عملية المصالحة العراقية، شهدت تذبذباً ملحوظ في مرحلة ما بعد مؤتمر (العشائر العراقية للمصالحة الوطنية) المنعقد في آب (أغسطس) من العام 2006 .. حيث إن طموح الشارع العراقي المنعقد على المصالحة ورؤيته الجادة للمشروع كبارقة أمل، كانت في رجوع اضطرادي بسبب عدم تطور واقع المصالحة على الأرض، ولعدم وضوح نتائجها الجلية .. وخاصة بتزايد بياني واضح لإعمال العنف في البلاد .. الوضع العراقي تعقد في الشهرين الأخيرين من العام 2006 .. ووصلت البلاد إلى شفير الهاوية .. وهنا في وقت كان اشد المتفائلين ينادي في المصالحة، أصبح اقل المتشائمين يعتبر (المصالحة) حبر على ورق لن يعد له قيمة في الواقع العراقي .

في أواسط كانون الأول (ديسمبر) من العام 2006، ورغبة في الخروج من حلقة العنف الضيقة التي وضع بها العراق .. تم عقد مؤتمر (المصالحة الوطنية للقوى السياسية العراقية) .. في المرحلة التي سبقت عقد مؤتمر القوى السياسية المذكور لم تتوارد أي دعوات دولية أو من منظمات عالمية داعمة لعقد مؤتمر سياسي تصالحي، بل إن زيارات وفد الهيئة العليا للحوار و المصالحة الوطنية التي جابت أربع عواصم عربية قبيل عقد المؤتمر المذكور بحثا عن الدعم والتأيد ورغبة في جمع اكبر قدر من الوجوه السياسية العراقية المعارضة لسياسة العراق الجديد رغبه في التحاور معهم نحو الخروج من الأزمة العراقية المستسرية وتحقيق المصالحة المنشودة . وفد الهيئة في جولاته لم يجد الدعم المرجح، ولم يجد من الوفود التي التقى بها أي رؤية للمصالحة بشكل جاد .. بل واجه في بعض الأحيان الاتهام .

على العموم في ظل هذا الجو المحموم عقد مؤتمر القوى السياسية العراقية، وشهد إقبالا كبيراً ونوعياً .. وحقق ايجابيات ملحوظة من ناحية الأطروحات والأفكار .. ومن ناحية تبلور إيمان سياسي عراقي جماعي بجدوى فكر المصالحة في الخروج من المأزق الجاري في البلاد .. بالتالي فأن المؤتمر لاقا نجاح اعلامياً وسياسياً كبير، على عكس ما كان ينظر له .

نجاح المؤتمر، وتزايد الدعم الشعبي وعودة الروح لنبض الشارع تجاه فكر المصالحة .. انسجم مع تقديم الكثير من الدعوات من دول إقليمية وأجنبية ومنظمات عالمية نحو عقد مؤتمرات أخرى تكميلية أو غير ذلك وكلها تصب في حقل المصالحة .

أي بمعنى آخر .. إن نجاح المؤتمر أغرى الآخرين بالخوض بتجربة مشابهه كما هو الحال في نظرية (الرواج) الاقتصادية التي تؤكد أن نجاح التجارة في أي سلعة ما سرعان ما يجعل السوق قاطبة نحوها .. إلى أن تصل السلعة لمرحلة تكسد بها مما يؤدي إلى فقدان رواجها وبالتالي بحث السوق عن سلعة أخرى .. هكذا أصبح حال (المصالحة) بعد مؤتمر القوى السياسية العراقية .. فقد بدئت الدعوات تتواتر من اجل عقد مؤتمرات واجتماعات وبكم كبير، ومن البديهي معرفة إن بعض الجهات المعادية للمصالحة أو العملية السياسية العراقية الجديدة طالبت بدورها أو بمسميات أخرى بعقد مؤتمرات للمصالحة قد يكون العرض منها الإساءة للمشروع لا دفعه .. فبشكل أو بأخر من تجاوز فكر المصالحة للسعي ورائه .. وهذا مما حدا بالحكومة العراقية التصريح بعدم تقبلها أي مؤتمر أو دعوة للمصالحة ما لم تمر من خلال قنواتها الحكومية الرسمية .

مرحلة العام 2007 الذي عرف ﺒ (عام الأمن) بما شهده العام من تطورات أمنية ملحوظة على الساحة العراقية  .. حققت تطور متوازي على المجال السياسي، بالتالي ومع تواتر الايجابيات الأمنية تواترت الدعوات التصالحية .. وكان لنجاح مشاريع (الصحوات) في إيصال الأمن و القانون لمناطق لم تنعم بالسكينة مدة طويلة، كل هذا وذاك أعاد الحديث عن ضرورات تفعيل المصالحة، ولكن هذه المرة لم تكن الدعوات من باب (اعتبار المصالحة طريقاً للخلاص) كما كان قبل عام وإنما بأعتبارها (تدعيماً واستثماراً للنجاحات الأمنية و رغبة في المضي نحو شاطئ الأمان) .. وكالعادة تواترت مرة أخرى ووفقاً لما وصفته أعلاه بنظرية (الرواج) الدعوات نحو عقد ما هو رائج (مؤتمرات للمصالحة العراقية) ومن جهات عدة .. منها من تجاهل لفترة طويلة الحديث عن الوضع العراقي أو لم يساهم إلا سلبياً تجاه أزمة العراق، ومن جهات أثبتت حسن النوايا منذ البدء.

الدعوات التي تطلق ألان ومنذ الشهر تقريباً أو أكثر من منظمات دولية للسلام ومنظمات إقليمية كالجامعة العربية، ومن دول أجنبية كفرنسا ودول عربية ومجاورة .. لابد وان هذه الدعوات أو بعضها إن كنا متشائمين أو ممن يفترضون وجود الدسائس و المؤامرات !! تسعى لتقديم الايجابية والدعم للواقع العراقي .. إلا إننا لنسأل وبدون تحسس أو اتهام للأخر بالمؤامرة لماذا لا تعقد هذه المؤتمرات المخصصة للعراق على أرضه وفي مدنه وأمام شعبه، لماذا لازال السعي إلى هجرة أو تجاهل العراق هاجساً محسوس .. إننا اليوم في أمس الحاجة لان نعيد لمدن العراق الزهو والأمان و الشعور بالكمال و الاستقرار .. فمن الواجب إذن أن ننمي عقد مثل هذه الأفكار و الملتقيات داخل الأرض العراقية، بل وان يجلس الخصماء أو الأصدقاء على الطاولة في داخل العراق .. لا على طاولات إقليمية أو دولية تفرض على اللاعبين إتباع أجندتها قبل بدء اللعب على طاولتها .

إن العراق اليوم وبكل مدنه بأمس الحاجة إلى النشاط وعودة الحياة السياسية .. فكم نرى ابتسامات الثغور وهي تتحدث بفرح عميق عن عودة السوق (الفلاني) أو إعادة الأمن للمنطقة (الفلانية) .. فلم لا نعيد سماع انعقاد مؤتمر (فلان) في بغداد أو أي محافظة عراقية أخرى .. لندفع بالبلاد نحو الأمام أكثر .. فبالعمل تستمر الحياة لا بغيره ...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com