|
أصبح من المألوف أن يُصدر بعض من السياسيين العراقيين بياناً صحفياً رسمياً في المناسبات الوطنية والدينية المحزنة والمفرحة, أذ يقوم شخص مختص في هذه المكاتب الأعلامية لهؤلاء السياسيين بصياغة وترتيب بيان أعلامي ما يتناسب مع المناسبة وغالباً مايكون هذا الشخص متماهياً مع أفكار السياسي الذي يعمل معه حتى يستطيع قراءة أفكاره ومايمكن ان يتضمنه البيان من الأفكار والرؤى خصوصاً اذا لم ينتظر من هذا السياسي الموافقة على نشر البيان . ونلاحظ شيوع هذه الظاهرة بكثرة بعد سقوط النظام السابق نتيجة أنفتاح العراق اللامحدود على الفضاء الأعلامي, فأبان الحدث والمناسبة واحياناً قبلها نرى البيانات تتقاذف هنا وتتطاير هناك في وسائل الأعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة, وأهل السياسة في ذلك يحققون عدة أهداف قد تكون وطنية أو دينية أو شخصية أو توضيح لموقف معين مثير للالتباس أو غيرها ويضربون أستناداً الى ذلك عدة عصافير بحجر واحد هو البيان الذي ينطلق الى الأفق الأعلامي . أن ما يثير اهتمامي _ على الصعيد الشخصي _ في هذه البيانات الصحفية لايكمن في أعدادها الكثيرة ولا في بعض كتابتها المعقدة، ولكن الذي يهمني فيها هو الصياغة اللغوية السهلة والذكية التي يُمكن ان تترك أثر أيجابي لدى الناس ونتيجة ملموسة تنطبع في أرض الواقع، فالصياغة مهمة وضرورية طالما تكون قادرة على تجسير الهوة بين ابناء الشعب العراقي وتحاول فتح صفحة جديدة بين هؤلاء الصابرين الذي يثيرون أهتمامي وشجوني اكثر من سياسي العراق وبرلمانيه، فمتى ما حقق البيان هذا الهدف وانجز هذه الغاية الوطنية كان من وجهة نظري ناجحاً في الوقت الراهن وفي الظرف الذي نعيشه حيث الطائفية المقيتة المستوردة قد سرقت أرواح الكثير من شباب العراق ومزقت أحلامهم وحطمت آمالهم، واستطاعت ان تبني جبالاً من الفرقة والأحتقانات التي مافتئت نيرانها تتأجج في بعض مناطق العراق رغم الزعم الوهمي والأدعاءات المزيفة التي تقول بأن الطائفية في خبر كان . ومن اهم البيانات التي صدرت أخيراً في وسائل الأعلام كان البيان الذي صدر عن مكتب الأستاذ طارق الهاشمي في ذكرى أستشهاد سيد شباب أهل الجنة الأمام الحسين سلام الله عليه, والتي احببت التعرض له وشرح مضامينه والوقوف على دلالاته لاسباب ثلاثة : الأول: السبب الوطني. الثاني: سبب شخصي. الثالث: سبب يتعلق بالمضمون. فالسبب الوطني تجسد في أن هذا البيان يُعد أول بيان يصدر من شخصية عراقية سنية تحتل مركزاً سيادياً مرموقاً في الدولة العراقية, فلم نتعود ان يصدر بيان من شخصية او مؤوسسة سنية حول مناسبة دينية يحتفل بها الشيعة, مثلما لم نتعود ذلك من الشيعة، نعم لم نسمع بذلك حتى من المؤوسسات الدينية الكبرى في خارج العراق ولم اسمع شخصياً انا في هذه الفترة بصدور اي بيان من جهة سنية حول هذه الذكرى غير بيان الأستاذ الهاشمي والشيخ ابو ريشة، ولهذا فسوف يكون لهذا البيان اثر وطني يساهم في اعادة تشكيل اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي حيث سيشعر الشيعة أن دموعهم واحزانهم غير غائبة عن أحساس الأخر الذي يشاركهم في مناسبتهم الحزينة عبر مايمكن ان نسمية التعاطف الوجداني على حد تعبير الاديب الفيلسوف جبريل مارسيل . اما الصعيد الشخصي فأقولها بصراحة أنني في مقالتي الاخيرة " الأمام الحسين مقتولاً عام 2008 " قد ركزت على مقولة الامام الحسين القائلة "واني لم أخرج أشرا ولابطرا ولامفسدا ولاظالما ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي" وبالتالي حاولت ربط مفهوم الأصلاح الذي جادت به قريحة الحسين بالأصلاح في العراق في الفترة الحالية