يتعين علينا ان نعلم ان سؤالا بهذه الأهمية والتعقيد لا يمكن الإجابة عنه في حدود الفكر الخالص، كما كنا نفعل في السابق، عندما كانت " الأرثوذكسية " منهجا في التفكير، تحكمنا، وتدفعنا بدون أي تأمل بالمقولات الجاهزة، مثل الحتمية التأريخية، وحتمية انهيار الرأسمالية .. الخ  . ويجب ان يكون موضوع انهيار الاتحاد السوفيتي درسا كبيرا لنا، نتعلم في ضوئه كيف نلجأ الى الواقع لنقرأه بنهم، ونصوغ بموجب المعطيات التي نتلقاها منه أفكارنا، (فالواقع بلا ضفاف دائما) . ثم نعود إليه مرة أخرى، لنمتحن مدى صحة تلك الأفكار، فإذا لم تكن أفكار ذلك الواقع فسيظل التاريخ يعاندها، ولن تكون لها أية فرصة للتحقق . وكلنا يعلم تأكيد ماركس الشديد على الممارسة بوصفها صانعة الأفكار، وضمانة لإثبات صحتها .

وحينما وجدت الرأسمالية نفسها بدون منافس، أو عدم وجود من يتحداها، وأصبحت تشكل القطب الوحيد في العالم، بدأت طغمتها المالية والتجارية " باسم العولمة " ممارسة الضغوط لضمان حرية حركة أموالها، وبضائعها، بعد سقوط " جدار بغداد الوهمي وصنمها " وربما ستعمل على إلغاء الدولة الوطنية، وتحويل العالم الى قرية كونية، تكون هي المتحكمة فيها سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا . وبمباركة الأسلام السياسي الجديد ومصالحه الانوية ضد ارادت الشعب العراقي وطموحاته ونضاله من اجل غده المشرق وهذا كله يصب في مصلحة الاحتلال..؟

فإذا نظرنا الى الواقع العراقي من زاوية الحالة الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية القائمة " الحالة الموضوعية " فسنجد ان الوضع ليس بأحسن حال من سابقه " الحالة الذاتية " فثقافة الاختراق " ثقافة العولمة " تزدهر بأبهى حللها، ويتمثل ذلك كما أتصوره، بتكريس نوع معين من الاستهلاك، لنوع معين من المعارف، والسلع والبضائع ( معارف اشهارية ) هدفها تسطيح الوعي، وسلع استهلاكية لمنع الادخار وإعاقة التنمية، عن طريق تعطيل فاعلية العقل، وتكييف المنطق، والقيم، وتوجيه الخيال، وتنميط الذوق، وقولبة السلوك من اجل إحلال المجتمع الاستهلاكي محل (المجتمع الإنتاجي) وتمزيق الوحدة الثقافية الوطنية، تمهيدا لتفتت الرابطة القومية هكذا اعتقد وكما جاء في ( المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي هكذا ما أعتقده وفهمي في هذه المرحلة) وتدمير التماسك الاجتماعي، وكل ذلك بهدف إلحاقنا اقتصاديا، وسياسيا، وأمنيا بالاحتكارات العالمية، وتحقيق تبعيتنا لها .

والحق اقول ان الاختراق بدأ يتحقق تدريجيا في حياتنا الثقافية بعد زوال النظام المباد . وخاصة في خلق حاجات زائفة، تتحول الى جوع يتغلغل في عضويتنا، وينخر جهازنا العصبي، فيعطل توازننا الداخلي .

ان الحالة الزائفة بين الفئات الميسورة، اعني التنافس على الرفاه ( الذين استفادوا من النظام المقبور، والسراق، والمأجورون والقادة للعملية السياسيه الجدد؟ بعضهم من اكبر الفساد والمفسدين...؟ الخ) في حين يكون لدى الفقراء شعور بالإحباط، والضياع، والحقد، وأيضا تحطيم القيم الإنسانية، بانعدام الروادع الداخلية التي تؤدي اليها حالة حمى الرفاه، وحمى الفقر على حد سواء . والأخطر من ذلك الاستعاضة عن الأصالة، بمحاكات النموذج الوافد، على أساس انه الأقوى المطلوب تقليده، ومن المفيد ان نشير الى ان ما يجري الان هو أمر مفروض علينا من قبل الاحتلال،  ويمكن ان نتجاوزه، فلقد شهدنا في المراحل التاريخية السابقة، غياب الحساسيات الاثنية، والطائفية، والقبلية، وغيرها . وظهور أشكال متقدمة من الاندماج الاجتماعي، وذلك عندما كانت هناك حركة حقيقية لتجاوز العصبوية (والآن نــداء من أجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق نموذجا)، فلقد بات معروفا للجميع كيف كان النظام السابق، ووظيفته القائمة بين الفرد الطفيلي السلطة، وطفيليي المجتمع، أدى الى تدمير الحالة الثقافية، والحالة الاجتماعية، والاقتصاد الوطني من جهة، وإفقار الناس من جهة أخرى، الأمر الذي افقدهم الوعي بالحالة التي هم فيها، وفصلهم عن الطبقة التي كانوا يعتنقونها، وكانت تشكل الدعامة الكبرى لأي عملية تغيير نحو الأفضل . فهل نستوعب فكريا، وثقافيا، وسياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا ماذا تعني  (العولمة) في الفكر الرأسمالي ؟ وكيف سيكون الحال في العراق المحتل ؟ العقل سيد الحكم والأيام حبلى للتفاؤل بالمسرات .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com