|
يماثل القران الكريم في تصنيفه السور، مكية ومدنية، كتاب الكنزا ربا، اليمين واليسار.وهذا موضوع جدير بالبحث الأكاديمي الرصين والتحقيق من قبل المختصين في الديانات المقارنة لكني وددت الإشارة إليه في معرض الجدل الدائر حاليآ عما إذا كان القران الكريم كتاب للحرب والقتال والإرهاب كما تحاول الدكتورة وفاء سلطان تأكيده وهو ليس كذلك قطعآ . تشغل السور المكية 86 سورة أي ما يشكل ثلاثة أرباع القران الكريم وهي تقابل اليمين من كتا ب الكنزا ربا الذي يشكل هو الاخر ثلاثة أرباعها أيضآ ويتكون من فصول تقابل السور وكل فصل يتألف من بوث مفردها بوثة التي تقابل الاية القرانية في التصنيف.هذا التماثل يشمل المواضيع التي تعالجها السور المكية والفصول والبوث المندائية في يمين الكنزا ربا. تركز السور المكية على ما هو روحاني، على الحياة وخلقها والعبرة من الوجود تمامآ كيمين الكنزاربا حيث التركيز على ذات المواضيع في حين تعالج السور المدنية 28 سورة ما هو أرضي ودنيوي وله علاقة بالبشر وشؤون وتفاصيل حياتهم والشهادة وعودة النفس إلى الاخرة والثواب والعقاب الذي تناله بناء على قربها أو بعدها من جوهر الدين ومن أداء واجباتها الدينية والشرعية.ورغم أن يسار الكنزا ربا يخلو من أي إشارة إلى القتال إلا أنه يؤكد أيضآ مبدأ التضحية من أجل الحقيقة والاخرين والفقراء والمضطهدين وتكريس الإنسان نفسه للمثل الإنسانية العليا كطريق لضمان صعوده إلى عالم النور ونظرآ لأن اليسار مكرس لشؤون الموت ومعالجة أمور الجسد وعودة النفس إلى الاخرة والثواب والعقاب لذلك سمي بإسم اليسار في حين سمي القسم الأكبر من الكنزا ربا باليمين لإرتباط اليمين بالإيجاب والفعل، بالحياة وخلقها والتوحيد وقصص الملائكة والأنبياء والأولين والعبر والسنن التاريخية في تتالي الحضارات وزوالها حيث يأتي ذكر جبرائيل وادم وشيت وإدريس ونوح مع قصة الطوفان وسام وتعاليم يحيى يوحنا. إذن السور المكية، ثلاثة أرباع القران الكريم، روحانية الطابع وتعالج الحياة وإنبثاق العالم والروح ومثلها اليمين في الكنزا ربا. أما السور المدنية، ربع القران الكريم، فهي دنيوية الطابع وتعالج الموت وعودة النفس إلى عالم الثواب والعقاب ومثلها اليسار في الكنزاربا. هذا التصنيف يشير إلى دورة الحياة ومسيرة الروح من البدء إلى المنتهى، الإنبثاق والزوال، الحياة والموت، السيرورة الأبدية والنظام المحكم للعالم وهو ما عبر عنه هيغل فلسفيآ في ديالكتيكه عن مجمل القوانين التي تحكم التطور والإنتظام والتتالي في تجليات الفكرة المطلقة وعبر عنها بالحركة الدائرية. وكما تبدأ الايات القرانية بالتسمية كذلك تبدأ كل البوث في الكنزاربا بالتسمية ـ بشميهون إد هيي ربي ـ أي بسم الحي العظيم. فهل حدث كل هذا التماثل في المعنى العام والمبنى والتصنيف المدهش بالمصادفة والكنزا ربا قد دونت على الرصاص قبل ظهور الإسلام في جنوب العراق أم أن هذا دليل يستحق التأمل عن الأصل الواحد للإيمان والنبع الواحد الذي منه إنبثقت كل الأديان ؟سؤال أضعه أمام المختصين في الديانات المقارنة ومن الملاحظ أن أغلب المسلمين يؤكدون كثيرآ على الايات المدنية التي تشكل ربع القران ويركزون النقاش عليها في حين لا تنال الايات المكية ذات الزخم من التركيز رغم أنها تشكل ثلاثة أرباع القران الكريم مما يخل في التوازن الضروري في الفهم العام للقران علمآ أن القران الكريم يسمى أيضآ بالميزان ويوكد مفهوم الميزان في مبناه ومضمونه حيث تكررت هذه المفردة مرارآ فيه ولها معنى بالغ الأهمية في فهم الكتاب وإستيعابة بشكل علمي جدلي متوازن وشامل. لست مسلمآ لأحشر نفسي في أمور هي من خوصيات علماء الإسلام لكني وجدت أن أغلب المسلمين ومنتقديهم أيضآ معهم سواء بسواء ممن ينتقدون الايات القرانية التي تشرح أمور الحرب والسلام يركزون جميعآ على الايات المدنية في حين أن الحوار الصحيح والإنصاف في الفهم والتوازن المطلوب في استيعاب القران الذي هو ـ الميزان ـ كل هذا يتطلب العودة دائمآ إلى الايات المكية في حسم الجدال في الأمور ذات الأهمية وفي مقدمتها أمور الحرب والسلام والقتال والجهاد التي تثار خاصة في الوقت الحاضر فالسور والايات المكية هي مرجعية اساسية في الفهم القراني وكلها ذات طابع روحاني عميق ومسالم ونبرة إنسانية تؤكد الصبر وذكر الله في مواجهة الصعاب والمحن وتحكيم العقل.هذا الأمر أضعه أمام المسلم المعاصر كأداة قد تكون مفيدة له في الرد على من يلصقون صفة الإرهاب بدينه وهو قطعآ ليس كذلك فالقران الكريم كتاب سلام ورحمة وغفران وتسامح لكن الخلل، في إعتقادي المتواضع، هو في إستيعاب البعض له كميزان في ذاته، هذا الخلل هو خلل في الميزان البشري وليس في الميزان ا لروحاني والضمني للقران الكريم والذي ينبغي ويتوجب على القاريء له معرفته وإكتشافه.وأعتقد أن الشيخ أحمد صبحي منصور من العلماء الكبار الذين إنتبهوا إلى أهمية إستنباط هذا الميزان من القران الكريم نفسه رغم أن له أسلوبه ومنهجه الخاص به والذي يختلف عن هذا الطرح وأختتم القول بتوجيه النصيحة إلى الأخت الدكتورة وفاء سلطان بإحترام ديانتها والكف عن توجيه التهم الباطلة للمسلمين وبالذات للقران الكريم فهذا يخالف الفهم العلمي والجدلي والتاريخي لسيرورة التطور المادي والروحي لكل الشعوب وللدين كظاهرة تاريخية فالأديان، كل الأديان، تشكل لوحة واحدة متداخلة في عناصرها والوانها لكن قوى الإستغلال والإستبداد عملت وتعمل لتفكيكها والعبث بها بلا طائل فقوة الشر، الروهة، التي تتحكم الان في سياسات البيت الأبيض، ويسمى بالأبيض للتمويه وإخفاء حقيقته الظلامية، ستفشل في اخر المطاف وهي بقدر ما تجهد وتكافح من أجل مصالحها المادية و تزييف العالم وتشويه الحياة متصورة تحقيق النصر على قوى الخير والنور بقدر ما تحفر قبرها بيدها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |