|
بالامس القريب مرت الذكرى الثامنة والعشرون لاستشهاد كوكبة مختارة من قيادي الشعب التركماني على يد النظام البعثي البائد، مرت وكأنها البارحة، مرت لتوقظ في نفوسنا نفس الحرقة ولتثير الغصة عينها في حلوقنا . مرت والمدينة التي ولدتهم، وفقدتهم، ونعتهم، ودفنتهم في صمت رهيب وسكون مطبق هي نفسها لم يتغير من حالها حال... لماذا اعدموا؟ لانهم عشقوا شعبهم وقضيتهم ووطنهم حتى الشهادة، اعدموا ولما يقبض احدهم على بندقية يصوبها الى صدر جندي عراقي غادر رابية في قمة جبل ليتمتع بأجازة عدها يوما فيوما حتى يلقى صديقا أو يحتضن حبيبا لتصيب اطلاقة تلك البندقية نشوته في اوجها ولتبعثر احلامه مع دمائه . اعدم شهداؤنا ولما يطلق احدهم قذيفة على اثر شرطي مسكين كلف بحراسة بلده في ليلة باردة . لم يرهب شهداؤنا اولئك احدا، ولم يحرض الواحد منهم شابا تركمانيا ليزرع عبوة في طريق دورية أو يلقي بقنبلة موقوتة في حاوية مهملات . اعدموا ولما يتصفح احد منهم كراسأ يوصف كيف يحول السماد الى قنبلة تحشى بها صندوق سيارة لتنفجر امام مدرسة فتخطف اماني واحلام من هم في عمر الزهور فتخلف ورائها اشلاءا مبعثرة وكتبا مدماة واوجاعا ابوية لاتهنى الا في جوف القبر... اذن لماذا أعدموا؟ اعدموا لانهم بلغة البعث المستعارة من انسكلوبيديا شيوعيي 1959 طورانيون، وعملاء للاستخبارات التركية وخونة للوطن يستحقون الموت الزوام، فلا يحق ان تقام لهم فاتحة أو تطلق من ورائهم صيحة ولاتجرح لهم الخدود ولاتشق من ويل فجيعتهم الجيوب! عندما نحب شعبنا وبني جلدتنا في تركيا واذربيجان وقرغيزستان واوزبكستان وغيرها نتهم بالخيانة والعمالة وتسفك دماؤنا رخيصة مبتذلة، اني اسأل واتساءل هل سمع احد منكم بمظاهرة تركمانية خرجت لمؤازرة اتراك قبرص الذين ذبحهم مكاريوس، أو تأييدا لاتراك اذربيجان ضد احتلال الارمن لقرة باغ، أو تنديدا للصرب لمذابحهم الرهيبة ضد اتراك كوسوفو؟ لم نفعل ذلك! ومع ذلك تتهم جبهتنا التركمانية بالعمالة لتركيا لاننا نقول نحن عراقيون نفخر بعراقيتنا وانتمائنا لوطننا، ولكوننا جزء من امتنا التركية العريقة يحق لنا ان نفخر بتاريخنا، ويحق لنا ان نحب ابناء جلدتنا كما يحب العربي العراقي اخاه العربي المصري وكما يحب الكردي اخاه الكردي في تركيا وسوريا. لم نتعلم في ثقافتنا القومية ان نصنف الحب ضمن قائمة الخيانة، ولا الانتماء العرقي ضمن مصنفات العمالة . لذلك يحق لنا الان أن نقتص من التاريخ ونحاكم جلادينا، ولكن بشرط ان لا نخلط الالفاظ وان لانمزج المفاهيم . كما يحدث هذا الخلط مع كلمة الارهاب . فقبل ايام خرجت مظاهرة صاخبة لمنظمة PKK ومن يدعمها في منطقة رحيم اوه في كركوك، وقد رفع المتظاهرون فيها اعلام PKK واعلام الحزبين الكرديين الرئيسين (حزب الاتحاد الوطني وحزب الديمقراطي الكردي) وعلم الكرد بجانب علم PKK ولافتات تندد بتركيا وتؤيد الحركة الارهابية (PKK )، في الوقت الذي تؤكد الحكومة المركزية في بغداد وادارة الشمال بعدم تواجد مثل هذه المنظمة في ارض الرافدين . الا يحق لي، ولنا معا في ذكرى رحيل شهداءنا ان نتساءل ما معنى هذا الارهاب الذي نسمع عنه بين الحين والحين... اذ نسمع بأن القوات المشتركة من الامريكان والقوات العراقية قامت بمداهمة... واجرت عمليات عسكرية... تحت اسماء متعددة لضرب معاقل الارهابيين من منظمة القاعدة هنا وهناك . ألم يعتبر الامريكان والسلطة المركزية في بغداد منظمة PKK منظمة ارهابية وكذلك الحال بالنسبة لمنظمة صقور حرية الكرد ؟ فلماذا لا تقوم هذه القوات المشتركة بمداهمة حي رحيم اوه للقبض على هؤلاء ... ؟ الجواب كلا والف كلا فمظاهرة مثل هذه يتم حمايتها من قبل قوات الشرطة وميلشيات البيشمركة وبعلم من مسؤولي المحافظة! كما جرت ذلك فعلا! اذن لماذا؟ الجواب: لان حب الكردي لاخيه الكردي في تركيا وغير تركيا حلال، لايعرف الحدود، ولاتستطيع حبسه الكلمات والمفاهيم، فهو كردي قبل كل شيئ وحرام بل وعيب تسليمه أو عدم مساندته حتى ولو صنفته خارجيات الدول جميعها بالارهابي . أما حب التركماني لاخيه التركماني في تركيا واذربيجان وقبرص واوزبكستان وتركمانستان وغيرها فهو الحرام بعينه، وهي الجريمة النكراء بعينها ويستحق من يتهم بها الاعدام شنقا حتى الموت في محكمة العراق سواء كان فيها ممثل الادعاء قوميا أوبعثيا عربيا أوقوميا أوشيوعيا كرديا ! فبئسا لهذه الدنيا، وتبا لهذا التاريخ الذي يكتبه المنتصرون!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |