|
كان لحركات الصحوة التي عبرت عن إنتفاض أهلنا في المنطقة الغربية، وشمال بغداد، ومحيطها، وبعض مناطقها ضد تنظيم القاعدة، دور كبير في بث روح الثقة في وحدة الهوية والوطنية العراقية بعد ان قاربت الانهيار. حيث أن تنظيم القاعدة قد زرع الفرقة بين العراقيين حين وجه أجندته إلى ضرب بعضهم ببعض وتفريق صفوفهم، أملا بخلق وجود دائم له في العراق. كما أنه أساء الى ما كان يمكن ان يكون مشروعا للمقاومة الوطنية. فقد استباح الأرواح والمحرمات وأذاق العراقيين ما لم يذوقوه طيلة عهود وأحداث وغزوت سابقة، وأساء للإسلام وزاد على أفعال الإحتلال ما لم ينزل به سلطان. فما كان من رجالات العرب المخلصين في الانبار إلا أن يلتفتوا إلى خطورة هذا المد الإجرامي الذي ينسف تاريخ التسامح والتعايش العراقي على مراحل مشرقة من تاريخه. لقد كانت صحوة فعلا حينما إنتفضوا ضد "إحتلال" القاعدة لمناطقهم. ووجدوا أن السبيل للتخلص من الإحتلال الأميركي لبلدهم يقتضي التخلص من إحتلال القاعدة وخطورته أولا. لأن حجة محاربة القاعدة ودرء خطر الحرب الأهلية هي العذر المتبقي للإحتلال في العراق. وهكذا جنى العراق ثمرة هذه الصحوة، التي ساهمت في توحيد صفوف عامة العراقيين إلا الساسة. وفي التخلص من خطر القاعدة في معظم مناطق نفوذها السابق، وفي تغيير وجهة نظر الأنظمة والإعلام العربي تجاه ما كان يطلق عليه جزافا بـ"المقاومة" حينما كان القتل العشوائي يطال جميع العراقيين. وعاد الأمل بعراق موحد ومستقبل أفضل. لقد دفع بعض قادة تلك الثورات الصحوية الجريئة حياتهم ثمنا للعراق، وهم لا شك على علم بأن مصيرهم يمكن أن يكون كذلك في أي لحظة، طالما أنهم واجهوا تنظيما همجيا يعتمد على تعبئة وإيهام السذج والخائبين من عامة الناس. وبعد أن بانت بارقة الأمل في وضع أمني أفضل يسير بالتدريج نحو الإستقرار، فإننا نحتاج إلى صحوات مماثلة ضد معضلات أخرى في الشأن العراقي، منها محاربة الفساد الإداري، وانتهاكات حقوق الإنسان، واستمرار تردي الوضع الصحي والبيئي وسطوة بعض الحركات الدينية المتطرفة في مناطق أخرى من البلد، وغير ذلك. إن توظيف مصطلح "الصحوة"، يعتبر مهما جدا في هذه المرحلة، وذلك أن هذا المصطلح، أصبح ذو تأثير نفسي كبير وموثوق، يحظى باحترام غالبية العراقيين، وخاصة الجهات الحكومية، نتيجة لدورها المشار إليه في الجانب الأمني والوطني بالتالي. كما أن التوظيف بهذا الاتجاه يعد تكريما لرجالات الصحوة ودورهم الوطني. إن هذه الصحوات المؤملة ليست بالضرورة أن تكون مسلحة، بل تعتمد على قيام جماعات ضغط قوية مماثلة لجماعات الصحوة في المناطق المشار إليها أعلاه. وهذه الجماعات تتشكل من شخصيات علمية وأكاديمية وإعلاميين ومثقفين ووجهاء ورجال دين معتدلين، وناشطين في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وما إلى ذلك. على جماعات الضغط هذه أن تسعى إلى التأثير في الشارع العراقي اولا، وعلى المرجعيات النافذة (دينية واجتماعية وثقافية وعلمية) وعلى السلطة التشريعية (البرلمان) ثانيا، ثم سلطة القضاء، وصولا إلى التأثير على السلطة التنفيذية (الحكومة). هذا إن لم يجد نفعا إتصالها المباشر بالحكومة المركزية والحكومات المحلية، بغية تحقيق أهدافها المعلنة. هذه الصحوات المفترضة، يكون من ضمن مهامها، إقرار سيادة القانون على كل مفاصل الحياة، وتطبيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للمواطنين، دون النظر إلى إنتماءاتهم الإثنية والدينية والطائفية والحزبية، وإصلاح النظام التعليمي، والدفع من أجل قيام إقتصاد قوي صحيح لا يكون عموده الفقري النفط فقط. إن آليات عمل هذه التشكيلات هي الاتصال المباشر بذوي الشأن، والتأثير من شخصيات وجهات رسمية وشعبية ومنظمات، سواء في الداخل أو الخارج. وكذلك بتوظيف وسائل الإعلام المؤثرة، وبطرق لا يفهم منها الكيدية والتشهير، إنما الإصلاح خاصة في مراحلها الأولى. قد تعد هذه أبرز مشاكل العراق الحالية التي تأتي بعد مشكلتي الإرهاب والإحتلال. والتخلص من هاتين الأخيرتين مرتبط ببعض. وعلى عدد مشاكل العراق نحتاج إلى عدد من تشكيلات الصحوة من أبنائه المخلصين.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |