-1-

سالت الأقلام وانفلتت الألسن العربية في الحديث والشكوى والتألم مما يحصل في غزة الآن. وقرأنا وسمعنا وشاهدنا الكلمات والجمل والعبارات والمشاهد التي نراها في كل مأساة وكارثة تحل بالشعب الفلسطيني منذ عام 1948. فلقد تغيرت الأحداث، والظروف والمعادلات السياسية، وبرز أقطاب، واختفى أقطاب، ودارت الدنيا بنا ألف دورة ودورة، ولكن تفكير بعض الزعامات الفلسطينية لم يتغير. ومنذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان ونحن ندور ونلف حول المحاور نفسها، والأفكار نفسها، والآمال والأمنيات نفسها، وهذا من الفضائل. فمن الفضيلة أن يثبت الإنسان على رأيه ولا يغيره، إلا إذا ثبت بطلان هذا الرأي. فالإنسان يتغير، وأفكاره من حين لآخر تتبدل، ما دام يستقبل كل يوم جديداً، وما دامت الشمس تشرق في كل يوم جديد، وما دامت الانترنت تأتيه كل يوم بجديد الفكر والثقافة والأحداث.

 

-2-

مشكلتنا الرئيسة نحن العرب أننا لا نتعلم من أخطائنا الماضية. ونحن معذورون في هذا. فكيف لنا أن نتعلم من أخطائنا ونحن أقل من الماضي معرفة وعلماً وواقعية سياسية ودراية بما يجري حولنا في العالم؟

كيف لنا أن نتعلم من أخطاء الماضي ونحن في الثقافة، والفن، والعلوم، والفلسفة، وفي محو الأمية، وفي حقوق الإنسان، وفي دخل الفرد السنوي في أسفل قائمة الأمم. ولا يوجد أسفل منا غير شعوب الصحراء الغربية في أفريقيا، حسب ما جاء في تقارير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لسنوات ماضية؟

كيف لنا أن نتعلم من أخطاء الماضي، ونحن ما زلنا حتى الآن ننظر إلى مشاكلنا السياسية نظرتنا إليها قبل نصف قرن، وكأن الزمن قد توقف لدينا، وكأن صك مُلكيّة هذا الكوكب في جيوبنا، ولا يستطيع أحد تغيير هذا الكوكب إلا بإرادتنا وموافقتنا؟

كيف لنا نتعلم من أخطاء الماضي، ونحن ما زلنا في مناهجنا ومدارسنا وجامعتنا في قائمة المتخلفين علماً وتعليماً. ونعتبر كل إضاءة وكل كشف لهذه العورات مؤامرة غربية من أعداء العرب، وما أكثرهم هذه الأيام في خيالاتنا، وتصوراتنا، وأحلامنا، وكوابيسنا.

وأنا لا أريد أن أكون جلاداً للذات، وهي الصفة التي تُطلق على كل من يحاول نقد الذات العربية - وهي من أشق المهمات - ويحطم تلك (الشمّاعة) الغربية التي نُعلّق عليها دائماً أخطاءنا وكوارثنا، وننسبها إلى الشيطان الغربي المختفي خلف أستار سميكة. فيكفي أن نقول، أن التعلّم من أخطاء الماضي، يستلزم تغييراً في أنماط التفكير، والسلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي كذلك. فعلى سبيل المثال نقول أن القضية الفلسطينية في عام 1948 ليست هي القضية الفلسطينية في عام 2007، بسبب ما أُدخل عليها من مركبات سياسية وتاريخية واجتماعية وثقافية. والعدو الصهيوني الذي حاربناه في 1948 ليس هو نفسه العدو الصهيوني الذي حاربناه في 1956، و 1967، و 1973 ونحاربه الآن. وعلينا لكي نفوز، أن ندرك هذه الحقائق، ونسلك معها السلوك الملائم.

 

-3-

ماذا يحدث في غزة الآن؟

قتل، وظلام، وجوع، وعري، وبطالة، وتشرّد.

وقد حصل ذلك من قبل عدة مرات في مدن فلسطينية مختلفة، وفي أزمنة مختلفة.

فهل جلسنا إلى أنفسنا في الماضي البعيد والقريب، وفكرنا كيف يمكن أن نتحاشى كل هذا مستقبلاً؟

وكيف يمكن أن لا تكون القضية الفلسطينية جارية في سوق النخاسة السياسية العربية، ليبيع ويشتري بها نخّاسو السياسة العربية؟

حركة "حماس" من شأنها، ومن حقها أن يكون لها خطابها السياسي الخاص، وعقيدتها السياسية الخاصة، ومنهجها السياسي الخاص حيال القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، وكيف يجب أن تُقام، ومتى، وعلى أية أرض.. الخ. فلا أحد يستطيع حرمان حماس من هذا كله. ولكن بالمقابل من الخطأ الجسيم، أن تفرض حماس على كل الشعب الفلسطيني بما فيه سكان قطاع غزة رأيها ومنهجها السياسييه، وتحمّلهم وزر هذا الخطاب، وهذا المنهاج، وهذه العقيدة السياسية (تحرير فلسطين من البحر إلى النهر بقوة السلاح، وأن عام 2027 هو موعد زوال إسرائيل كما تنبأ الراحل الشيخ أحمد ياسين.. الخ).

وما زالت "حماس" إلى الآن موقنة بأن إقامة الدولة الفلسطينية لن تتأتّى إلا بقوة السلاح، وإقامة انتفاضة مسلحة ثالثة – كما هدد قبل أيام خالد مشعل - على غرار الانتفاضة الثانية التي يقول عنها نورمان فنكلشتين، أكثر المثقفين الأميركيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية: "أعتقد أنّ الاستراتيجية التي اتّبعتها حماس، في استهداف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين بأعمال إرهابية لن تجدي في إقناع هؤلاء بأن من مصلحتهم زوال الاحتلال ومفاعيله، بل هي برأيي تؤدّي إلى نتائج عكسيّة تماماً. فعندما يشعر الإسرائيليون، بأنهم جميعاً مستهدفون من دون تمييز بين مدنيين وعسكريين، فلن نتمكّن من استمالة الفئة الأوسع منهم نحو السلام وإنهاء الاحتلال وهنا أعتقد أنّ الانتفاضة الثانية 2000 أضرّت بالقضية أكثر بكثير مما أفادتها، لأنها همّشت 95 % من الفلسطينيين، وحرمتهم من المشاركة الشعبية في النضال، حيث وقف 95 % من الفلسطينيين متفرجين على 5 % فقط من عناصر الكفاح الديني المسلح. وهو عكس ما كان الوضع عليه في الانتفاضة الأولى 1987، حيث شاركت الأغلبية".

وهذا ما حصل في قطاع غزة الآن، حيث استفردت حماس، هي والمجموعات الدينية/السياسية المتشددة الأخرى بالقرار السياسي، وقامت بالانقلاب على السلطة الفلسطينية، ونقضت "اتفاق مكة المكرمة"، وبدأت تأخذ طريقها الخاص في الكفاح المسلح ضد إسرائيل، في ظل عدم توازن القوى بينها وبين إسرائيل، وفي ظل عدم تأييد عربي أو عالمي لما تقوم به، ما عدا التأييد الشفاهي الفارغ من قبل سوريا وإيران وحزب الله، والذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا يُعيد الحياة لغزة المستباحة والمنكوبة.

-4-

نداء خالد مشعل الأخير، لكل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك، هو نداء المستغيث الكليم. ولكن لماذا يفطن خالد مشعل وحركة حماس الزعماء العرب عند وقوع الكارثة فقط، ولا يفطنون إليهم قبل ذلك، وعند التخطيط لها، وهم من قدم النصيحة النصوحة والدعم السياسي والمالي في سابق الأيام؟

فكيف تريد حماس من الزعماء العرب أن ينقذوها مما أوقعت هي نفسها فيه، ولم يكن للقرار العربي والحكمة العربية أي تأثير عليها، أو أية آذان "حمساوية" صاغية ؟

ورغم هذا كله، لا نقول لـ "حماس" اقلعي شوكك باليد نفسها التي زرعت هذا الشوك!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com