إن اختلاجات الواقع العراقي الداخلي عمقت الرغبة في التوجه نحو الملف الأمني طيلة السنوات الأربع الماضية .. فالهجمات الإرهابية الشرسة ضد تجربة العراق الجديد ومحاولات قتل الرضيع في مهده ساهمت في تحويل اغلب الطاقات الحكومية المتاحة نحو ملف الأمن .. وعلى الرغم من إدراكنا إن هذا التحول هو تعطيل لعجلة التقدم إلا أنها معركة مصيرية فالخاسر إلى الأبد والرابح هو كذلك.

العراق الجديد نجح اليوم في عبور الطريق الوعر ونمى واشتد ساعده وصنع بدماء شهداء ملجمة إنسانية تجسد انتصار الخير على الشر ... انتصار إرادة الحياة الحرة الكريمة على ساكني الكهوف العفنة (الإرهابيين).

ملف الأمن بلا شك سيبقى من العناصر الرئيسية في العراق الجديدة وبناءه وخاصة إن التحديات وان كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة إلا أنها لم تنتهي بعد .. ولكن توجهنا نحو بناء عراق امن مستقر لا يمكن أن يتم دون حدوث أعمار.

الأعمار والأمن رديفان لا يمكن أن ينفصلا ويطغى احدهما على الأخر إن إرادة الإرهاب في الكثير من أفعاله وضحت رغبته في تحطيم كل ما هو حضاري وعمراني فالتفجيرات التي استهدفت المناطق التجارية والمشاريع الاقتصادية ومحاولة التخريب والسيطرة على المناطق الآهلة بالسكان والمعروفة بأسواقها العصرية ليس له أي هدف إستراتيجي سوى خلق بيئة بدائية لا يستطيع معها الإنسان الحضاري العيش وبالتالي سيخلق مبرر جاد لهجرة الآهلين لخارج وداخل البلاد .. وهذا ما شهدنا من ممارسات الإرهاب في شوارع بغداد الزاهية و مواقعها الأثيرة كما حدث في شارع المتنبي وجسر الصرافية وتوغلهم في المناطق الجميلة والأسواق الغناء في مناطق المنصور وحي الجامعة والعامرية والسيدية واليرموك وغيرها.. مما حذا بأهلي هذه المناطق بالهجرة عن مناطقهم التي فقدت بريقها، وأحالها الإرهاب إلى شوارع مظلمة تذكره ببيئته وأفكاره المظلمة .. والعلم الحديث يؤكد إن الجرثومة لا تستطيع العيش إلا في البيئة الطفيلية، فالبيئة الصحية ستقضي عليها حتماً.

إستراتيجية الحكومية والتفاف الشعب ضد الإرهاب وسطوته حقق منجزات لم يكن اشد المتفائلين يتصور حدوثها .. فقد حقق العام المنصرم 2007 نهوضاً امنياً اعجازياً وقد استطاعت القوات العراقية أن تحرر معظم المناطق التي ظلت لمده حبيسة الإرهاب.

وبالتالي بدأ العراقيون يعودون لمناطقهم التي هجروها (وتلك قصة ملحمية اخرى) فقصة حنين العراقي لعراقه شيء لا يستطيع أن يصفه الخيال!!

الحكومة العراقية عبرت عن أملها أن يكون العام 2008 هو عام انطلاق الأعمار بعد ما كان العام 2006 هو عام الأمن والاستقرار .. وهنا لنقف ونتأمل اولاً (لا امن بلا اعمار) و (لا اعمار بلا امن) و (لا حياة بلا الاثنين)، بالتالي فالحكومة صائبة في رؤيتها، وتقديمها للأمن وإعطائه الأولوية في المرحلة الماضية هو توجه سليم بلا شك نحو مستقبل مدروس .

لكن الم نلاحظ انه ومنذ الأيام الأولى للعام 2008 (عام الأعمار المرتقب) تواردت الأنباء عن أعمال إرهابية متفرقة، واستهدافات منظمة وحملة إعلامية عدائية في بعض المحطات فلما كل هذا ؟ وفي هذا التوقيت ؟ الجواب هو لإيقاف الاعمار لان استقرار الأمن ونجاح الاعمار هو البيئة الصحية التي تحدثنا عنها أعلاه والتي لن يستطيع الإرهاب أن يتعايش فيها مطلقاً.

إذن فالحكومة مطالبة وبشدة بأن تسرع بالأعمار، وان لا تلتفت للمحاولات البائسة من الإرهاب في جرها عن هذا الملف . نعم الإرهاب يعي إن اعمار العراق هو زواله الأبدي من هذه البلاد . فلا يجب أن نعطيه فرصة صغيرة، بل يجب أن يتم الاعمار ويعود الازدهار وتفتح الشوارع وترفع الحواجز من الطرق ويعاد بريق أسواق بغداد وتزدحم شوارعها.

ولعلي يجب أن اثمن موقف الحكومة في دعمها عودة المهاجرين العراقيين من سوريا إلى البلاد، وازيد في المطالبة بأن تتوجه الحكومة بدعوة وتوفير سبل العودة لكل عراقي المهجر في دول الجوار الأخرى كالأردن وإيران ومصر . والتي يغري المهاجر للعودة إلى بلاده سوى عنصران وغصة  .. فالغصة هي حنينه لوطنه وانتماءه إليه وهو مالا يستطيع أي بشر أن يزايد العراقي عليه، إما العنصران فهما توفر الأمان وتوفر العمل .. والنقطة الأخيرة (العمل) بلا شك لن تكتمل دون اعمار، فالشروع بمشاريع الاعمار سيوفر الكثير بل مما يزيد حتى عن الحاجة من فرص العمل بالتالي سنقضي على ظواهر البطالة المتفشية وسنساهم في توفير البيئة الايجابية للمشاريع الصغيرة وسترفع من حجم التطور الفني والتقني لليد العاملة و الكفاءات وفي كافة المجالات .

ومما لا شك فيه فأن الإرهاب تعامل مع ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة بفعالية عالية حيث انه ساهم من خلال تعطيله للمؤسسات والأسواق والحرف (أي خلق بطالة) سرعان ما استنفر جهوده ومغريات المادية لتسويقها لإرهاب منظم مستغلاً الجهل والفقر ومحمساً إياها من خلال مشاريع الفتنة والتشويه والتفرقة العنصرية والدينية والمذهبية .

إذن فالأعمار مع وجود الأمن، لن ابالغ إذا وصفته بالعصا السحرية لعراق اليوم .

فباستطاعته أن يخرجنا من عنق الزجاجة ويتركنا نتنفس الصعداء ونعيش حياة ارفه وأجمل .

فعام 2008 لابد له أن يكون (عام الاعمار) . كما كان سالفه عام الأمن . ولكم هو جميل لو وجدنا خطة مرادفة لفرض القانون ولكنها تعنى بالاعمار ...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com