الإعلام العربي ...تطلعات حكومية

 

اثير الخاقاني/ باحث ومحلل

atheertaher@yahoo.com

الحلقة 1

الإعلام العربي مؤسسة نشأت نتيجة الضغوط المستمرة وازدهرت في اوقات الحروب وعاشت على قانون التمويل مقابل المدح والتبجيل والحماية مقابل الدعاية لهذا للقائد وذاك الزعيم وبما أن الإعلام لايندرج ضمن المؤسسات الانتاجية المباشرة والتي من الممكن ان يتبناها اصحاب رؤوس الاموال والاثرياء لذلك انصرف عنها القطاع الخاص ولم يبق لها إلا الإمداد الحكومي وبالذات الجانب الاستخباري الذي يشرف ويمول معظم الفضائيات والاذاعات والصحف والمجلات والمواقع الخبرية على شبكة الانترنت في العالم العربي والاسلامي .. وقد ياتي هذا الدعم باسم القطاع الخاص وفي زي التجار للتغطية على المشاريع المهمة لرجالات الظل والعمل من خلف الستار .. وهذا ماجعل الاعلام حكوميا في العالم العربي ويسير بخطى مدروسة لاخظاع الخبر للتحقيق في قاعة الفضائية وبالتالي اما ان يسجن ويفرج عنه ويذبح على رفوف الأرشيف والنسيان.

واذا كان الصينيون أكثر سكان الأرض استهلاكا للأرز، والفرنسيون أكثر سكان المعمورة استهلاكا للبطاطس، والأمريكيون أكثر الأمم استهلاكا للحوم، والألمان أكثر سكان الأرض استهلاكا للبيرة، وسكان جنوب شرق آسيا أكثر المستهلكين للتوابل والبهارات فان أكثر بلدان العالم استهلاكا للكلام هم العربُ بلا منازع!

واضيف عليه ان العرب ليسوا اكثر بلدان العالم استهلاكا للكلام فقط بل تفاعلا معه وانقيادا اليه فكلمة تاخذ بمشاعرهم الى حيث تلقي بهم في المجهول في معارك نشوة القادة العرب وفي مزابلهم الواسعة والتي _اي الكلمة _ تبقيهم هكذا تبع حقير لا امل له في الحياة سوى كلمات الاعلام الذي ينوّم بها الشعوب العربية في عالم الخيال عن واقعها الحاضر المرير !! من هنا تكمن خطورة الاعلام وخطورة الكلام في العالم العربي وهما بلاشك مترادفان لان الاعلام العربي مجموعة مبرمجة من الكلمات التي يختارها ذوي اختصاص بدقة لتحرك المشاعر بالاتجاه المرحب به في القصور الرئاسية !! واذا استقرئنا النشاط الاعلامي للفضائيات العربية وجدنا البضاعة الرئيسية لها هي الحوارات والمناقشات والفتاوى بمعنى شامل تسوق الجدل لانه المطلوب لانه يذيب مكامن الاحتقان الداخلي نتيجة سوء الخدمات وتردي الحكومات وعجزها عن الخدمات الأساسية لمواطنيها كما أن المخزونات الكلامية من هذه الحوارات تفوق مخزوناتنا من النفط الخام، وليتنا نتمكن في القريب من ابداع جهاز لقياس (المخزون اللغوي العربي) لنتمكن من الحصول علي دليل يوضح الفائض في محصولنا الكلامي. فاذا اخذنا مثلا برنامج الاتجاه المعاكس فهوبرنامج يمثل ثلاثة جهات أساسية الجهة الأولى القومية العربية وماتهدف إليه من الدفاع عن الأراضي العربية خطابيا، اما الجهة الثانية وهي الجماعات الإسلامية الأصولية وحتى المتهمة بالإرهاب كتنظيم القاعدة ونحوها اما الجهة الثالثة وتتخذ محور يتكون من بقايا المعسكر الاشتراكي للاتحاد السوفيتي كسوريا وايران ..وعلى المقدم لهذا البرنامج ان يتقمص ثلاث شخصيات متناقضة فيما بينها بشرط عدم الاحتكاك بالانفتاح القطري على اسرائيل وتصور كيف يتم التوفيق بين القط والفار والنار والبنزين في برنامج واحد .. إن الحصيلة الوحيدة لمن يشاهد هذه البرنامج إن يصاب بالسكوت القسري طيلة الوقت لانه سيتيه في الاسلوب المتمرس لفيصل القاسم في المناورة فهولايبقى على حال واحد في اللقاء بل يتحول شبيه بكاسبر بين صدور الاسلامين والعروبين واللبراليين وغيرهم، ولمن لايتمالك نفسه إن يشتم ويسب البرنامج ومقدمه والقناة وهوالمقصود الاعلامي للحكومات لان الفرد سوف ينزاح ثقل مطاليبه بهذا الجدل العاصف !!اما برنامج صناعة الموت على قناة
العربية فهوعرض مدروس لتشويه القاعدة كتنظيم ارهابي مسلح وإماطة اللثام عن المخطط الدولي للحركة الإسلامية المناهضة للمملكة السعودية فالمحصلة للمملكة من هذا الاعلام الموجه _العربية _ تحطيم عدوعالمي وازاحة الشرعية عنه حتى يبقى ملف سياسي يتحرك في الساحة فريدا وكذلك يتشظى من هذا التوجيه الاعلامي المدمر ضربة سعودية ضمنية لبرنامج الاتجاه المعاكس القطري. ويبدوإن معظم برامج القناتين العربية والجزيرة لاسيما البرنامجين المذكورين آنفا حرب اعلامية ويندرج تحت هاتين القناتين المتألقتين بقية برامج القنوات العربية الاخرى بنفس الصفة والسياسة، لقد اخذ الاعلام العربي تسويق السياسة غير المعلنة والتي لايمكن تبنيها لحكوماته اساسا للمعركة ضد العراق وافغانستان ولبنان وايران فالعراق صورّه الاعلام دولة مجزئة طائفية تنتشر فيها الدماء والمجاعة والبطالة والتدخلات الخارجية ومع إن بعض هذا كان موجودا إلا إن جميعها تحققت بفعل ضغط الإعلام عليها فالطائفية لم تكن الا على نحوالمزاج الخاص للبعض المتضرر من الأوضاع الجديدة ولكنها اصبحت فيما بعد الهالة الاعلامية الواسعة بمساعدة أحداث قادحة حقيقة ماثلة في الشارع العراقي !! في حين دخل هذا الاعلام الى افغانستان من زاوية تسليط الضوء على العوامل الخاملة هناك وتصويرها ازمات ثقيلة دون الإخلال بالتكوين الاجتماعي لان الأكثرية مرحب بها هناك فقد تم قطع الوديان والكهوف لتسجيل لقاء يثبت إن ابن لادن على قيد الحياة ومشاهد حية لشجاعة \"داد الله \" بعد مقتله بغارة امريكية ..في حين يذهب هذا الاعلام الى لبنان البلد المتنوع في المذاهب والاعراق والاديان تؤام العراق الاخر ! ليثير ذات القضايا والمسائل فيه فمرة يجعل من حزب الله يعمل لتطهير لبنان من اهل السنة دون الدفاع عنه من هجمات اليهود واخرى يحرض الاطراف على سباق تسلح وايكم الاقوى والاسرع اليه !!بالمقابل يظهر نفس هذا الاعلام ليمدح الذين ذمهم بالاشارة علنا في حالة اتت الاشارة من حكومته بالإشادة .. ومن مظاهر التطلعات الحكومية في الاعلام العربي ربط التقدم العلمي والتطور في الدول الغربية بمظاهر يتعب الاعلام العربي كثيرا في ايجادها تثبت وجود حالات بطالة في هذه الدول ويبالغ في ارقامها وكذلك المبالغة في اعداد مرضى الايدز حتى يشعر القارئ والمشاهد العربي ان تلك الدول من القارات الغابرة قبل ألف سنة خلت.! هذا الاعلام لايؤمن بالمظلوم بل كل ما يستهدفه هوكيف يكون ؟ يعمل مع من؟ من يمدح ؟ من يذم ؟ ماهي الطرق الى رفع حكومته وبلده على جميع العالم بالحق وبغيره ؟ ان اعلامنا ما يزال يتمسكُ باللغة كغايةٍ من الغايات، لا (وسيلة) لتحقيق الأهداف السامية وهي التأثير علي السامع والمشاهد ليس كلاميا، بل بصريا وعاطفيا وعقليا! ويجب أن نتساءل: هل لغتنا هي المسؤولة عن (ماضويتنا) أي أننا نحبُّ أن نحيا في ماضينا؟! يذكر احد الكتاب انه قرا في سبعينيات القرن الماضي مسرحية الكاتب الانكليزي جون اسبورن تحت عنوان (النظر الي الوراء)، في هذه المسرحية تحليل لعقدة المغرمين بالسير الي الوراء، الذين ينتهي بهم الحال الي أن يكون (الأمام) ضحيةً للوراء، فيقع السائر الي الوراء في كل حفرة تعترضُ طريقه لأنه ببساطة لا يراها، ولا يرغب في رؤيتها، فتكون عقوبته تحطيمَ نفسه بنفسه، ولكنني أعتقد بأن اللغات لا تكون مسؤولة أبدا عما يحل بأبنائها!

فلم تعد الأخبار الموجزة (موجزة) بالفعل، فقد أصبح الايجازُ اطنابا حتي تتمكن القنوات من تغطية بثها المتواصل، وكأنها في سباق مع الزمن لنيل البطولة في مسابقة الكلام حتي الموت!! كما أن هناك فضائياتٍ،تعتاش على الابتذال والتعري لتغطية نفقاتها وبالمقابل تمييع الشباب العربي بعد أن يتحمس للقنوات القومية وهناك قنوات تنجم وتشعوذ وتستجلب السحرة وايضا هذا جزء من سياسة السير الى الوراء والتخصص بقصص العجائز اعلاميا وهناك قنوات تعلم الاطفال على ماتعلمه القنوات الاخرى للكبار وهناك قنوات ومواقع وصحف بضاعتها الرئيسة هي التجارة بالثرثرة، ولا تحتاج هذه الوسائل الاعلامية لرأسمال، فهي فقط محتاجةٌ لبعض الفتيات القادرات علي تحويل المفردات والجمل الي رقصات وغنجٍ مثير، لا تعني سوي اثارة الغريزة فقط، أما الثمن الذي تحصل عليه الفضائية، فهوثمنٌ تقتسمه بالمناصفة بينها، وبين شركة الاتصالات، فهذه القنوات أحدث وسائل المتاجرة الاعلامية في بضاعة الثرثرة!

ومن يتابع (بورصة) التجارة العربية كما يذكر احد الباحثين فانه يستغربُ من أن أكبر الرابحين في تلك البورصة هم تجار الكلام وسماسرة الجمل في صورة (سندات) شركات الاتصالات، وهذا ماجعلنا اثرياء كلام وثروتنا الوحيدة من الاعلام ثروة كلامية نورّثها لأجيالنا الآتية! نحن لانقلل من قيمة الكلام بل ممن يجعل منه غاية وهدف .. ولذلك تبقى القناة المحرمة في المعيار الحكومي للاعلام العربي هي القناة التي تتحدث عن المستقبل وتعلم الاطفال والكبار كيف يعيشون لا ان يموتوا وكيف يصنعون سيارة لا همرا ودبابة وكيف يطوعون الحديد كما تفعل اليابان فيستحيل الى طائرات وباخرات وأدوات نافعة لا أن نقرئها في قصص النبي داود عليه السلام الذي ألان الله له الحديد ! نريد اعلاما لنا ولاجيالنا وليس بوقا لحكامنا وابنائهم !!..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com