بن خلدون:"أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي" مولود في تونس سنة 1332م(وهذي مئويته 6 ، ت 1406م). حفظ القران الكريم صغيرا وتفقه فقه اللغة العربية ولغة الفقه الشرعي(تفسير القران والحديث النبوي) وعلوم اللسان نحوا وصرفا وبلاغة وأدبا، وانتقل لدراسة المنطق والفلسفة وعلوم الطبيعية والرياضيات وعلوم عصره، تاريخا وسياسة وغير ذلك، واحاطته بمحيط المغرب ومصر الذي عاش فيه تجاريبه(الحالة السياسية والفكرية التي كانت تسود المغرب في القرن 14 م). فقد ظهر "ابن خلدون" برأيه في عصر" كانت السيادة فيه في الحقل الفكري للغيب(الميتافيزيقيا)، إذ مذ الضربة التي وجهت للفلسفة بشخص"ابن رشد" أواخر القرن 12م، لم يعد للبحث في ظواهر الطبيعة والمجتمع على أساس علمي أي محل في دراسات مفكري العصر، الأمر الذي ساعد ذلك على تعميق انتشار المدارس الصوفية في المغرب.

الظرف الموضوعي لدولة المماليك أجبره على العمل بوظائف العمامة، فنظام الدولة اقطاعي عسكري والوظائف العليا لأرباب السيف، لا مكان له فيه. يقول عنه"عبدالعزيز الدوري":"ابن عصره القلق، تأثر بمشاكله وحاول أن يفهمه وأن يعي التحولات التي ادت اليه".

استطاع العلامة ابن خلدون ان يتعرف على جوانب هامة من الفكر الفلسفي في الإسلام في أي عصر ومصر. لا يمثل"اخوان الصفا" فقط، مصدره أيضا الفارابي وابن سينا ويميل الى بعض كتابات الأشعرية، ما يفسر حديثه عن الغزالي والقول في أن العلاقة غير ضرورية بين الأسباب والمسببات، واستفاد من كتاب"قوت القلوب" لأبي طالب المكي، في التصوف كان قريبا من الفكر غير العقلاني فهاجم الأشعرية الصوفية أكثر من هجومه على المعتزلة. ولا نقول ان كل غربي سرق أفكار ابن خلدون ليقدم نظريته الاجتماعية، نقده ابن رشد الذي نقدا عنيفا ليس صحيحا لأنه لم يعتمد على شرح واحد من شروح ابن رشد. وكان منه أن يكشف المصادر التي نقل منها ولم يفعل. وتشي مقدمته الشهيرة بخلفيته الإسلامية وتعرفه على عدة جوانب لقدماء الفلاسفة سيما افلاطون وارسطو(عندما تحدث عن فلاسفة اليونان أخطأ لأنه لم يتقن اللغة اليونانية فقد نسب آراء لأرسطو لم يقلها بل قالها أفلاطون).

كان أثره الأدبي معدوداً كما ضخما كيفا لم تتجاوز مؤلفاته الثلاثة تميز بنظريات هامة جداً في السياسة وعلم الإجتماع والتاريخ منفردا بكونه احدى ثمرات تراث الفكر العربي الإسلامي في القرن 9 هـ وما تلاه عمده الرئيسة 3: الفارابي وابني سينا ورشد.

في البدء الف ابن خلدون باكورة أعماله/ كتابه "لباب المحصل في أصول الدين"، تناول فيه الإسلام والبديهيات والنظر والدليل والموجودات عند المناطقة والمتكلمين. كتابه الثاني الأشهر"العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" تناول فيه فضل علم التاريخ وأسباب العمران وعلله وأحوال التمدن وما يعرض للإجتماع الإنساني وأخبار العرب واجيالهم ودولهم وأخبار البربر وأشهر قبائلهم. الكتاب الثالث مقدمته بدأ يكتبها في قلعة ابن سلامة"التعريف بإبن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته شرقاً وغرباً"وهو سيرة ذاتية كاملة عن نفسه تتناول نسبه وتاريج أجداده في الأندلس ونشأته ومشايخه والوظائف التي تقلدها.

لم يكن ابن خلدون كابني سينا ورشد، هو فقيه سُنّي ومتكلم أشعري، مقولته"عقل صرف يتحد فيه العقل والعاقل والمعقول" فنقض أثر الغزالي في مهاجمته الفلاسفة وكرّر أن الغرض فضحهم(يرى ابن رشد الفضح"هفوة" من هفوات العالِم). نبذ بشدة الفلسفة ولم يرَ منها إلا جانباً مجملاً لا تفصيل فيه، ولا يرى فيها إلا خطراً على الدين وبوابة مواربة الى الكفر وحكماً للتفرقة بين الصواب والخطأ. و تناول مسائل عقلنة الوحي ورده الى أسباب طبيعية بحت وفضلوا الفيلسوف(العقل الكلي) والمفاهيم المجرّدة. ابن رشد حصن العقل لا الخوارق

عمد ابن خلدون الى التساؤل عن أسباب وقوع الظواهر الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والنفسية المتحكمة، وعن القانون العام الذي يربط كل هذي:كيف دخل أهل الدول من أبوابها، حتى تنزع من التقليد يدك، وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك". قانون عام يفسرّ حركة التاريخ وما تتحكم به من علل. يفسّر الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل. صالح في كل زمكان، لا الرحلة التي عاشها ابن خلدون(القرن 14م) ولا على المغرب، يفسّر أحوال الأمم والشعوب مهما اختلف زمكانها، "لم أترك شيئاً من أولوية الأجيال والدول، وتعاصر الأمم الأُول، وواقع ومنتظر، الا استوعبت جمله، واوضحت براهينه وعلله". نهج جديد أساس للدراسة كمعيار لأسرار تاريخ العمران
، قانون من داخل الأشياء وليس مفروضا عليها من أعلى.

رفض ابن خلدون الفلسفة في فصل «إبطال الفلسفة» في "المقدمة" وكد فيه تهافت منطق الفلاسفة المسلمين المتأثرين بالفلسفة اليونانية بقوله بأن «العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها». قال عنه"توينبي":"انه تصور وصاغ فلسفة هي بلا شك أعظم انتاج أبدعه.

ابن خلدون ليس فيلسوفا لأنه لم يقدم نظرة شاملة عن علاقة الله بالكون مثله مثل طه حسين وزكي نجيب محمود لم يكن صاحب نسق فلسفي سياسي واجتماعي(وصف"محمود أمين العالم" ابن خلدون بأنه كان"لعبي كبير"!).

جعل عدد من الباحثين السوفييت فكر ابن خلدون اساس تعسفي لمنطلقاتهم الماركسية أحيانا كما تعبر عن ذلك بحوثهم الرئيسة التي نشرت خاصة في مجلة الاستشراق السوفييتي ومنهم، بي ليفن في دراسته عن "ابن خلدون العالم الاجتماعي العربي" (1926م) وبلاييف في دراسة عن نظرية ابن خلدون التاريخية الاجتماعية نشرت في 1940، تدعم التفسير الماركسي للتاريخ وتكون جذرا لنظرية ماركس حول تطور قوى الانتاج، وهو تفسير كان قد أسسه في اوربا عدد من ابرز المهتمين بدراسة ابن خلدون سيما ايف لاكوست في كتابه : ابن خلدون - مؤسس علم التاريخ"(باريس - 1954م)، وفرانز روزنتال في ترجمته لمقدمة ابن خلدون الى الانكليزية (نيويورك 1958م) وكتابات سفتيلانا باتسييفا في "العمران البشري في مقدمة ابن خلدون" و"نظرية فلسفة التاريخ عند ابن خلدون" و"الأسس الإجتماعية لنظرية ابن خلدون في فسفة التاريخ" و"البحث التاريخي الفلسفي لابن خلدون"، و"مقتطفات مختارة من ابن خلدون" الصادرة بين 1958 و1965م وغيرهم.

و في عام 1968 نشرت مجلة «المورد» الصادرة عن جامعة البصرة دراسة عن مجدد البحث الفلسفي تمثل مؤلفاته الفلسفية العديدة اول محاولة في العالم العربي لدراسة نظرية ابن خلدون في علم التاريخ من وجهة نظر مادية تاريخية، معمقا ومواصلا تيارا فلسفيا عالميا في هذا المجال وطموح في مجال دراسة الفكر الفلسفي لا سيما عند ابن خلدون الذي خصه الى جانب أطروحته باللغة الروسية بعدة دراسات بالعربية من بينها كتاباه المنشوران "مذاهب ومفاهيم في الفلسفة وعلم الإجتماع" و"دراسة ابن خلدون في ضوء النظرية الإشتراكية" (بغداد – 1976م). الباحث العراقي الراحل الاستاذ الدكتور "عبد الرزاق مسلم ماجد"(نظرية المعرفة عند ابن خلدون) تعبر بشكل واف في مجال الفلسفة الخلدونية، واراد ان يثبت علاقة قوية بين ابن خلدون والفلسفة، وان يجد في "المقدمة" افكارا تدعم التفسير الماركسي للتاريخ وتكون جذرا لنظرية ماركس حول تطور قوى الانتاج.

نقد الراحل"عبدالرزاق مسلم" اعتبر ابن خلدون أحد "الشخصيات الفذة في تاريخ الفكر الفلسفي" وموضوع «إبطال الفلسفة» تحديدا عكس ما يوحي به عنوانه، "لم يكن في جوهره الا انتصاراً للفلسفة وابطالاً للافكار الميتافيزيقية والتأملية الشائعة في ذلك العصر"، معتبرا ان لا ادل على تثمين ابن خلدون للفلسفة اعتباره العلم الذي ابدعه (علم العمران البشري) فرعاً من فروع الفلسفة وتأكيده على الصدق المطلق للعقل.

كما يعتقد"عبدالرزاق مسلم" ان أولى موضوعات مذهب ابن خلدون الاجتماعي تشير الى ان التطور التأريخي يخضع لاحكام قوانين الضرورة، وان مهمة العلم تقوم في اكتشاف هذه القوانين على اساس استقراء الحوادث، أي على أساس تجريبي. أما الاخلاق فقد عدها ابن خلدون اجتماعية المنشأ، فليست هنالك غريزة يميز بها الانسان الحسن من القبيح تعمل قبل التجربة، وانما تقام القواعد الاخلاقية على المصلحة وتتعلق بالظروف التي تعيش فيها الجماعة.

وهكذا فالهدف الرئيس لفلسفة ابن خلدون كان برأيه"البحث عن قوانين التطور التاريخي في طبيعة المجتمع ذاته، وهو أمر يقتضي أولاً وقبل كل شيء سلوك اتجاه مغاير تمام المغايرة للاتجاه السائد في البحث آنذاك، والإستناد الى أساس فلسفي محدد في المعرفة. ولهذا كما يرى عبد الرزاق مسلم، بدأ ابن خلدون من التمييز بين مسائل العلم ومسائل العقيدة وحدد مصدر كل منهما كما نفى أية امكانية للتداخل بينهما. فالمعرفة العلمية عنده ممكنة فقط بالنسبة للعالم الواقعي –الطبيعة والمجتمع- لأن هذا العالم –على حد تعبيره- «وجداني مشهود في مداركنا الجسمانية والروحانية»، أما الروحانيات وغيرها من مسائل العقيدة فليست مما يدخل في اطار المعرفة العلمية لانها ليست مما يقع تحت طائلة الحس والتجربة ولا مما يخضع للعقل، ومصدرها وبرهان صحتها الشرع فقط". من هنا يستنتج أن المنطلق الحسي المادي في المعرفة كان الأساس الذي اعتمد عليه صاحب"المقدمة" في صياغة مذهبه في الإجتماع والأخلاق"، استنتاج/ تسطيح منهجية ميل الى التعميم والنظرة الأحادية(المادية التاريخية). كما ان هذا الإستنتاج نفسه نجده عند معظم الباحثين الماركسيين الذين تناولوا نظرية المعرفة عند ابن خلدون، فاعتبروا انه ينطلق في من مواقع(حسية مادية)، تعتبر الإحساس نقطة البدء في المعرفة العلمية وتعتمد التجربة الخارجية أساساً لنشوء هذا الإحساس. كما اعتقدوا ان ابن خلدون قد حل المسألة الأولى في الفلسفة – أي علاقة الفكر بالطبيعة – حلاً في صالح الماديةء ناسبين لإبن خلدون اعتبار الإنسان ووعيه أعلى نتاج للطبيعة، والإقرار لموضوعية الحركة والسببية والضرورة وغيرها من صفات الواقع الجوهرية قبل أن يكتشفها الفكر الإنساني.

ولد"د. عبدالرزاق مسلم ماجد"(أوالماجد) قبل 8 عقود(عام 1929م) في الناصرية وفي عائلة ثقافة، إذ كان والده معلما في المدينة تلك المعروفة بعطائها الأدبي والفني والسياسي المبكر والخلاق في القرن 20م. وبعد إكمال الدراسة التمهيدية والتخرج من معهد المعلمين العالية(1947- 1951م) عمل أولا أستاذا للعربية في ثانويات الناصرية والخالص وبعقوبة ثم في بغداد بعد ثورة 1958م، قبل أن ينتقل الى دراسة الفلسفة في جامعة موسكو (1960 – 1966) ليعود استاذا للفلسفة في جامعة البصرة لنحو ستة أشهر فقط قبيل اغتياله غدرا في الساعة السابعة من مساء يوم الخميس 21 آذار 1968م. وقد كتب"د . حسين الهنداوي" عن حدث عيد(الربيع، الشجرة، نوروز )، في مدينتنا البصرة قبل 4 عقود، في ربيع سنة العودة الأخيرة للبعث صيف عامذاك 1968م.

كان ياسين خليل في منطق الرياضيات، وصالح الشماع في فلسفة اللغة وحسام الآلوسي في فلسفة الكلام وكريم متي في الفلسفة الغربية ومحسن مهدي في فلسفة التاريخ، ومصطفى كامل الشيبي في فلسفة التصوف، ومدني صالح في فلسفة الجمال، وكثرغيرهم.

وكان الباحث الراحل وأستاذ آخر للفلسفة في جامعة البصرة يجتازان شارع كورنيش شط العرب في الطريق لزيارة زميلهما رئيس قسم الفلسفة المريض في بيته. إلا أن زيارة المجاملة تلك تحولت الى فاجعة للفكر العراقي والعربي عندما انطلقت رصاصات عدة كانت لهما بالمرصاد، تركت"عبدالرزاق مسلم" مضرجاً بدمه على الرصيف نازفا حتى الموت، عن عمر لم يبلغ الأربعة عقود، فيما أفلت منها زميله"د. موسى الموسوي"، وهو جامعي ايراني معارض وحفيد مرجع روحي شهير، الذي نقل الى التدريس في قسم الفلسفة من جامعة بغداد إثرئذ حيث كنا طلابا بعد.

ورغم اتهامات بارتكاب الجريمة وجهت الى السافاك الشاهنشاهي الايراني، ورغم اثارتها لمظاهرات احتجاج واسعة لا سيما لطلبة وأساتذة الجامعات العراقية الذين خرجوا في البصرة وفي بغداد مطالبين بالقصاص من القتلة، الا ان الجريمة ظلت دون طائل لحد الآن. الموسوي من جانبه امتنع عن ان يروي لنا شيئا عن الحادث ومعلوماته المحتملة عنه رغم اسئلتنا اللجوجة بشأنه كما لم نسمع بأنه كتب عنه شيئا رغم انباء متضاربة افاد بعضها ان الجهة التي نفذت الجريمة كانت تستهدف الموسوي نفسه الذي كان شخصية مثيرة للجدل والاتهامات السياسية والفقهية قبل أن يوافيه الأجل قبل عقد ونصف من الزمان في الولايات المتحدة الأميركية حيث كان المقام استقر به فيها هربا من ملاحقة السلطات الإيرانية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com