اجل المساواة بين الاقاليم الذي هدفه ضمان قدرة الاقاليم الاكثر فقرا على الايفاء بمسؤولياتها بدون الاثقال عليها بالضرائب. كما تعد المانيا الاتحادية دولة فدرالية تتكون من حكومة اتحادية و16 مقاطعة، ويتميز نظامها السياسي بأخذه بمبدأ الفصل التام للمسؤوليات بين الاتحاد الفدرالي والمقاطعات المكونة للاتحاد، فيعتبر كل مستوى حكومي مسؤولا بالنسبة للقرارات الخاصة التي يتخذها، حتى حين يفوض قانون فدرالي السلطة الى برلمانات المقاطعات، لكن الدستور الالماني حدد السلطات الحصرية الخاصة بالسلطة الفدرالية في: الشؤون الخارجية، الدفاع، المواطنية، تحركات السلع والاشخاص، الاتصالات، والضرائب الفدرالية. اما السلطات المشتركة فهي السلطات التي تكون محل تداخل بين الحكومة الاتحادية المركزية وحكومات الوحدات المشكلة للاتحاد وهذا مانجده في دساتير الولايات المتحدة، والمانيا، والهند، وماليزيا، فالدستور الالماني على سبيل المثال حدد السلطات المشتركة بالسلطات المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك خدمة الانعاش الاقتصادي، والضمان الاجتماعي، وقانون العمل، والتنظيم الاقتصادي، والزراعة، وحماية البيئة، وتحدث عن نوع ثالث من السلطات هي تلك المتضمنة وضع قوانين اطر العمل من قبل الحكومة الاتحادية تاركة امر تفسيرها للمقاطعات وهذه القوانين تشمل حقول واسعة مثل: التعليم العالي، الصحافة وصناعة الافلام، اصلاح الاراضي، التخطيط الاقليمي، واشترطت المحكمة الدستورية الفدرالية امهال المقاطعات وقتا طويلا عند تطبيقها لقوانين اطر العمل. ان تحديد السلطات المشتركة في الدستور الفدرالي له فوائده المتمثلة بـ: 1 - يضفي قدرا من المرونة على توزيع السلطات، مما يتيح للحكومة الفدرالية تأجيل ممارسة السلطة المحتملة في مجال بعينه حتى يكتسب اهمية فدرالية، وهذا يسمح لحكومة الوحدة المكونة للاتحاد باخذ الوقت الكافي للقيام بمبادرتها الخاصة. 2- يسمح الاختصاص المشترك للحكومة الاتحادية بتقنيين الاطر العامة على المستوى الفدرالي وتترك للحكومات المحلية تقنين التفاصيل وتقديم الخدمات بطريقة تراعي اختلاف الظروف المحلية. 3- يسمح الاختصاص المشترك بتجنب ضرورة حصر الاقسام الفرعية الدقيقة والمعقدة لكل وظيفة من الوظائف التي يتم توزيعها على مجال او اخر من مجالات الحكومة، وتقلل من احتمال ان تصبح هذه الاقسام الفرعية القيقة بالية عند تغير الظروف. 4 – عند تحديد السلطات المشتركة عادة مايحدد الدستور انه في حالة التنازع بين القانون الفدرالي وقانون الوحدة المكونة للفدرالية تكون السيادة للقانون الفدرالي، مع توقع وجود استثناءات على ذلك، فمثلا الدستور الكندي على الرغم من انه جعل معاشات الشيخوخة من ضمن الاختصاصات المشتركة الا انه اشار الى انه في حالة التنازع تكون الاولوية لقانون الاقليم على القانون الفدرالي. وبالنسبة للسلطات المتبقية، فهي تلك السلطات التي ترك العمل بها من اختصاص السلطة التحادية او سلطات الوحدات الفدرالية، فنجد ان الاتحادات الفدرالية الناجمة من تجميع وحدات كانت مستقلة، يتم منح السلطات المتبقية فيها لحكومات الوحدات، كما هو حال كل من الولايات المتحدة، استراليا، النمسا، المانيا، وماليزيا...