موضوعات للمناقشة .. آن الأوان للعمل المشترك من اجل تحالف يساري ديمقراطي علماني في العراق


رزكار عقراوي

ماركسي مستقل

rezgar1@yahoo.com

1

الوضع المأساوي في العراق

بعد خمس سنوات من سقوط النظام البعثي واحتلال أمريكا وحلفائها يمر المجتمع في العراق حالياً بحالة مأساوية من حيث سيادة اجواء العنف الارهاب والوضع الأمني السيئ , رغم تحسنه النسبي هنا وهناك , وسيادة الأفكار الدينية والطائفية والقومية الضيقة , والوضع الاقتصادي السيئ وتردي الخدمات وانتشار البطالة والبطالة المقنعة , والفساد الكبير والثراء الفاحش لمعظم رجالات السلطة وقادة الميليشيات والمحسوبية والمنسوبية الحزبية والعشائرية والإقليمية , وتراجع دور المرأة واضطهادها البشع وتزايد مستمر للجرائم بحقها وقتلها يوميا في الشوارع دون أي رقيب أو ملاحقة قانونية للقتلة , والعنف واضطهاد الأقليات القومية والدينية وتشريد العوائل وتهجيرها والاستيلاء على بيوتها , واستمرار وجود عدد كبير من المهجرين والمهاجرين دون حل لمشكلاتهم , والتدخل السلبي الكبير والمتعاظم للمؤسسات الدينية ورجال الدين في شئون الدولة لدعم سلطة الإسلامي السياسي , .... الخ. لقد أدى هذا الوضع إلى انهيار وتراجع واسع للقيم المدنية والإنسانية وتلاشي السمة الحضارية للمجتمع وسيادة العنف والإرهاب والتعصب القومي والديني والمذهبي

2

تراجع قوى اليسار والديمقراطية

لقد فرضت هذه الأوضاع المعقدة والصعبة والحساسة تراجعا كبيرا على دور ومواقع وتأثير القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية والليبرالية في العراق على كل الاصعدة ورسخت أكثر فأكثر تشتتها وأحياناً الصراع في ما بينها , مما زاد من قدرة القوى السياسة الأخرى على تحجيمها ودفعها على زوايا حادة أضعفت دورها وتأثير أفكارها التحررية والمتمدنة على المجتمع , إضافة إلى بروز اضطراب وعدم وضوح الرؤية لدي الكثير منها نتيجة للغيابها القسري عن المجتمع العراقي بسبب السياسة الاستبدادية والقمعية للنظام البعثي .

3

فشل القوى الدينية والقومية

القوى الدينية والطائفية ( السنية والشيعية) والقومية ( العربية والكردية) الحاكمة , التي برهنت بشكل عام من خلال نهجها غير الديمقراطي وتنامي روح الاستبداد لديها إلى ابتعادها الواضح عن ممارسة الديمقراطية والتجاوز على حقوق الإنسان ومصالح الكادحين وعموم الجماهير , تقوم ألان بإعادة تنظيم صفوفها وإجراء تحالفات جديدة لتقوية مواقعها في السلطة وخاصة بعد فشلها الكبير في إدارة الحكم وعجزها عن تقديم ابسط الخدمات للجماهير من اجل إبقاء نفوذها ومكانتها السياسية والتي ضعفت بالنسبة للكثير منها , إذ توضح بشكل جلي لساكني العراق زيف ادعاءات هذه القوى وسياساتها ومواقفها إزاء قضايا المجتمع من خلال تجربة الناس المباشرة معها في الحكم والمعارضة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية, وقد انعكس ذلك بوضوح في حالة التذمر والاستياء الكبيرين اللذين انعكسا في حملة الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية والإضرابات العمالية والحركات المطلبية المتصاعدة يوميا والتي شملت قطاعات مختلفة وفي مختلف المدن في العراق بما فيه إقليم كردستان..

4

البديل اليساري والديمقراطي

الظرف الموضوع في العراق مهيأ الآن لأن يلعب البديل اليساري والديمقراطي دوراً أفضل وأكبر , إن تعامل بعقلانية مع هذا الواقع وحسن وقوى من الظرف الذاتي الذي تمر به حركة اليسار والديمقراطية , إذ سيكون في مقدوره ملء جزء كبير من الفراغ الذي أحدثه فشل تلك الأحزاب الإسلامية والقومية حيث لا بد من التعامل بمسؤولية اكبر من اجل حشد كل الطاقات من اجل بناء دولة ديمقراطية علمانية مدنية في العراق وتبني وقيادة النضالات والاحتجاجات الجماهيرية والتحول إلى قطب معارض يساري ديمقراطي فاعل في الساحة السياسية في العراق. ومثل هذا التوجه لن يتم بجهد حزب سياسي واحد , حيث أثبتت تجارب السنوات السابقة ضرورة وقوة التحالفات السياسية حيث كانت القوى والأحزاب الدينية والقومية أكثر ذكاء ونضجا في تشكيل تحالفات سياسية كبيرة ومؤثرة من اجل ترسيخ نفوذها ونصيبها في السلطة السياسية رغم خلافاتها الفكرية والسياسية الحادة وأحيانا الدموية والعنيفة وكانت تلك التحالفات السبب الرئيسي في قوتها ونفوذها وسيطرتها على مراكز النفوذ في الدولة , في مقابل ذلك للأسف كانت قوى اليسار والديمقراطية تتعامل بشكل " طائفي" مع بعضها وترفض كل أنواع العمل وحتى الحوار المشترك وتعادي بعضها الأخر مع العلم إن نقاط التقائها اكبر بكثير من نقاط الاختلاف ! وقد كان ذلك أحد الأسباب المهمة في تراجعها وضعف تأثيرها وهامشية دورها في الحياة السياسية العراقية.

5

الحزب اليساري الوحيد والتعصب التنظيمي

كان كل حزب من القوى والأحزاب اليسارية في العراق , ولا زال البعض منها حتى الآن , يعتقد بأنه "الحزب اليساري الوحيد" وهو في القمة وينطلق من نظرة استعلائية إلى الأحزاب والقوى الأخرى , وأن على الأحزاب والمنظمات اليسارية الأخرى أن تنتظم تحت برنامجه أو المشاريع التي يطرحها " للعمل المشترك" وأن تقبل بقيادته لها , دون اعتبار لرأي واجتهاد الأخر تجاه الأوضاع وبدائله أو حتى استشارته أو الحوار معه , منطلقا من ذهنية احتكار الحقيقة المطلقة والنقاء الماركسي واليساري الذي خلق نوع من التكتل والتعصب والعداء التنظيمي وحتى الشخصي الحاد داخل اليسار العراقي.

ولكن بعد سنوات من العمل السياسي الجاد لقوى اليسار في مجتمع معقد وغير آمن ومتلاطم تتصارع فيه القوى الدولية والإقليمية والمحلية وبإمكانيات محدودة جدا مقارنة بإمكانيات القوى الإسلامية والقومية , توصل بعضها من خلال تجاربها وخبرتها إلى استنتاجات مهمة ومنها قصور وضعف وفشل سياساتها وتحالفاتها مع أحزاب وقوائم – كبيرة !- بعيدة عن الفكر الديمقراطي نشا عن وهم أو انطلاقا من الحرص على وحدة الصف العلماني والديمقراطي , أو خطا مقاطعة البعض الأخر للانتخابات والعملية السياسية , أو العمل الانفرادي للبعض الأخر , أو الدخول والتوقيت الخاطئ لمواجهات وسجالات غير عقلانية وغير بناءة مع قوى اليسار الأخرى ونفي وجودها وتهميشها , او الدخول في وترسيخ المشاكل التنظيمية الداخلية والانشقاقات.

6

ليسار العراقي والعمل المشترك

اعتقد إنها اقتنعت ألان نظريا وعمليا إلى حد كبير بضرورة العمل المشترك وضرورة تحقيق التحالف بين القوى اليسارية والديمقراطية واعتبارها الأسلوب الناجح والمؤثر ألان للعمل السياسي في العراق . واعتقد إن ذلك يستلزم من أقطاب اليسار العراقي ألان وخاصة الكبيرة منها البدء بحوار بدون شروط أو اتفاقيات مسبقة على قاعدة الاعتراف بتعدد منابر اليسار والاجتهادات والتركيز على نقاط الالتقاء في هذه المرحلة واحترام الاختلافات والنقاش المتمدن حولها بشكل حضاري وبناء. وكذلك البدء على كل الأصعدة داخليا وخارجيا بإزالة أثار التعصب التنظيمي تجاه البعض الأخر. ومن اجل ذلك اعتقد انه لا بد لها إن تجدد وتطور بنيتها التنظيمية والسياسية وفهمهما للتحالفات والاقتناع بأن مصالح الحركة الواسعة لليسار والديمقراطية أهم واكبر من مصالح تنظيمه السياسي.

7

التجارب العالمية لتحالفات اليسار- الدنمرك نموذجا

العمل المشترك لقوى اليسار أصبح أمر شائعا وضرورة ومطلبا على صعيد العالم , واعتقد إن اليسار العراقي بأمس الحاجة إلى الاهتمام بتجارب العمل المشترك في العالم والمنطقة ودراستها للاستفادة منها وتطبيقها بما يتلاءم مع الوضع السياسي في العراق .

الدنمرك إحدى تلك الدول التي لليسار دور قوي ومؤثر فيها وكان له الدور الكبير والمحوري في تحقيق الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة وعموم المجتمع وترسيخ الفكر الإنساني والحضاري في المجتمع , ينقسم اليسار الدنمركي إلى أحزاب مختلفة أبرزها:

الحزب الاشتراكي الديمقراطي – يسار وسط

حزب الشعب الاشتراكي – يسار معتدل

الحزب اليساري الاشتراكي – يسار معتدل

حزب القائمة الموحدة – يسار

العديد من المنظمات الماركسية واليسارية الصغيرة.

لهذا الأحزاب اختلافات واضحة وكبيرة ولكن تعمل بشكل كبير معا في مواجهة اليمين الدنمركي وسياساته على كل الأصعدة , وتشترك وتعمل معا تلك الأحزاب في الكثير من المناسبات والنشاطات السياسية والمظاهرات والاحتجاجات العمالية والجماهيرية والدفاع عن حقوق الأقليات واللاجئين ....... الخ دون إن ينفي ذلك نقد الأخر والحوار على السياسات المختلفة. وفي السنة الماضية اشتركت كافة الأحزاب اليسارية مع النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية في حملة احتجاجات كبيرة ضد سياسات الحكومة اليمينية في تقليص الخدمات الاجتماعية وقلة الأجور..

في الانتخابات والمواجهات الرئيسية كلها تكون تحت الكتلة الحمراء بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مواجهة الكتلة الزرقاء لأحزاب اليمين. وواضح جدا أن لحزب القائمة الموحدة اليساري خلافات كبيرة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي ولكن لم يمنع ذلك من التعاون والتنسيق معه في الكثير من المجالات عندما يكون في المعارضة أو الحكومة. .

8

"من اجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق"

ظهرت بادرة كبيرة وواسعة للعمل المشترك منذ سقوط النظام البعثي والذي تجسد في حملة " من اجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق " من اجل إيصال مطالب القوى والشخصيات الديمقراطية واليسارية والعلمانية , وسائر الديمقراطيين والتحرريين إلى المجتمع العراقي وحشد الطاقات حول النقاط المطروحة في الحملة والتي جمعت الموقعين عليها.

اعتقد إن هذه الحملة يجب إن لا تكون فقط لجمع التواقيع على الانترنت أو في بيان بل إن تنعكس في نشاطات وفعاليات مختلفة على الأرض وأن تتوسع وتكون موضع دعم ومشاركة كافة اليساريين والديمقراطيين والليبراليين والمدافعين عن المجتمع المدني واعتبار نجاحها مهمة أساسية ولابد من الحذر في اضفاء طابع حزبي معيين عليها , و توسيع الحوار والنقاش أكثر وإشراك عدد اكبر من الأطراف والشخصيات اليسارية والديمقراطية الاخرى التى لم تشارك في اطلاق الحملة وعموم الجماهير من اجل توسيع المطالب وبلورتها وانضاجها اكثر لتكون نواة لبرنامج تحالف سياسي " يساري ديمقراطي علماني" موسع كبير يعمل على صعيد العراق للعمل من اجل مجتمع مدني ديمقراطي علماني في هذه المرحلة والتحضر للانتخابات القادمة وكافة التغييرات المتوقعة في مجتمع غير مستقر من كافة النواحي.

9

اليسار والعمل من اجل الديمقراطية والمجتمع المدني

نضال الماركسيين واليساريين بالتحالف مع القوى الديمقراطية والعلمانية والليبرالية الأخرى من اجل مجتمع علماني مدني ديمقراطي في العراق في هذه المرحلة واعادة بناء الدولة وتوفير الامان والخدمات وانهاء الاحتلال لا ينفي ولا يناقض النضال والعمل المستمر من اجل البديل الاشتراكي وتحقيق العدالة الاجتماعية في العراق ولكن لا بد من إتباع تكتيكات وتحالفات معينة حسب ضرورات المرحلة والمجتمع وموازين القوى الطبقية ولا بد من الاستمرار في الحوار البناء مع تلك القوى وانتقاد نقاط الاختلاف معها.

 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com