مشروع الإصلاح الحسيني ومحاولات التشويه

 

احمد جويد/ مركز الإمام

الشيرازي للدراسات والبحوث

مشروع الامام الحسين بن علي "عليه السلام" كان مشروعا دينيا واجتماعيا وسياسيا يستهدف إصلاح وتعديل مسيرة الأمة الإسلامية وتقويمها، عبر اثارة الوعي وكشف الحجب عن العقول المغلقة، وهذا ما كان يفهمه جيدا أصحابه وأنصاره وهو الذي دفعهم إلى نصرته والوقوف إلى جانبه، والتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيله، وهو الأمر ذاته الذي دفع  رجل مثل الحر الرياحي وهو من شجعان أهل الكوفة إلى ترك معسكر ابن سعد ليلتحق بركب الحسين(عليه السلام)، ومقولته المشهورة (إني أخير نفسي بين الجنة والنار، والله ما أختار على الجنة شيء ولو أُحرقت)، حينما سأله أحد أصحابه لما رآه يرتجف وهو يقول ياحر(لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك)، دليل على الفهم الكبير للمشروع الإصلاحي الذي يحمله الحسين(عليه السلام).

وكان من الطبيعي أن يجد هذا المشروع الإصلاحي الهادف مشروعا آخر يقاومه ويقف بوجه، ويشكك في نيته وقدرته، مشروع تقليدي منحرف تقوده السلطة وأتباعها وأنصارها والنفعيون، يسخر كل قدراته وإمكانياته ووسائله  لحجب العقول وتشويه الحقائق وقلبها، فرغم أن الامام الحسين هو ابن الامام علي بن أبى طالب وأمه فاطه وجده رسول الله (صلوات الله عليهم)، وهو معروف بالتقوى والزهد والعلم و.... إلا أن السلطة الأموية لجأت إلى مختلف الأساليب من أجل القضاء على هذا المشروع الإصلاحي، فصورت الحسين (ع) على انه شخص له عداوات قديمة مع أبناء عمومته، و له أطماع في السلطة، وهو خارج على إمام زمانه وانه يجب قتال الخوارج على طاعة الإمام المفترض الطاعة(يزيد)!! واستطاعت السلطة الأموية شراء بعض الذمم لرجال دين وقضاة مسلمين يفتون لهم من أجل إقناع العامة بشرعية أعمالهم، ولا يزال هذا الأسلوب متبع إلى يومنا هذا ليستخدم من قبل الطغاة والظالمين ليصل الأمر إلى استباحة دماء الأبرياء بتلك الفتاوى كما استبيح دم الامام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته. 

ولكن الفعل الأهم الذي قام به إعلام السلطة الحاكمة هو إخفاء الحقائق، وتضليل أبناء الأمة، سيما أولئك الذين كانوا يقاتلون في صفوف جيش السلطة،  فما حدث يوم عاشوراء في طف كربلاء، هو أن الكثير من الذين حضروا الواقعة، كانوا لا يعرفون حقيقة ما يقدمون عليه من فعل تزول له الجبال وتغور من هوله البحار ويندى له جبين الإنسانية، وإن تلك العقول لا تدرك، من هو الحسين؟ ولماذا قام بتلك النهضة رغم إنه يستطيع أن يقعد مع من قعد كحال غيره من أبناء المهاجرين والأنصار؟ وما هي حقيقة المشروع الحسيني الإصلاحي؟ ومن هو يزيد؟ وما هي حقيقة دوافعه لقتل الحسين عليه السلام؟ كل تلك الأمور لا يدركها إلا أولو الألباب وأصحاب العقول الراجحة الذين يفكرون بعقولهم لا بعواطفهم، والذين لا يعتمدون على الآخرين في التفكير لهم أمثال حبيب ابن مظاهر الأسدي وزهير ابن القين ومسلم ابن عوسجة والحر الرياحي الذي لم تغريه المناصب ولا المكاسب الدنيوية، وترك كل ذلك الزيف والسراب الدنيوي لعمر ابن سعد ولمن أفتى بقتل الحسين طمعاً فيما وعدهم به طاغية عصرهم يزيد.

فحينما يرى رجل مثل الحسين بن علي(عليهما السلام) إن الرسالة السماوية سوف تتعرض إلى خطر الانحراف نتيجة حب السلطة والرياسة من قبل بني أمية، كان لزاماً عليه وإنطلاقاً من واجبه الشرعي أن ينهض بالأمة للتصدي إلى مثل هكذا مشروع، وحقيقة تلك النهضة، هي طلب الإصلاح في أمة تسلطت عليها شرارها وأقصيت خيارها وسادها الباطل، ولأنها صراع بين الاستقامة والانحراف، بين الحق والباطل، بين المبدأ واللامبدأ، فعلينا أن نلتزم دائماً جانب الحق والخير والفضيلة في هذا الصراع، ففي خروجه (عليه السلام) بأهل بيته الكرام (ع) للوقوف بوجه أتباع العقيدة الأموية القائمة على تحويل الدين إلى سلعة ووسيلة للوصول إلى غايات دنيئة تأخذ في حسبانها سياسة الربح والخسارة دون إقامة أي وزن للتعاليم الروحية وللمبادئ الأخلاقية السامية التي جاءت بها الرسالة السماوية وأرادت أن يتحلى بها كل إنسان على وجه البسيطة.

لقد أراد الإمام الحسين (ع) كما يقول الإمام الشيرازي (قد): (أن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (ع) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله (ص).

فالمشروع الإصلاحي الذي تحمله نهضة الحسين عليه السلام لا يمكن أن تدركه العقول التي رضي أصحابها بذل السلطان بسبب قصر فكرهم ونظرهم، فكما أراد أسلافهم القضاء على الإسلام في بدايته بحجة إن الآلهة المتعددين سوف يجلبون لهم التجارة والمال والسلطة بعكس الإله الواحد الذي لا يرونه، دليل على عدم استيعاب تلك العقول لدعوة الإصلاح التي جعلت منهم فيما بعد أسياد العرب والعجم، فقد كرر أحفادهم نفس الأمر مع النهضة الحسينية والتي بمجرد القضاء رمزها من قبل أتباع السلطة الأموية -في طف كربلاء- إنقلبت عليهم تلك السلطة لتريهم الذل والهوان الذي ارتضوه لأنفسهم بقتل ابن بنت نبيهم ومن أراد لهم أن يعيشوا بكرامة وعزة، وهذا هو حال الأمم التي تناصر المفسدين على المصلحين.

وانه (عليه السلام) لم يقتل لأنه لم يبايع يزيد أو لأنه من بني هاشم وحفيد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، بل لأنه أراد الإصلاح في هذه الأمة والحافظ على قبلة المسلمين ومقدساتهم ووحدتهم، قتل لأنه يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والفجور، ولذلك فان قتل الحسين كان قتلٌ للكعبة وللقرآن بل قتل لرسول الله ودينه، فحسين من رسول الله ورسول الله من الحسين، كما قال النبي الاعظم(ص).

فما يحيط بالأمة اليوم من مخاطر جمة يستدعي إلى نهضة إصلاحية كبيرة وشاملة، الأمر الذي يوجب علينا أن نكون على مستوى الوعي والإدراك لجميع الفتن التي يحاول البعض إثارتها لحجب عقول الناس وأفكارهم ومحاولة التشويش وتشويه الحقائق، وأن نبدأ أولاً بأنفسنا في بناء الفرد المسلم والشخصية المسلمة وفق ما أراده الله سبحانه وتعالى منا، وأن ننتهج نهجاً عقلانياً لبناء أسس المجتمع الصالح لأن الباطل والفكر المنحرف المتمثل بأتباع آل أمية من النواصب والتكفيريين لا يزال يتربص بكل ما من شأنه أن يمت إلى النبي وآله بأدنى صلة ولم ينتهي بمصرع الامام الحسين(سلام الله عليه) وإنما بقي يلاحق جميع آثار تلك النهضة وبجميع الوسائل، حيث يستمر التشكيك بتلك النهضة المباركة تمهيدا للتشكيك بنهضة المصلح الذي تنتظره البشرية والذي بشر به النبي(ص) وهو الإمام المهدي(عج).

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com