وكذلك الحال في بيان الهاشمي الذي دعا فيه _ وانطلاقا من مقولة الأصلاح الحسينية _ان يكون هذا العام عاما للإصلاح السياسي والبرلماني والحكومي والاقتصادي والاجتماعي ليكون إصلاحا شاملا متكاملا من اجل بناء عراق مستقر ينعم أهله بالأمن و الاستقرار والازدهار. واما على صعيد المضمون فقد تضمن بيان الهاشمي محاور مهمة : 1. مبادئ الحسين, حيث أوضح البيان بان " علينا جميعاً المحافظة على المبادئ التي ضحى من أجلها الإمام الحسين " وان " نقف معتبرين لنستلهم القيم والمبادئ التي دافع عنها الحسين وضحى بنفسه وأهله وأصحابه من اجل أن تبقى وان لا تموت" . 2. ربط مقولة الحسين " واني لم اخرج ..." بالواقع العراقي واتخاذها " شعاراً لنا في عراق اليوم نفتح بها أبواب عام 1429 للهجرة بالإصلاح السياسي والبرلماني والحكومي والاقتصادي والاجتماعي". 3. التركيز على المعاني والدلالات التي تضمنتها حادثة الطف وكيف يمكن ان نستثمرها من اجل ان تحرك " فينا كل المعاني الإنسانية التي تجسدت في حادثة استشهاده عليه السلام وكفاً يمسح دموع البائسين وصوتا يجلل صداه في الآفاق " . وعلي أخيراً أن أوضح للقارئ الكريم ما يلي : 1. أن استخدامي لمفردة السنة والشيعة كصيغة للوصف كما وردت أعلاه، لاينطلق من بُعد طائفي انتقائي يمزق الصف ويشق وحدته، وانما يتأتى من أرضية سوسيولوجية تحاول بقصد ان تصف فلان بانه سني في معرض تضامنه مع الشيعة في احزانهم من اجل تذكير الجميع بعمق الروابط بينهم وتماهي المشتركات التي تجمعهم وجعلهم يرون بان السني مع الشيعي والشيعي مع السني في وطن واحد, وقد راينا بشجن كيف بكى شاب عراقي مغترب وهو يطبخ الأكل الذي يوزع في محرم مع أصدقائه الشيعة في بيروت, حيث بكى وهو يصرخ " انا سني والله واطبخ مع الشيعة الأكل بثواب ابو عبد الله !!! ولعل السؤال الذي يُجبرني على طرحه الأن : هل يرى الطائفيون من السنة والشعية هذه القصص ؟ ومتى يخجل هؤلاء ويرعوي أراذلهم عن الأفعال الطائفية ؟ 2. أن الأمام الحسين لايحتاج الى هذه البيانات ولا المدح او الثناء وانما الذي يحتاجها بحق الشعب العراقي الذي نتمنى من سياسيه ان تكون كل تصريحاتهم وبياناتهم تصب في المصلحة الوطنية وتدعو للسلام والتآخي والتسامح والسلام، وان يوظف هؤلاء بياناتهم في المناسبات المختلفة لخدمة العراق وقضيته وعملية المصالحة الوطنية واذابة ماتبقى من الجليد بين طوائفه . 3. كنت أتمنى من الذين يتصيدون للهاشمي او الربيعي كما حدث في لقائه ألأخير مع عكاظ او غيرهما من السياسيين حينما يصرحون بتصريح ما، كنت اتمنى ان يقرأوا هذا البيان من اجل اكتشاف ابعاده الايجابية ومدياته الوطنية ومكامن الضعف والسلبية فيه أن وجدت والكتابة عنه والتعرض له بدلاً من التربص للكلام الذي يمكن لوي عنقه وتفسيره سلبياً والتغاضي عن غيره مما لايمكن ان تشوبه اي شائبة كما نلاحظ في بيان الهاشمي الأخير حول الحسين . 4. ان القراءة الموضوعية للخطاب الأعلامي للسياسي العراقي أمر ضروري جداً وله أهمية كبيرة للسياسي قبل الشارع العراقي الذي لانقبل تحت اي مسمى وباي وسيلة تاجيج العنف فيه, فالسياسي سواء أقر بذلك أم لم يقر سوف يحترم الكاتب الذي يقوم بتسليط الضوء على الجوانب الأيجابية والسلبية في خطابه, يمتدح سلوكه ان أحسن وينتقد تصرفه وتصريحاته ان اساء _ والحديث عن سلوكيات لا ذوات لكي لايكون نقدنا شخصي _ وحينها سوف تكون للكتابة فائدة وصدى تُمكن السياسي المخلص ان يرى مافاته ويكتشف ماغاب عنه ويُصحح مساراته ويُعدل خطابه لتكون وطنية عراقية مليون بالمية !!! كما نقول في لهجتنا الدارجة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |