(تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما فانتصر), هكذا قال المهاتما غاندي محرر الأمة الهندية من الأحتلال البريطاني , حيث تعلم درس التحرير من ابي الأحرار وسيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام. وليس من المستغرب ان يتعلم غاندي  من مدرسة الحسين المليئة بالدروس والعبر رغم كونه ينتمي الى دين أخر ويعيش بعيدا عن أرض الحسين. وهذا إن دل على شيء فأنما يدل على عظمة الحسين وعلى عظم مدرسته التي تخرج منها العظماء وفي طليعتهم المهاتما غاندي.

 وكيف لا يكون الحسين عظيما وهو الصادق مع نفسه والوفي لمبادئه  حتى ولو إقتضى الأمر ان يضحي بنفسه وأهله وخيرة صحبه كي يحرر الأنسان وليضرب أعظم الأمثال في الدفاع عن القيم وعن كرامة الأنسان التي أراد الطغاة سلبها. فلقد أبى الحسين أن تصادر إرادته وإرادة الأمة وذلك بحمله على مبايعة من لا يستحق البيعة فابى الحسين إلا ان يكون حرا مطلقا مقولته الشهيرة (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد). 

 فلم يبايع رغم الوعد والوعيد ولم يفر خوفا من تحمل المسؤولية , بل عزم على حمل الأمانة بعد ان اقام عليه القوم الحجة وبعد أن وصلته كتبهم  التي تدعوه للقدوم بعد ان اينعت الثمار وأخضر الجناب وهم له جند مجندة. وكيف لا يستجيب بعد ان اقيمت عليه الحجة بحضور الحاضر ووجود الناصر, فهو كأبيه لم يكن ليأبه للدنيا ولا لزخرفها  لولا أن تدافع القوم حوله لينتخبوه قائدا للأمة.

 فقرر الخروج لنصرتهم ولكنه لم يخرج لوحده ولم يترك عياله في مكان امن حيث مدينة جده أو في مكة موطنه , بل أخرجهم معه كما خرج أصحابه معه , فالحسين لم يرد ان يحمي عياله في الوقت الذي تنتهك فيه حرمة معارضي الحاكم أنذاك ,  بل اراد لهم ان يكونوا سواسية مع ابناء الأمة وليس كما يفعل ساستنا اليوم والقابعون في المنطقة الخضراء وهم لا يجرأون على الخروج في طرقات بغداد واما عوائلهم فهم حيث الأمن والأمان خارج العراق وهم يدعون الإقتداء بالحسين ويذرفون دموع التماسيح عليه.

ولم تكن حسابات الحسين كحسابات تجار السياسة الذين يجيدون الأنسحابات التكتيكية  ويتركون الساحة عند بروز الأخطار , فبعد ان وصله خبر مقتل رسوله وإنفضاض الناس عنه ,لم يقرر سوى الأستمرار في مسيره تاركا لأصحابه الخيار قائلا لهم (إن القوم بطلبونني انا فليتخذ كل واحد منكم هذا الليل جملا), ولم يأمرهم بالذهاب لوحدهم ويجلس هو وعائلته في امان كما فعل ساسة اليوم عندما كانوا قادة أيام المعارضة , حيث كانوا يجلسون مع عوائلهم حيث الأمن والأمان والأمتيازات في حين كانوا يدفعون أتباعهم ومواليهم إلى ميدان مقارعة النظام السابق حيث الموت الزؤام , واما عوائلهم فكانوا يتمتعون بكل ملذات الحياة لأنهم النخبة التي تدخر لليوم الموعود حيث سيحكمون ارض الحسين وهم البعيدون كل البعد عن مدرسته.فكم تحمل الكثير منا  شظف العيش في أهوار الجنوب  وفي قمم الجبال حيث الحر الشديد والرصاص وشظايا القذائف ولم نلتقي يوما بقائد أو إبن قائد ممن يحكمون اليوم وهم يدعون السير على هدى الحسين.

ولم يكن الحسين داعية حرب بل كان داعية سلام اراد ممارسة حقه الطبيعي في إنتخاب الحاكم المناسب وفي الترشح للقيادة ولكن الدكتاتورية الحاكمة انذاك إستكثرت على الحسين هذا الحق وأحست بخطورة تحرر إرادة الأنسان والتي سعى الحسين لتحريرها. ولذا فعندما طلب منه القوم أن يبايع الخليفة رفض وطلب منهم ان يتركوه بامان فأبوا  وسعوا لأغرائه فقالوا له إنزل على حكم بني عمومتك ولن يروك إلا خيرا, ولكن هيهات لمثل الحسن ان يسقط امام الأغراءات كما سقط ساسة اليوم امام بريق الدولار والدينار .

وحين حوصر الحسين وصدر حكم الخليفة بقتله, رفض الحسين ان يبدأهم بقتال فلم يبادر لالهجوم  بل سعى اولا لألقاء الحجة على القوم معرفا إياهم بنفسه ومذكرا إياهم بمكانته وموضحا أسباب رفضه لمبايعة السلطة , فلم يكن متعطشا لسفك الدماء وإثارة الفتن بل كان هدفه الدفاع عن المباديء وفي طليعتها الدفاع عن كرامة الأنسان وحريته وهي حجر الأساس في النظام الديمقراطي السائد في عالم اليوم , فالحسين ثبت بدمه حق الشعب في إنتخاب من يشاء .

 وحينما إندلعت المعركة قدم الحسين أبنائه وأخوته ليستشهدوا بين يديه أسوة بأصحابه ومناصريه , وهل مثل الحسين يدخر أولاده وإخوانه كي يحكموا فيما يضحي بأصحابه ومحبيه؟ لكل ذلك وهو شذرات من مدرسة الحسين وصلت أصداء الثورة الحسينية إلى بلاد السند والهند حيث وقرت في نفوس صافية ومخلصة فيما لم تجد لها مكانا بالقرب من قبر الحسين حيث يكثر أدعياء حب الحسين والسير على نهجه , فلم يستوعبوا درسا واحدا من دروس مدرسة الحسين بل جل مافعلوه ويفعلوه اليوم هو إستغلال حب الأمة للحسين لكي يتاجروا بالحسين ودمه من اجل تحقيق مكاسب دنيوية زائلة. ولكن هيهات للصغار أن يخلدهم التأريخ الذي خلد ويخلد من تعلم ويتعلم من مدرسة الحسين كما خلد المهاتما غاندي وغيره.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com