|
يرتبط الأمام الحسين وذكرى عاشوراء في ذهن الكثير من المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً بالشعائر الكلاسيكية والعادات المتوارثة والتقاليد المتبعة في شهر محرم والتي تتجسد في أقامة مجالس العزاء واللطم والمحاضرات والتشابيه وطبخ بعض الماكولات وتوزيعها مجاناً على الفقراء وضرب الزناجيل على الظهور وغيرها من مظاهر الحزن التقليدي والأسى على ذكرى فاجعة كربلاء الدامية التي نُحر فيها مع اصحابه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله. وفي هذه الشعائر والمحاضرات يردد الجميع كباراً وصغاراً عن ظهر قلب مقولة الحسين الشهيرة التي علّل فيها سبب خروجه ووقوفه بوجه يزيد وحكمه الجائر،وهي جزء من وصيته التي كتبها قبل طلوعه وسلمها لأخوه محمد بن الحنفيه، والتي جاء فيها " ........واني لم أخرج أشرا ولابطرا ولامفسدا ولاظالما ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي . أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ". ولم تكن في الواقع هذه الوصية الرائعة لمسلمي عصره والمشككين بخروجه وقتاله فقط، بل كانت أيضاً لمن ياتي بعده لكي يعيها ويتمثل معناها ويتطلع الى مصاديقها ... فالحسين خرج " لطلب الأصلاح " على حد تعبيره وهو غايته الكبرى ومراده الحقيقي واساس دعوته وجوهر قضيته الذي قدم نفسه الغالية قرباناً على محرابها،وهو بهذا قد صنع موقفاً لابد لغيره أن ينظر فيه ويتمثله ويحاول السير على هديه وأن بطرق مختلفة، موقف يمكن ان يكون _ للعراقيين مثلاً _ الضوء الساطع في النفق المظلم الذي يعيشون في داخله، موقف بمثابة الضوء الذي يظهر في سماءنا والذي يًرشدنا الى طرق الخروج نحو نهار الازدهار والوحدة والأنسجام وألأصلاح والتغيير، فالموقف الأصلاحي الصائب يمكن أن يُبدل حياتنا،كما اوضح وليم جيمس حينما قال أن اعظم اكتشاف للجيل هو ان الكينونة البشرية يمكن ان تغير مسار حياتها بواسطة تغيير مواقفها . فالحسين أراد ألأصلاح في امته، والتغيير في سلوكها ...ولهذا علينا أن ننظر للحسين بهذه العين، ننظر له كمشروع نهضوي أو أصلاحي حاول ان يُعدل ويُغير ويُصلح النظام الفاسد في عصره، ولكننا لكل اسف لم نفهم معنى الأصلاح الذي يجب ان تكون ذكرى عاشوراء مناسبة لقراءة هذا المصطلح والعمل به وتطبيقه . ومثلما طالب أحد أبرز المراجع في العالم الأسلامي السيد محمد حسين فضل الله الشيعة في العالم الإسلامي، بالاستفادة من ذكرى عاشوراء لـ" تكون مناسبة إسلاميّة منفتحة على قضايا الوحدة، برفض كل أساليب الإثارة التي تسيء إلى قوّة الإسلام في وحدته ومستقبله... فانا اطالب أن تكون ذكرى عاشوراء هذه السنة مناسبة للبدء بشكل فوري بالأصلاح _ في العراق _ الذي يتشرف بان يكون جسد الحسين راقداً في ارضه فألأصلاح هو جوهر قضية الحسين، وهكذا علينا فهمه وقراءته وتصوره، بل يجب أن نفهم الأصلاح في ضوء التساؤلات التالية : ما المعنى الأصطلاحي للأصلاح في العراق ؟ ماهي عناصره ؟ ما الشي الذي يحدده ؟ وما هي مشكلاته ومعوقاته التي تُعرقل تنفيذه ؟ وأي نوع من الأصلاح هذا الذي نحتاج اليه في العراق ؟ هل هو سياسي أم حكومي أم قضائي أم برلماني أم ثقافي أم اجتماعي . وهل يتاثر الأصلاح بالتجاذبات السياسية والفئوية والجهوية والحزبية والطائفية؟ هل يمكن ان نتفق على اولويات الأصلاح ؟ وهل يمكن أن نحدد بدقة مصدر الأصلاح ؟ خصوصا ان هنالك خلاف كبير حول المصدر الذي يجب ان ينبع منها منه الأصلاح،هل هو داخلي أرادي أم خارجي قسري، وهي اشكالية كبرى وخطيرة ناقشها الباحثان حاييم مالكا وجون ألترمان في دراسة صدرت عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية CSIS . ان المتتبع الحالي للوضع في العراق يرى أن هذا البلد وبعد خمسة سنوات من سقوط النظام السابق وبدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية، لايزال يعاني من ازمات ومشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة على الرغم من وجود تطور وأستقرار امني نسبي، فنقص الخدمات والفساد الأداري والمالي مازالت تخترق مفاصل الدولة العراقية، بل المواطن العراقي يعيش بلا كهرباء وسط ضعف اداء الوزارت الخدمية التي تعجز عن توفير مايطمح اليه هذا المواطن المسكين . أن السياسة العراقية والعملية الجارية في مطابخها اليوم تحتاج الى كنس كلي لكل القذارات والأوساخ التي ترسبت فيها من اجل البدء الفوري سنة 2008 بالأصلاح السياسي والبرلماني والأجتماعي والأقتصادي والحكومي، فالحسين قد اغتسل بالدم من أجل الأصلاح في مجتمعه، وعلى السياسيين في العراق أن يغتسلوا بالأصلاح من اجل الشعب العراقي والأ فسوف تتكرر مأساة كربلاء ويُقتل الأمام الحسين من جديد على أيدي المفسدين سنة 2008 !!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |