الثقافة العراقية وإنتشالها من الإحتضار

 

 د. عبد علي عوض
dr.abidali@hotmail.com

خضعت الثقافة العراقية في العهد البائد إلى حالة من الترويض والتدجين لصالح (فكر القائد) وحزبه الحاكم، مما أدى إلى إنقسام جموع المفكرين والأدباء و الشعراء والكتّاب إلى قسمين، القسم الأول الذي بقيَ داخل العراق، والذي بدوره يمثل مجموعتين، الأولى كانت تجاري الأوضاع السائدة على مَضض من مصادرة حرية الفكر والقلم وما يجري مِن مَسخ للإبداع الأدبي الخلاّق، والثانية إنجَرفت بمحض إرادتها بمغالاتها في تجميل صورة النظام الإستبدادي، وهذا يعود لأرضيتها التكوينية. والقسم الثاني، هو الذي غادر أرض الوطن رافضاً الخنوع لثقافة الدم، وبقيَ يمارس عطاءه الفكري في المنافي، بالرغم من حالة العوز المادي.

إنّ منظومة القيَم والنشاطات الثقافية تُعتبَر القلب النابض الذي يغذّي ويرفد حضارة المجتمع بكل ما هو جديد من الإبداع الفكري. والثقافة العراقية ينبوع ثَر العطاع لحضارات أزلية، أغنت العالم المتحضِر بكنوزها ونتاجاتها، واليوم تعيش حالة الإحتضار بصورة دفينة. فإذا كانت بألأمس مكَبَلة بأغلال نظام (الرأي الواحد)، نراها اليوم مُهمَلة عن عَمدٍ مِن قِبل الدولة، الى جانب السماح وإطلاق العنان لنشر الثقافة الشمولية للإسلام السياسي!. ولدينا أمثلة عديدة على ذلك، منها حالة معهد الفنون الجميلة في الديوانية، الذي يقبل الذكور فقط !!، شلل قطاعات السينما والمسرح والموسيقى، والتي ينشط فيها العنصر النسوي. وجود نساء عضوات في البرلمان، يعتبرنَ وبقناعة تامة أنّ المرأة (عورة). فإذا كانت تتواجد مثل أولئك البرلمانيات المتخلفات ذهنياً، فكيف يمكن الدفاع عن حقوق المرأة بمشاركتها في كل مجالات الحياة، بما في ذلك النشاط الفنّي والثقافي ؟!.

إنّ إيلاء الإهتمام الكافي مِن قبَل الجهات الرسمية للنهوض بالثقافة العراقية يجب أن يكون بنفس الدرجة من الجدّية كما هو حاصل مع معالجة الأوضاع الأمنية والإقتصادية والتحالفات السياسية والفدرالية.

برأيي المتواضع ومن أجل إنتشال الثقافة العراقية من الشلل والإحتضار يمكن الشروع بتحقيق نقطتين أساسيتين - :

أولاً - تأسيس مؤسسة تُعنى بالعلوم والثقافة والفنون (يونسكو عراقية)، يتم تمويلها عن طريقين، أولهما الدولة من خلال تخصيص ميزانية محددة، وثانيهما تبرعات رجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص الإقتصادية والإعلامية الأهلية.

ثانياً - سَنْ قانون ضريبي كما هو جاري في البلدان المتقدمة، يخص حسابات التوفير. ينُص ذلك القانون على إعفاء أصحاب الأموال (الأيداعات الثابتة) من الضريبة المتأتية من أرباح أموالهم المودَعة، إذا كانوا ينفقون القسم الأكبر من تلك الأرباح على المشاريع الثقافية والخيرية.

إنَّ ديمومة المجتمع وتنامي دوره في ركب الحضارة الإنسانية مرتبطٌ بإطلاق أذرُع ثقافته وعدم بترها، ولتتحرك بمساراتها الطبيعية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com