|
المخابرات...ورجال المخابرات/ ح1
جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا عضوألأتحاد الدولي للصحافة وعضومنظمة العفوالدولية
الحلقة ألأولى/ ألأستقبال بالرغم من طفولتي وكافة مراحل دراستي في العاصمة/ بغداد..ألا أنني لم أعرف شيئاٌ عن تلك البناية (البيضاء) ذات الطوابق المتعددة التي تقع في بداية شارع/ 52 مقابل(مديرية الجوازات والسفر) أطلاقاٌ كل الذي كنت أشاهده وقوف سيارة شرطة (نجدة) وعدد من الحرس بالملابس المرقطة والقبعات الحمر أمامها.. ولكن شكل البناية والحراسة المشددة حولها توحي للناظر بأن البناية لاتخلو من شكوك!... مع ذلك لم أهتم بالمسألة قط . لم يخطر ببالي أن أقضي مدة زمنية (رهيبة) في ذلك المكان والتي ستكون من أشد أيام قسوة في حياتي والتي لا أستطيع نسيانها بالرغم من مرور سنوات طويلة على مغادرتها!!. أتذكرها كل ما ذكر أسم المخابرات ومعتقل المخابرات ورجال المخابرات!!...... نعم أن تلك البناية هي بناية الحاكمية، أي (دائرة التحقيقات ألأولية) لجهاز المخابرات والتي تعتبر من أهم مؤسسات ذلك الجهاز حيث لديهم ضيوف دائميون من مختلف شرائح المجتمع العراقي ومن مختلف ألأتجاهات السياسية والدينية من (شباب وشيوخ ونساء وحتى ألأطفال)!!... وكذلك هنالك العديد من العرب (غير العراقي) وألأجانب ، لقد رأيت العديد من ألأردنيون والفلسطينيون والسوريون والمصريون وألأيرانيون والهنود وغيرهم ... وبتهم سياسية ثقيلة غير قابلة للأفراج أطلاقاٌ!!. التقيت (بعد خروجي من ألأنفرادي وبعد صدور الحكم ـ نقلوني الى قاعة كبيرة) حيث شاهدت العجب العجاب : وكلاء وزارات ... دبلوماسيون كبار ... قادة فرق عسكرية .. أطباء ، محامون ، صحفيون ، طيارون ، صيادلة ، كتاب ، شعراء ، رجال دين ، عرب ، كورد ، تركمان ، مسيحيون ، صابئة ، أيزيدية ............الخ من مكونات الشعب العراقي!!. مخطط البناية ومنفذها هو (برزان التكريتي) الذي ترأس ذلك الجهاز بعد البلطجي والشقي (سعدون شاكر محمود) والملقب بـ (سعدون ورور) والورور مصطلح يستخدمه البغداديون ويعني (المسدس) ، لقد بقى/ ورور على رأس ذلك الجهاز لغاية 1979 . منفذوا البناية كانت من قبل الرفاق في/ المانيا الشرقية .. يقال بأن في ذلك البلد هنالك بناية بنفس المواصفات.. لقد عرضوا على/ برزان التكريتي أكثر من نموذج ولكنه أختار هذه لكونها تلائم نفسيته المريضة حيث فيها العجائب والغرائب من التفاصيل المملة من سراديب وغرف للحبس ألأنفرادي وأجهزة وغيرها... حتى في تعذيب البشر يتفننون!!. عندما يساق (المتهم) الى ذلك المكان المرعب ، يمر المعتقل بعدد من ألأجراءات ومنها : أولاٌ/ غرفة ألأمانات : وهذه الغرفة يشغلها عدد من الرجال (من غير قلب ولاضمير)... يدخلوك هناك..التعليمات صريحة : • تخلع جميع الملابس بأستثناء (الملابس الداخلية) ، حتى (الفانيلة) ممنوعة!!. • تسلمهم ماتحمله من :[ نقود ، هويات ، أوراق ، ساعة يد ، نظارة طبية ، حلقة أو خاتم ، طقم أسنان ، قلادة ...... الخ] أي تبقى مجرد من كل شىء!!. • يسلموك (بيجامة مخططة) قديمة (مخططة بالأبيض وألأزرق) أستعملها العشرات قبلك + زوج من (النعال) من البلاستيك القوي من النوع الذي يجرح القدم . • يأتي أحدهم وينادي عليك ويوجه كلامه (كلها شتائم من النوع الثقيل) ويقول لك : أسمع يا............ بن الـ ...... أنت من هالساعة تنسى أسمك وأسم أبوك.. أنت الرقم كذا....مفهوم؟؟. فعلاٌ يعطيك رقم وحينها أنت مجرد رقم و بمرور الزمن تتعود على الحالة .... كان رقمي والذي لا أنساه الى يوم يبعثون ولازلت أعلقه فوق رأسي لحد اليوم وأنظر اليه كل ساعة هو/ 642 ، والظاهر أنهم في كل شهر لهم أرقام مختلفة/ فأنا أعتقلت في شهر حزيران لذلك رقمي بدأ بـ 6 وهكذا!!. الغريب في هؤلاء الناس والذين نسميهم بالبشر(زوراٌ وبختانا) يتصرفون تصرفات لا أرادية فمثلاٌ : أثناء تلك (المراسيم) كان أحدهم يتناول طعام الغداء (مرق ورز) كان مستمر في التناول.. وكان بيني وبينه عدد من ألأمتار .. نهض من مكانه وتقدم نحوي وسكب (صحن المرق الساخن) على رأسي!!!. سأله زميله : لماذا فعلت هكذا؟؟. أجابه وهو (خربان من الضحك) : يعجبني.. لازم نكرموا .. هو موضيف؟؟. تصور.. يضحك من كل قلبه والبقية يضحكون معه!!. على ماذا؟؟؟ بالتأكيد على منظري وأنا من غير ملابس الا مايستر القليل و(المرق) أنتشر من فوق الى التحت!!. بعدها سلموني (بطانيتان) وتلقيت ألأوامر بأن أمشي ورأسي الى ألأرض وألا .....!!!. ألأغرب ، أمشي وكلما صادفنا أحدهم كان لابد من أن يوجه ضربة نحوي ، تارة بيده وتارة بقدمه وتارة بفمه القذر وهو يتفوه بكلمات لاتذكر هنا!!. النتيجة الى أن تصل الى زنزانتك تكون ـ نصف ميت ـ!!!..هكذا يستقبلون المتهم!!. ثانياٌ/ الزنزانة : عبارة عن غرفة صغيرة 2متر مربع فقط..هنالك شباك عالي جداٌ مغطى بأسلاك كغطاء بحيث حتى لو (أفتراضاٌ) تسلقت الجدار لايمكن أن ترى الخارج الا الشىء قليل!!. في الغرفة (حنفية) ماء للأستحمام..في الصيف حار جداٌ وفي الشتاء بارد جداٌ ..هنالك (تواليت غربي) وبس .. ولكن ألأفضل هنالك (تكييف مركزي) لولا تلك الحالة يختنق البشر هناك ، لكون في الكثير من الغرف وبنفس الحجم بحدود من 10 الى 12 شخصاٌ.. تصور المنظر ، ينامون بالتناوب!!!. ثالثاُ/ الطعام ... ثلاثة وجبات وكالأتي : • الفطور: تبدأ الساعة الثامنة/ سائل يحتوي على (حبيبات) من الرز+ ماء ساخن وصبغ أصفر.. وأما من دون ملح وأما كثير الملح!! وكوب شاي (بارد) من دون سكر!!.... في الساعة العاشرة يوزعون (ثلاثة صمونات) أي (أرغفة خبز) نصفه عجين والنصف ألأخير قريب من العجين ومن النوع الذي يوزع للجيش!!. • الغداء : تبدأ الوجبة الساعة الواحدة/ رز مطبوخ من غير (زيت) أطلاقاٌ وعلى شكل (كرات متحجرة) وعادة أما محروق .. أوغير مطبوخ أطلاقاٌ!!. • العشاء : توزع بعد غروب الشمس/ معكرونة مطبوخة بالماء وكثير الملح!!. المشكلة في هؤلاء البشر وجميعهم من الضابط الى الحرس والفراش والعامل الذي يوزع الطعام يجب أن تناديهم أما ـ سيدي أو أستاذ ـ!! وألا العقوبة الفورية جاهزة!!. أحداث لاتصدق!!: كثير من المرات كان يأتي الذي يوزع الطعام وينادي بأعلى صوته (حضروا مواعين ألأكل جاكم الزقنبوت!! أكلوا اليوم مركة (هوا!!!) يبدأ بالتوزيع .. بالمناسبة ماعون الطعام عبارة عن ماعون من البلاستك للأكل وشرب الماء وغسل الملابس وغيرها!!!. يبدأ بتوزيع الطعام .. فجأة ينتهي الطعام أو لايبقى في القدر الا القليل في قعر القدر ... ينادي العامل زميلة : [ يافلان أحضر سطلة ماء لقد أنتهى الطعام لنزيد الكمية!!!. ]. وهكذا ... ياترى كيف يشبع المعتقل؟؟؟ شخصياٌ فقدت ثلاثون كيلو وأكثر من وزني وذلك خلال سنة تقريباٌ في ذلك المكان!!. الويل لمن يمتنع عن ألأكل ...!!! أو ينتقد ألأكل!! حينها يخرجوه الى الخارج ويضعوه داخل حلقة والحلقة تتألف من أربعة أو خمسة أشخاص وكل واحد منهم يحمل عصا ... والويل لذلك المسكين .. يشبعوه ضرباٌ وحتى ألأغماء....... وقد رأينا تلك المناظر لعشرات المرات!!. ألأغرب وبعد تلك (الحفلة) كما يسمونها أولئك الجلادون ... ينصرفون الى أعمالهم ولتناول غدائهم والضحية أمامهم مغمى عليه من شدة ألألم والجروح .. وقد مات أمامنا أحد الشباب والجميع يضحكون ويقولون : ـ أحسن ... كلب ناقص!!!. في كل مرة كنت أسرح وأقول مع نفسي : ـ أي بشر هؤلاء؟؟ هل لهم عوائل ونساء وأطفال وأشقاء وشقيقات ووالدين وأقرباء وجيران وأصدقاء كبقية خلق الله؟؟أم لاء؟؟ وياترى كيف يتصرفون في الشارع مع (صاحب الدكان والقصاب وأبو المخضر والميكانيك والجيران وألأقرباء وغيرهم)؟؟؟. لكنني فيما بعد أصبحت على يقين بأن هؤلاء جميعهم مصابون بمرض ألأزدواج في الشخصية (الشيزوفرينيا) أي يتصرفون كأي شخصين .. واحد شاذ.. وألأخر أعتيادي .. والا كيف يستطيع أن يمثل تلك الحالات مرة واحدة ..؟؟ في الدائرة وحش كاسر وجلاد من الدرجة ألأولى .. وفي الخارج يجب أن يتصرف كبقية الناس!! ياترى كيف يمكنه ذلك؟؟؟. كنت أقول : • ياترى ماذا يحكي لزوجته وأطفاله عن تصرفاته وواجباته في دائرته!! . • كيف يعامل العائلة؟؟؟. • هل بأمكانه أن يغير كل تلك ألأقنعة ولكل قناع حالة خاصة؟؟. • وعشرات الحالات ألأخرى!!. في الحلقات القادمة لنا المزيد عن هؤلاء الذين يشبهون كل الحيوانات المتوحشة ..... الا البشر!!!. ملاحظة مهمة : بعد نشر المقدمة.. وصلتني عشرات الرسائل بواسطة بريدي ألألكتروني يطلبون مني ألأسراع بنشر مذكراتي بأسرع وقت ... لذلك أقول لهم : * سجين سياسي سابق/ قضى سنوات من شبابه في معتقل الحاكمية وسجن أبو غريب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |