قد أكون مبالغا بعض الشيء أو متشائما في النظر إلى الأمور، وقد أكون على خطأ أو صواب، ولكن ذلك ما طرأ على مخيلتي وإنا أرى الأمور تسير بالمقلوب، فبعد أن كان للأحزاب السياسية تأثيرها على توجهات المواطنين، وحضورها الدائم في المشهد السياسي، وقدرتها على تحريك الجماهير للمطالبة بحقوقه، اخذ هذا الدور بالانحسار، وبدأت هذه الأحزاب بالتراجع، لتركن الى الجلوس في الزوايا المعتمة تعيش على ماض زاهر حافل بالمآثر والأمجاد، وانكفأت على نفسها حتى أصبحت كما يقول سوادي الناطور(لا تهش ولا تنش) مجرد أسماء وعناوين وشخصيات تتحدث بمعسول الكلام دون أن يكون لها تأثيرها الفاعل على مجرى الأحداث والقرارات، في الوقت الذي أخذت قوى أخرى لم تكن في يوم من الأيام من القوى المحسوبة على الشارع السياسي أو تمتلك التأثير في الحركة الوطنية، تتصدر الجموع وتحرك الأحداث، وتؤثر في موازين القوى، وتمكنت من مد الجسور وتمتين العلاقات مع أكثر الدوائر تأثيرا في القرار السياسي، بارتباطها الخارجي وتأثيرها على مجمل التطورات في المنطقة، وأصبحت هي الممسكة بزمام الأمور من خلال خطط مدروسة بأحكام، تمكنت من خلالها إدامة صلتها بالجماهير، لأنها استطاعت أن توظف إمكانياتها في الوقت والمكان المناسب.

وعندما كانت القوى السياسية السابقة قادرة على التأثير في الشارع العراقي، لم تتمكن من تثبيت جذورها أو تعميق تأثيره، بسبب انشغالها بخصومات جانبية أثرت على مصداقيته، ولم تتمكن من استعمال الأسلحة المؤثرة في صراعها مع عدوها الحقيقي، بل انكفأت على نفسها وانجرت الى خلافات جانبية فيما بينها أثرت على فعاليتها وإمكاناتها  في إدامة الصلة بالجماهير، بل أعلنت عن إفلاسها السياسي عندما سيطرت قوى أخرى، وتمكنت من احتكار العمل الجماهيري لها بوسائل وطرق استعملت فيها القسوة والتنكيل والإبادة، مما أثر بشكل كبير على سمعة العاملين في حقول السياسة، وأفسح في المجال للقوى الهامشية التي لم تكن في يوم من الأيام قادرة على خوض غمار المعترك السياسي أن تتصدر الساحة، وتجعل لها مكانا آخذ بالأتساع بسبب ابتعاد القوي السياسية الحقيقية عن أي عمل نؤثر يشير الى وجوده، في الوقت الذي أخذت القوى الجديدة تستفد من الوضع الجديد بتمتين أواصرها بالمواطن من خلال زرع الفكر الغيبي في مفاصل المجتمع وإفراغه من أي توجه يعتمد العلم والثقافة، وحاولت بشتى الطرق والوسائل – بعد أن خلت الساحة أو كادت -  تعميم فكرها وإخماد أي جذوة تنبئ عن وجود فكر آخر، وكان الخطأ الأكبر للقوى السياسية بعد سقوط النظام هو تبعثرها واختلاف خطابها  دون الركون والاحتكام للواقع الجديد، اعتمادا على تصورات مسبقة أثبتت الأيام بطلانه، فقد كانت تراهن على شعب تغلب عليه الجهل والتخلف، وغاب عنه وعيه منذ عشرات السنين، وأصبح غريبا عن العالم الحديث ويعيش في أجواء لا تنسجم والتوجه المعاصر، فكان للقوى الأخرى الاستفادة من هذا التخلف واستثماره لصالحها ومحاولة تعميمه والبناء عليه، فتهيأ لها ما أرادت بسبب افتقار القوى السياسية القديمة الى القراءة الواضحة للمجتمع الجديد، لأنها انفصلت عن الداخل العراقي دون أن تتمكن من معرفة توجهاته الجديدة أو دراستها وإيجاد الحلول اللازمة له، وزاد الطين بله أن القوى السياسية التي وفدت من الخارج لا تمتلك الرؤية الواضحة، أو المصداقية، أو القدرة على التحرك وفق آليات جديدة تستثمر من خلالها خزينها المعرفي في تغيير الأوضاع، قاطعني سوادي الناطور صائحا:وين وديتنه والمن رديتنه، صار ساعة تسولف وما طحت على العلة، بوية العلة مو بالوادم ، العلة بينه، وصار النضال حجي كهاوي، بس حايرين جنه وجنينه، لكن قبض ماكو، والزلم موز لم كبل، صايرين بس مال تسفيط حجي، لكن ماكو فعل، مو جنه كبل نشتغل بنص الجماهير، واحنه أنروح الها للمعامل والقرى ندك عليها بيبانه، هسه احنه نريد الوادم تجيينه، وحتى لو جتنه ما نكدر نسوي شي، لن الحجي مو حجي عام الأول، ولا نكدر أنفيدهالا لن الفعل مو بدينه، وتريد الصدك الحجي اليوم مو حجي جرايد، وندوات وحفلات، اليوم ياهو اليكدر يخلي بالسدانه ركي، ويسوي شي ماموس، يبلط شارع، يبني مستشفى، يفتح مدرسة، يكدر يعين بالدوائر،  يسوي شغل للوادم ويعينه على دنياه، وشوفة عينك أحزاب هالأيام الجيش الها الشرطة الها الصحة الها البلديه اله، وكل اختام الدواير بيناتهم وكل واحد حصته وزارتين وثلاث ويعين بكيفه، ماخذها طابو للحزب ماله، جا الوادم غير تريد اللي يفيده، وآنيس وأنته شنكدر نسوي، لا نحوج ولا ننبب، ولا تكلي عدنه نزاهة، الوادم ما تأكل نزاهة ولا برامج ولا شعرات، الوادم تريد نقدي...لأن ملت من الفقدي، وتر اللي يخلي بالسدانه ركي، وعيشني اليوم وموتني باجر...!!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com