كركوك والبصرة ...الأخطر في الصراع القومي والطائفي

 

هادي فريد التكريتي/ عضو

اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

gaffar_1370@yahoo.com

بعد هدوء نسبي شهدته العاصمة العراقية، بغداد، ومناطق عراقية أخرى في الوسط والجنوب، تتوارد من جديد أخبار وتقارير عن تزايد حالات تفجير وقتل في مناطق متعددة من العراق، فكركوك والبصرة، أصبحتا من أكثر المناطق العراقية توترا، ومسرحا لممارسة العنف فيها، نتيجة لانتقال حدة الصراع الذي تقوده " القاعدة " وحلفاء لها من قوى " المقاومة الشريفة "، من  المنطقة الغربية، إلى محافظة ديالى في الشرق، حيث تتشارك هذه المحافظة مع إيران بمناطق حدودية واسعة وطويلة، تشكل مواقع استراتيجية مهمة . وديالى،  تتمازج وتختلط فيها الانتماءات السكانية، عرقية ودينية وطائفية مع بعضها، وتعتبر قاسما مشتركا بين الشمال الجنوب، حيث تقع  المدينتان العريقتان، كركوك إلى الشمال، والبصرة في الجنوب، وهاتان المدينتان غنيتان، بثروات نفطية،  وبشرية متعددة  الإنتماءات، من كل ما في العراق من الوان، عرقية ودينية ومذهبية وطائفية .

ديالى، تعتبر منطقة جغرافية ستراتيجية للعراق كما هي  مهمة لإيران، فحدودها تلاصق المنطقة الكوردية، حيث كركوك، بؤرة  النزاع القومي والأثني في العراق، ولها ـ ديالى ـ  حدود إدارية متداخلة مع حدود الكثير من المحافظات الجنوبية المتصلة بمدينة البصرة، موضع نزاع آخر، عراقي إيراني، تدور فيها وحولها  نزاعات دينيةـ دينية وطائفية ـ طائفية، حيث يتشارك السكان مع بعضهم، في تعدديات مختلفةـ دينية، ومذهبيةـ طائفية، وقوميةـ عنصرية، ولإيران اليد الطولى في تأجيج حدة الصراع وإدارته، لتدخلها المباشر في إدارة شؤون المدينة الأمنية والسياسية والدينية والمذهبية، بعيدا عن حماية الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية، فهذه المؤسسات خاضعة لأحزاب الحكم الطائفي، الموالية طائفيا وسياسيا لإيران .

الحدود العراقيةـ الإيرانية، تعتبر من أطول حدودها مع دول الجوار، فهي تمتد من جهة الشرق، من التقاء نقطة حدود المثلث العراقي ـ التركي ـ الإيراني، في أقصى الشمال، وحتى مصب شط العرب في الجنوب، وبالقياس مع هذه الحدود، تبدو الحدود  مع  تركية قصيرة في الشمال، وكذا الحدود الغربية المشتركة مع دول عربية، سوريا والأردن والسعودية والكويت،صحراء وقصيرة  .

ما يميز الحدود الإيرانيةـ العراقية عن غيرها، كثافة سكان مدنها ومناطقها المأهولة، وتعدد قومياتها وأديانها، وتنوع الطوائف والمذاهب فيها، و جغرافية المنطقة، متنوعة التضاريس، كثيفة البساتين، تساعد على الاختفاء وتصعب على المراقبة و الملاحقة العسكرية، لذا يمكن الجزم بان  نقل الصراع، الدائر بين " القاعدة " وحلفائها من القوى المناهضة لجيش الاحتلال وللحكومة العراقية، من الغرب إلى الشرق، جاء نتيجة اتفاق مسبق  وتعاون عسكري، بين القاعدة وإيران، و لم يكن هذا أمرا اعتباطيا،  كما لم يكن مثلما أشاعته وسائل الأعلام العراقية والأمريكية، من أن هروب القاعدة ومؤيديها،من منطقة الأنبار، والخسائر التي لحقت بهم، كانت  نتيجة للضربات التي سددتها فصائل الـ " صحوة  " الأمريكية الصنع والهدف، فما هذا  إلا من قبيل الدعاية البائسة لهذه " الصحوة " التي شكلتها القوات الأمريكية، من فصائل الجيش الصدامي ـ البعثي، للوقوف بوجه الحكومة لاحقا، وعرقلة أية حلول، لم تمتثل لها  حكومة المالكي، وفقا للأوامر الأمريكية الواجب تنفيذها في العراق .

إيران لا يهمها من أمر "القاعدة" إن كانت سلفية، سنية، أو إرهابية تمارس إرهابها ضد الشعب العراقي بكل طوائفه، وحتى لو كان كل ضحاياها من الشيعة، أو من غير المتعاونين مع الحكومة أو قوات الإحتلال، ما يهمها هو أن ما تسعى إليه " القاعدة " من أهداف في العراق، ينسجم والمخطط الإيراني، في إبقاء القوات الأمريكية رهينة مواقعها في الدفاع عن قواتها، دون تحقيق أي نصر يعزز مواقفها أمام شعبها، ولتحريض الرأي العام الأمريكي ضد حكومته ...فكلما كثرت جثث الجنود الأمريكان العائدة للوطن، كلما زادت نقمة الشعب الأمريكي على حكومة بوش، وبذا يخف الضغط والحصار الأمريكي المفروض عليها، نتيجة تنفيذ مشاريعها النووية، ويسمح لها بحرية التدخل في الشأن العراقي، ومنطقة الخليج العربي .

تدخل إيران واضح المعالم في الصراع الدموي وتأجيجه في  كركوك، حيث تتشارك ميليشيات جيش المهدي، الإيرانية الصنع والتمويل،  مع عناصر القاعدة وفلول البعث هناك، في التفجير والقتل، لإرهاب الناس هناك ولوضع صعوبات أمام تنفيذ الحلول الذي تبناها الدستور في مادته 140، مستغلة الخلاف بين مختلف القوى السياسية العراقية حول مصيروعائدية هذه المدينة، فهي لا تدعم نشاط "القاعدة " ضد الكورد  فقط، وإنما  تحرض وتدعم كل القوى على الصراع فيما بينها، ليبقى العراق ضعيفا مسلوب الإرادة، ُتحكم سيطرتها فيه،  وتُملي  إرادتها عليه، تنفيذا لمخططاتها السياسة والطائفية التي تخدم مصالحها في المنطقة .

مدينة البصرة وضعها ليس أفضل من مدينة كركوك، أو أية مدينة عراقية أخرى تسيطر عليها قوى الإرهاب، فالحكومة وأحزابها "الشيعية " وفق ما يقوله مسؤول أمريكي، " فشلت في التصرف بمسؤولية لحفظ الأمن " فالمدينة تتقاسم حكمها قوى طائفية مرتبطة بإيران، تنظم تصفيات عرقية ودينية وطائفية، في وضح النهار، لكل سكان المدينة المناهضين للتوجهات الطائفية ـ الإيرانية، تمهيدا لفرض " فيدرالية الحكيم " وربطها مستقبلا بالمشيئة الإيرانية . 

إيران لم تترك العراق يداوي جراحه، للخروج من الوضع المأساوي والمتدهور الذي أوصلنا إليه الإحتلال أولا، وحكومة المحاصصة، القومية ـ الطائفية، ثانيا، التي تقود العراق وشعبه إلى المزيد من التدهور، فكل شريك في حكم المحاصصة الطائفي ـ العنصري، يهدف لآن يجعل مؤسسات الحكم ضعيفة، غير قادرة على حماية العراق وشعبه من التقسيم ونهب خيراته، ليعطي دليلا زائفا من أن " فيدراليات " ضعيفة وبائسة، غير قادرة على حماية نفسها، أفضل من عراق  موحد وقوي  .

في مثل هكذا وضع  قائم في العراق، ترى إيران في نفسها القدرة على اختراق كل أجهزة الحكم، في المنطقة الخضراء وبقية المحافظات، والتأثير فيها وعليها، لأن تجعل من العراق، بقعة جغرافية خاضعة لها مع أهلها، وتبقيه ضعيفا غير قادر على رد اعتداء، أو استرداد حق له مُغتصب ومُنتزع منه بالقوة  . فإيران في ظل هذا الواقع تحصد النتائج لصالحها، وتسعى  لتحقيق كل ما تطمع به في العراق، بكل الوسائل، فقبل أيام قليلة أعلن رئيس الجمهورية، السيد جلال الطالباني، ضرورة إلغاء اتفاقية الشاه ـ صدام، المعقودة في الجزائر عام 1975، احتجت إيران على هذا التصريح، واعتبرته معاديا لها، مطالبة إياه  بالاعتذار والتراجع عن هذا التصريح، ولضعف الحكم، وتخاذل كل مؤسساته ومكوناته الطائفية والعنصرية، سرعان ما تراجع واعتذرالسيد جلال الطلباني  رئيس الجمهورية ..! متنازلا عن حقوق أصيلة للشعب العراقي،  موثقة دوليا،ليس له الحق في التنازل عنها لأي سبب كان، بل الدفاع عنها وحمايتها.. كما ينص عليه الدستور ..!

إيران تمارس أجهزتها المخابراتية، في البصرة وغيرها من المدن العراقية، حرية مطلقة في تحريض على العنف والقتل  و ارتكاب الجرائم، تنفذها ميليشيات طوائف الحكم الطائفي ـ العنصري بكل فصائله، المؤتمرة بأمر هذه الأجهزة، إلا أن الحكم بكل طوائفه يتغافل عن هذه الجرائم وكأنها لم تقع، وهذا حصيلة لتقاسم الحكم، كل يحكم في منطقته على هواه، وهو ما تسبب في ضعف وهزال الوضع العراقي بأجمعه .

ستبقى كركوك والبصرة مصدرا لنزاع عراقي ـ عراقي، عرقي وطائفي، تحرض عليه وتديمه إيران، وكل القوى التي لها مصلحة في بقاء العراق ضعيفا ومنقسما على نفسه، وبغض النظر عن  تدخل دول الجوار، وإرهاب القاعدة، والصراع الأمريكي ـ الإيراني، فإيران، بالذات،  تريد عراقا ضعيفا ومنقسما، تأمن جانبه، إن لم يكن خاضعا لها . وحتى تتضح معالم المنطقة التي دخلتها أمريكا منذ أكثر من أربع سنوات، ستبقى كركوك والبصرة، بؤرة صراع قومي وطائفي، خاضعة  لسيطرة إرهاب متعدد الأشكال والصور، إلا أن إيران هي المؤثر والفاعل الأكبر فيه ..!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com