في حين نجد ان الاتحادات الفدرالية الناجمة عن تفويض السلطة من حكومة مركزية لصالح حكومات الوحدات فأن السلطة المتبقية تترك للحكومة الفدرالية كما هو الحال في كندا والهند وبلجيكا. والملاحظة التي يجب الانتباه اليها هي انه كلما ازداد تفصيل النص الدستوري للسلطات الحصرية الممنوحة للحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم كلما قلت اهمية السلطات المتبقية. ان هذا الاختلاف في طريقة توزيع السلطات والمسؤوليات بين النظم الفدرالية هو واقع حال تتحكم فيه الظروف الخاصة لكل نظام وعليه ماينطبق على نظام ليس بالظرورة ان ينطبق على اخر، ولايستثنى من ذلك التجربة العراقية في الفدرالية التي لازالت وليدة وتحتاج الى معايير خاصة تتناسب معها لتحقق نجاحها. التنظيم الدستوري للاختصاصات والمسؤوليات في الدستور العراقي قبل الحديث عن التنظيم الدستوري للاختصاصات في العراق، لابد من ابداء بعض الملاحظات على هذه الفدرالية الوليدة: 1- ان الفدرالية في العراق لم تنشأ عن تجميع وحدات فدرالية تتمتع بأستقلال سابق على نشوء الكيان الفدرالي اللهم الا اقليم كردستان الذي كان له شبه استقلال عن الكيان المركزي. 2- لم تنشأ الفدرالية العراقية عن قيام الحكومة المركزية بأختيارها بتفويض سلطاتها الى الاقاليم المحلية لتمنحها الفرصة فيما بعد لتكون حكومات محلية في الاتحاد الفدرالي. 3- لم تنشأ الفدرالية العراقية في ظروف طبيعية لنشأة الاتحادات الفدرالية، بل نشات في ظروف احتلال عسكري اجنبي، واضطراب داخلي عنيف ترافق مع انهيار نظام دكتاتوري شديد المركزية، ورفض اقليمي لتقبل التغيير، وهذا انعكس بشكل سلبي على الموقف من عملية الفدرلة ومدى ارتباطها بالنهج الوطني. 4- على الرغم من ان التأطير الدستوري للفدرالية قد حدث قبل تشكل هياكلها. الثقافية، والجغرافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.... الا اننا نجد ان هذا التأطير قد تحرك ببعد واحد تحت تأثير وحدة فدرالية واحدة هي اقليم كردستان، بدون الاخذ بنظر الاعتبار رغبات وطموحات ماقد ينشأ مستقبلا من وحدات فدرالية جديدة تشكل الاتحاد الفدرالي العراقي، ولعل في تعطيل المجلس الثاني (مجلس الاتحاد) وعدم تحديد طريقة تشكيله وصلاحياته دليل على ذلك. توزيع الاختصاصات والمسؤوليات في الدستور العراقي: ان الدستور العراقي شأنه شان اي دستور فدرالي، قد وزع الاختصاصات والمسؤوليات بالشكل الاتي: اولا: الاختصاصات الحصرية بالحكومة الاتحادية: لقد حددت المادة 110 من الدستور العراقي لعام 2005 (باب اختصاصات السلطات الاتحادية)، الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية بـ: - رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية. - وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه. - رسم السياسة المالية والكمركية، واصدارالعملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية، وانشاء البك المركزي وادارته. - تنظييم امور المقاييس والمكاييل والاوزان. - تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي. - تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد. - وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية. - تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب وتدفق المياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق، وفقا للقوانين والاعراف الدولية. - الاحصاء والتعداد العام للسكان. ثانيا: الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وسلطات الاقاليم: وقد اشارت الى هذه الاختصلصات المادة 114 من الدستور العراقي وحددتها ب: - ادارة الكمارك وجعلت تنظيم ذلك بقانون سيصدر لاحقا. - تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها. - رسم السياسات البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها. - رسم سياسات التنمية والتخطيط العام. - رسم السياسة الصحية العامة. - رسم الياسة التعليمية والتربوية العامة. - رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلا لها، وينظم ذلك بقانون. واضافة الى هذه الاختصاصات المشتركة المبينة في هذه المادة، نجد ان المادة السابقة لها (113)، قد جعلت ادارة المواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات من الحقول التي تتم بالتعاون بين الحكومة الفدرالية وحكومات الاقاليم. ثالثا: السلطات المتبقية: بموجب المادة (115) من الدستور، اصبحت السلطات المتبقية من صلاحية الاقاليم الفدرالية المكونة للاتحاد الفدرالي العراقي، كما اصبح اي تنازع في الصلاحيات المشتركة، تكون الاولوية فيه لقانون الاقاليم الفدرالية، والمآخذ على هذه المادة هي كالاتي: أ- كان المفروض جعل السلطات المتبقية من صلاحية الحكومة الاتحادية، لاننا كما اشرنا في بداية هذه الورقة، فأن التأطير الدستوري للفدرالية في الدول التي تتحول حديثا من المركزية بأتجاه الحكم اللامركزي ثم الفدرالي كانت تترك هذه السلطات بيد الحكومة الاتحادية، كما هو الحال في دساتير كندا، وبلجيكا، والهند.. بعكس الحالة في الدول التي نشأت من تجميع لوحدات مستقلة بشكل مسبق، ولايمكن المحاججة بأقليم كردستان، لأن هذا الاقليم ساهمت ظروف مختلفة بأنشاءه ولايمكن اعتباره وحدة مستقلة عن الكيان القانوني للعراق. ب- انطلاقا من نفس الاسس الموجودة في الفقرة (أ) نجد ان جعل الاولوية في حال التنازع في الصلاحيات لصالح قانون الاقاليم هو امر غير معمول به في الدول الفدرالية المشابهة للعراق، بأستثناءات قليلة، كما هو الحال فيما يتعلق بمعاشات الشيخوخة في الدستور الكندي حيث جعلت الاولوية فيه لصالح قوانين المقاطعات، فلماذا تركنا القاعدة واخذنا بالاستثناء في الدستور العراقي، على الرغم من ان ذلك قد يسبب مشاكل مستقبلية نحن في غنى عنها لخطورة الاختصاصات المشتركة واهميتها ؟. الاستنتاجات: يمكن ان نستنتج مما تقدم مايلي: 1- ان الفدرالية اليوم هي احد اشكال الحكم الناجحة التي تسمح للتنوع الاجتماعي في الدول بالتعبير عن الهويات الذاتية لمكوناته مع الابقاء على رابط الوحدة في ظل الاتحاد الفدرالي، لاسيما في عصر العولمة وافرازاته الثقافية والحضارية. 2- تختلف الدول الفدرالية في دساتيرها وطرق تشكيلها وعدد الوحدات المكونة لها، بأختلاف الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدولية والسياسية التي ادت الى تأسيسها. 3- ان توزيع الاختصاصات في الدساتير الفدرالية، غالبا مايكون بتوزيعها الى ثلاث فئات: حصرية، ومشتركة، ومتبقية، وطبيعة هذه الفئات ومداها تتحكم فيه ظروف نشأة الاتحاد وحاجاته. 4- مهما حرص المشرعون على توزيع السلطات بشكل دقيق وواضح بين الحكومات الاتحادية وحكومات الاقاليم المنظوية تحتها، فأن التشابك والتداخل والاختلاف حاصل لامحالة بينها، وهذا الامر يجب ان يقبل كواحدة من الحقائق الملازمة للفدراليات. 5- ان الاتحاد الفدرالي العراقي، يتسم بنوع من الفرادة، قياسا لبقية الاتحادات، للظروف الخاصة التي اكتنفت نشوءه، والعجلة الواضحة في تأطيره الدستوري، ولو ان بعض الباحثين يرون ان وجود نص دستوري متقدم على واقعه خيرا من انعدام النص في الدستور، وهو رأي يجب عدم الانتقاص منه وترك المستقبل للحكم على صحته. 6- ان الدستور العراقي تضمن توزيعا للصلاحيات بين حكومة الاتحاد وحكومات الاقاليم المزمع انشائها، وفقا للفئات الثلاث المذكورة في الفقرة ثالثا اعلاه، لكن توجد مؤآخذات على النص الدستوري فيما يتعلق بالسلطات المتبقية، وطريقة فض النزاعات المحتملة بين حكومة الاتحاد وحكومات الاقاليم،في مجال السلطات او الصلاحيات المشتركة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |