إلام يبقى العراقي عزيز قوم ذل

 

سناء صالح /هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

 يقال أرحم عزيز قوم ذل هذا المثل أو القول القديم المأثور يضرب للإنسان الذي لديه مقومات العزة والكرامة

ولكنه ولسبب ما  يفقد مكانته فيضطر الى طلب المعونة من الآخرين وأنا في توصيفي للعراقي بهذا لاأعني به العراقيين الذين غادروا بعد استشراء العنف بعد سقوط النظام فقط كما أرجو أن لايذهب ذهن القارئ بأنني أبكي النظام المقبور وأندم على أيامه وأن العراقيين كانوا عزيزين مكرمين  زمن الدكتاتور واليوم ذلوا ولكنني أعني بذلك أن العراق الغني بثرواته قادر على وقاية أبنائه من ذل السؤال وطلب الحماية من أي كان !! وحفظ ماء وجهه هذا في حالة إذا ما  كان الحاكم-  أيا كان -  قلبه وضميره صاحيين .

 تتتابع التغطية الإعلامية للحملة الخيرية لصالح العراقيين المهجرين المضطرين لمختلف الأسباب لترك بيوتهم وأعمالهم واللجوء الى دول الجوار أو دول أخرى وتظهر على الشاشات شخصيات عامة وفنانين من العرب والعراقيين يستثمرون مكانتهم وشعبيتهم بين الجماهير العربية  لمد يد العون والمساعدة  للآلاف العراقيين   وأطفالهم الذين حرموا من الالتحاق بالمدرسة. وأنا لاأغبن دور البعض منهم في دعوته المخلصة  ورغبته الحقيقية في الدعم  كما لاأستبعد أيضا لجوء البعض من المشاهير الى مثل هذا العمل الدعائي لإضافة هالة البر والإنسانية  على شخصياتهم أو وسيلة سهلة  لتحقيق مكاسب شخصية وتحقيق رصيد شعبي  ومعجبين  مقتفين أثر بعض مشاهير العالم   مثل بريجيت باردو، كل ذلك  على حساب المساكين من العراقيين الذين تقطعت بهم السبل فاختاروا المنفى مكرهين .

 لقد أثارت هذه الحملة في نفسي الشجون وتراجع بي الزمن الى أيام مرة  الى نهاية السبعينات  يوم كنا أيضا مضطرين للهجرة بسبب الرأي! فارين من أتون تسلط الدكتاتور ومؤسساته الأمنية،  من بلد كانت عملته ثلاثة أضعاف قيمة الدولار, كنا يومها عزيز قوم ذل،و  يومها لم ينتبه أهل الخير والبر والصالحين من أبناء جلدتنا من بلاد العرب والمسلمين  ولم يكترثوا لمعاناة الآلاف من خيرة أبناء شعبنا، وحتى بعض الدول التي استقبلت بعضنا فقد استقبلتهم حسب معايير محددة  مرهونة بالأيديولوجية والحزبية   والتوجه السياسي  لا المعايير الإنسانية ، أو الحاجة الى كفاءاتهم لابدافع الأخوة والعطف الإنساني، لم تتناول الصحف ولو بإشارة بسيطة الى معاناة الإنسان العراقي ومحنته في ظل متسلط معتوه !!  لم يذكروا فرار الكثير من المثقفين والفنانين والأدباء ورجال الفكر تاركين تراثهم وكنوزهم الفنية والأدبية للحفاظ على مبادئهم   افترشوا الأرصفة والساحات العامة ، سدوا علينا المنافذ فوقفنا على الحدود نستجدي ملاذا آمنا لنا ولفلذات أكبادنا الذين لم نجرؤ على تركهم خوفا من تعرضهم للأذى، كم كانت مؤلمة حياتنا ونحن ننتقل بين الدول طلبا للعمل واضطرارنا لندفع الرشى لشرطي خلف مكتب للجوازات أو الإقامة أو لموظف في إحدى الوزارات للحصول على وظيفة هي أقل بكثير مما نحمل من تحصيل علمي أو خبرة فنرمى في زاوية بعيدة من البلد الذي يأنف أهله الذهاب إليه رغم أننا نرفض الرشوة ونلعن( الراشي والمرتشي ) . أذكر محنة الجوازات  ويرد الى ذهني حادثة وقعت لأحد الأصدقاء يوم سحبت السفارة العراقية جوازه  في الجزائر وكيف أن الأجهزة الرسمية طالبته بالمغادرة فورا  رغم أن لديه عقد عمل صالح لمدة عام تاركا الخبز والخضار طازجة خلفه فالمغادرة ينبغي أن تكون خلال أربع وعشرين ساعة ولا من معين أو بلد يفتح ذراعيه لغريب ضاقت به الدنيا رغم سعتها .  أذكر يوم لعب معنا الدكتاتور لعبة القط والفار يوم أصدر جوازات جديدة وقطع علينا الطريق فأصبحت جوازاتنا  منتهية فاضطررنا للتعامل بجوازات مزورة اشتريناها بمئات الدولارات فقط لكي نحافظ على بقائنا في البلد الذي قصدناه للعمل (لأن سفارات النظام كانت أوكارا للجريمة والخطف والاغتيال)، بقي الكثير من أطفالنا الذين ولدوا في الغربة  من غير بطاقات تعريف ودون أن يكون لهم اسم في سجلات وطنهم  المدنية .أذكر يوم كان العراقيون يسكنون  في غرف كعلب السردين  ويقتسمون لقمة العيش في المنافي، أذكر كيف أصبحوا رواد محلات البالة، يومها كان أخواننا في الدين والعروبة ناقمين علينا لوقوفنا ضد حارس البوابة الشرقية !!وبطل الأمة !! يتعاملون معنا كخونة فنمنع من دوس أراضيهم أو حتى اجتياز أجوائهم  (الترانزيت ) وبعدها عاملونا كعراقيين وأخذونا بجريرة النظام الذي شن عدوانه على الكويت الشقيق ..دفعونا الى أن نقصد أوطانا نحن فيها (غرباء الوجه واليد واللسان) كما يقول أبو الطيب المتنبي فكانوا أرحم من بلاد العرب الذين كنا نتغنى بأمجادهم في طفولتنا

 الألم واحد والهم واحد واليوم هو كالأمس عراقيون ينتظرون على أبواب دوائر الهجرة واللجوء،  أمهات وآباء يقتلهم القلق على مصائر أبنائهم ومستقبلهم الذي هو في علم الغيب  ومتعلق بما تجود به الأمم المتحدة  في قبول ملفاتهم كلاجئين  .أو بلد يعطيهم فرصة وضع بسطة لبيع السجائر أو النعل  البلاستيكية على قارعة الطريق في  دمشق أو عمان أو القاهرة .

إن مصيبتنا تكمن في حكامنا الذين ابتلانا الله بهم، فهم سبب إذلالنا ، من المهووس بالحروب والزعامة  وجنون العظمة  والثراء، الى حكومتنا المنتخبة التي خيبت آمالنا ورجاءنا في استعادة عزة نفوسنا التي استلبت يوم غادرنا وطننا مكرهين وكانت آمالنا مشدودة بهم، تراهم اليوم  لاهين  فرحين بما لديهم  وما حققوه بما يسمونه مكاسب هي في الحقيقة  أوهام ليس لها وجود إلاّ في عقولهم الغارقة في المصالح الذاتية يزينون الهزيمة على أنها انتصار. منشغلين   بالدس بعضهم ضد الآخر . يبتكرون  وسائل مضحكة  تكشف رياءهم وانتهازيتهم لاستجداء الرضى والقبول من أطراف لاتهتم إلاّ بمصلحتها فيلونون اسم الجلالة بلون الرمل الأصفر المميز اليوم لأرض السواد..

وأخيرا تراهم  يتوافدون بقضهم وقضيضهم  لتقديم واجب العزاء للسيد عبد العزيز الحكيم (سليل الحسين عليه السلام) بمناسبة عاشوراء  لاطمي الصدور منكسي الرؤوس يتباكون على صوت القارئ، تاركين وراءهم على مكاتبهم  آلاف الشكاوى والمظالم، صامين آذانهم  عن أصوات المعلمين، والمتقاعدين، والمطالبين بوقف العنف ضد المرأة وأصحاب الديانات، أصوات تصرخ ولا من مجيب .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com