الحسين في مواجهة الجاهلية

 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15

 الاسلام رسالة الله الخالدة التي عبرت عن مسيرة الانبياء على طول التاريخ وهي الرسالة التي كملت هذه المسيرة الانسانية  الطويلة في مواجهة الانحراف بكل اصنافه والوانه. فبعد المعاناة الانسانية الطويلة التي  عاشاها الناس بعد غياب السيد المسيح (ع)من الارض , جائت رسالة الاسلام لتنير الدرب بعد الظلام الطويل  الذي عقب غياب السيد المسيح لتجمع الموحدين من جديد على طريق الله وتشد في رابطتهم الانسانية والتوحيدية من خلال مضلة الاسلام المحمدي الاصيل. ولكن اهل المصالح الدنيوية لايرغبون في ذلك وضعوا كل العراقيل لمواجهة المشرع الاسلامي الذي هو يمثل القييم الانسانية التي جاء بها كل الانبياء والرسل .فكانت الرسالة الاسلامية هي بداية عهد جديد .

لقد استطاعت الرسالة الإسلامية  ان تغيير نظرة الناس للحياة الإجتماعية، والسياسية، الاقتصادية والثقافية والفكرية والروحية .وقد أرست قيم العدالة، وبشرت بالكرامة، والحياة الحرة الكريمة، ودعت للتواصل بين الأمم، والغاء الفوارق الطبقية، والقومية، وأعلنت بداية عهد جديد تشيع فيه المحبة والأخوّة الإنسانية ,ولقد كرم الاسلام المرأة ووضعها في موضعها الانساني المرموق ولا تختلف في التكاليف عن الرجال، إلاّ في الحدود التي تقتضيها الطبيعة التكوينية لها ... ودعت الشريعة الإسلامية لحكومة العدل، والمساواة، والشورى وتداول السلطة عن طريق البيعة الشعبية، ورضا الأمة .
ومن أجل أن تستمر المسيرة بعيدة عن التلكؤ، والعقبات وضع النبي (ص) ضمانات تشريعية، وروحية، وأخلاقية للحفاظ على المشروع الحضاري المذكور.إلاّ أن القوى الشيطانية ذات المنافع الدنيوية الغارقة في الحرص على مصالحها الفئوية، والشخصية، عملت كل وسعها من أجل تدمير مشروع النبي (ص)، وهذه الظاهرة ابتليت بها كثير من الأمم بعد غياب الأنبياء (ع)، حتى إن رسول الله محمد بن عبدالله (ص) حذر من هذه الظاهرة  فقد روي عن رسول الله (ص) انه قال : «أ يُّها الناس ! إنّكم محشورون إلى الله، عراة، حفاة، ثمّ تلا : (كما بدأنا أوّل خلق نعيده، وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين )، ثمّ قال : ألا وإنّ أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنّه يجاء برجال من أمّتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : يا ربّ ! أصحابي، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم، فلما تَوفَّيتَني كُنْتَ أنتَ الرقيبَ عليهِمْ وأنتَ على كلِّ شيء شهيد )، فيقال : إن هؤلاء لم يزالوا مُرْتَدين على أعقابهم منذ فارقتهم» ..

لقد احدثت واقعة السقيفة انقلابا على مخطط رسول الله , حتى وصل الامر الى ال ابو سفيان ان يسطون على الحكم بلغة الترهيب والترغيب ويرجعوا الامة الى جاهليتها باسم الاسلام  من خلال الاجتهاد مقابل النصوص , وتعطيل الاحكام وممارسة التشوية والالغاء لمشروع الرسول (ص) ذكرنا قبل قليل ان الحاكم الأموي معاوية بن أبي سفيان، قد وضع خطة سرية لتهديم كل القيم الإلهية، والإنسانية التي بشّر بها النبي محمد (ص)، وقد تسربت هذه الخطة في فلتة لسان منه، في حوار جرى بينه، وبين نديمه التاريخي المغيرة بن شعبة كما رأينا ..
وقد كان معاوية بن أبي سفيان قد باشر عملية «دفن» القيم الإسلامية في العدالة والأخوّة والحرية، والاستقامة، وكرامة الإنسان، وحرية إرادته وإشاعة الخير والمعروف، خطوة بعد خطوة ,ومن هذه الخطط وهذه هي الخطط الأموية الرجعية التي نفذها معاوية بن أبي سفيان التي شكلت إنقلاباً مضاداً للحركة التغييرية الكبرى التي باشرها رسول الله (ص) في حياة الناس :

1 ـ إشاعة حالة الإرهاب والقتل العام، والتصفية الجسدية لكل من يعارض حكمه، لا سيما  الموالين لاهل البيت (ع) وقد وضع خطة حمراء رهيبة من أجل متابعتهم، وإخراس أصواتهم بكل وسائل التنكيل والاضطهاد، وقد عبرت عن سياسته هذه، الكلمات التالية التي يوصي بها أحد قواده : « .. فاقتل كل من لقيته، ممن ليس هو على مثل رأيك، واضرب كل ما مررت به من القرى، واحرب الأموال، فإن حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب . .». , «إن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته»  «ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة» , «انظروا من قامت عليه البينة إنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، وأهدموا داره» .

2 ـ شراء الذمم والضمائر إمعاناً من معاوية في إضعاف الشخصية المسلمة، والاستمرار في سياسة الهيمنة على حركة الأمة العامة.

 3 ـ الحرب الاقتصادية وطريقة التجويع فلقد سلك معاوية هذا الأسلوب، وأشاعه لاذلال العباد وتركيعهم، وإشاعة المسكنة في نفوسهم، وكان أكثر ضحاياه في بلاد المسلمين أهل بيت النبي (ع) وشيعتهم، فقد كتب إلى عماله وولاته بشأن محاربة أهل البيت وشيعتهم ما يلي : «انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه» .

 4 ـ تمزيق الأمة الإسلامية، والتأثير على ولائها للإسلام، وذلك بإثارة النعرات القومية  والقبلية والعرقية .

5 ـ الاغتيال السياسي : ومما اقترفه معاوية في حياته المكرسة للشر والمنكر، قتله للمعارضين له أو ممن يخشى من وجودهم، بطرق مختلفة، كانت أهمها تمرير القتل للمعارضين دون ضجيج أو إثارة، ولذا، فقد اعتمد أسلوب السم، لقتل مناوئيه، كما فعله الامام الحسن بن علي السبط (ع)، والأشتر النخعي وامثالهم الذين كاونا من ضحايا هذه الجرائم ـ

6 ـ تحويل حكم الخلافة إلى حكم ملكي امبراطوري تحت ظل الكبت والتدمير والتآمر على الأحرار حيث عين ولده «يزيد» ملكاً على الأمة بعد اغتياله للحسن المجتبى (ع) .

7-محاولة طمس الرسالة المحمدية بادخالهم الالاف من الاحاديث المختلقة وحجب الاحاديث الصحيحة عن الناس.

 8-تشجيع المدارس الاعتقادية المختلفة وباسم الاسلام لحرف الامة  عن قيادتها الشرعية المتمثلة باهل البيت  عليهم السلام. وتخدير الامة بروايات مختلقة بتحريم الثورة والقيام على الحكام  وان كانوا ظالمين والتاكيد على النظرية الجبرية في الامة.

 وهكذا يجد المتتبع كيف رسم معاوية مخططاً رهيباً لأنهاء الوجود الفكري والروحي والاجتماعي المرتبط بالاسلام المحمدي الاصيل وارجاع الامة الى جاهليتها وباسم الاسلام ,فكانت ثورة الامام الحسين (ع)  هو الوقوف في وجه هذا الانحراف  ومواجهة الظلم ,لان الظلم يدمر المجتمع  وقد رسم الامام الحسين (ع)  معالم الحالكم الشرعي ليذكر الناس بحكومة رسول الله (ص) واهل بيته (ع) وشرعيتها لانها تمثل الاسلام المحمدي الاصيل, فالحاكم العادل هو: اولا:العامل بالكتاب اي انه  فهو المتمسك بكتاب الله عزّوجلّ، في أوامره، ونواهيه، وهو الذي يملي عليه برامجه الحياتية، ويحدد البنية التحتية لكافة مشاريعه السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والشخصية .
وثانيا : الأخذ بالقسط، حيث إن القسط بالمفهوم الإسلامي، هو إقامة العدل، بأجلى صوره، وأعلى درجاته، سواء أكان في البرامج الاقتصادية، وإجراء عدالة التوزيع، أو في السياسات الاجتماعية كالحكم، والقضاء، والعلاقات مع قطاعات الأمة المختلفة , والثالث هو  الحابس نفسه على ذات الله : وهذا هو الركن الثالث من أركان الحكم العادل في نظر الإسلام حيث يكون الحاكم منضبطاً بضوابط الشريعة الإلهية المقدسة، وسائراً في حياته الشخصية، والعامة حيث اتجهت به في قيمها، وتوجيهاتها العظيمة . زحينما شخص الامام الحسين (ع) ان الجاهلية قد استحمكت في حلقاتها على الامة من خلال السياسة السفيانية , فقد رفع صوته الامام الحسين عايا منددا بالظلم «أ يُّها الناس ! إن رسول الله قال : مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق ممن غير، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم إنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن أتممتم عليَّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ولكم فيَّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور من اغترّ بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

هكذا واجه الامام الحسين الانحراف الجاهلي ووقف مع اصحابه في مواجهة الظالمين وتحريك ضمير الامة باتجاه نبذ العنف والظلم والارهاب, وارد الامام الحسين ان يعلمنا دائما وابدا ان الدم منتصر على السيف مهما بلغتقساوة السيقف , ولابد لكل قضية مقدسة من تضحية وان التضحية تعبر عن الخلود لان التضحيو وسام شرف للاحرار في كل زمان ومكان , واراد الامام الحسين ان يعلمنا ان الخلود ليس لاهل الدنيا وانما الخلود هو لاهل الله الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله لا طمعا في دنيا فانية فهي فصيرة مهما طال امدها وان اهل الدنيا  مهما بلغت عظمو ِانهم فانهم زبد وهم الى زوال وسيكونوا في مزبلة التاريخ اذا لم يتركوا بصمات خير للبشرية.

{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }الرعد17

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83

فسلام على الحسين واولادالحسين واصحاب الحيسين ,ولعنة الله على الظالمين في كل زمان وماكن ومن ولالهم ونصرهم.

والحمد لله رب العالمين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com