|
في مراقبة يومية للأحداث في حرب العراق لاحظ الكثير منا أن هنالك علاقة طردية بين ما تبناه الإعلام وروج له عن الإعمال الإرهابية وما نشر من أخبار تفصيلية عنها بالطريقة التي إعتمدها بعض المراسلين والمعلقين العرب من جهة وإزدياد هذه الأعمال الإرهابية من جهة أخرى. الإعلام والدعاية للأعمال الإرهابية له في أكثر الأحيان أهمية تزيد على العمل الإرهابي نفسه. فالإعلام والدعاية تظمن للعمل الإرهابي ديمومته كما هي تظمن إستمرار المساعدات المالية له وتجنيد مقاتلين جدد يواصلون عمله. يقول السيد ديفد كالولا في كتابه "حرب مكافحة التمرد - النضرية والتطبيق" والذي يعتبر من أفضل الكتب التي بحثت في الموضوع حرب مكافحة التمرد، يقول حول نضرة المتمردين لأهمية الإعلام : " الهجوم على دورية مسلحة (للعدو) ربما شكل نجاحاً عسكرياً، لكنه إذا لم يظمن دعم السكان ويحولهم ضد الحكومة لا يعتبر نصر .... أي أن إضعاف العدوعسكرياً هومسئلة ثانوية". وفي العراق على الرغم من أن الأعمال الإرهابية كانت مجازر مروعة فقد تمكن إعلام الأرهاب أن يصورها على أنها بطولات في محاربة الإحتلال الأمريكي. وحتى المكاسب السياسية والمالية التي حققتها في الآونة الأخيرة بعض الوجوه السياسية للإرهاب والقوى العراقية المتطرفة ، إن هذه المكاسب كانت مقرونة بنشاط هذه القوى الإعلامي المتناسق مع الأعمال الإرهابية. فالأعمال الإرهابية دون تغطية إعلامية لها تعتبر بمفهوم حرب العصابات أعمال فاشلة. وقد إزدادت قوة الإرهاب عندما وفرت له بعض الأحزاب العراقية المتطرفة التغطية السياسية من داخل البرلمان ومن داخل الحكومة. فقد إستغل هؤلاء الوضع الديمقراطي الغير ناضج في العراق وعدم خبرة بعض الأطراف السياسية العراقية وطيبة وسذاجة البعض الآخر، لكي تستخدم حتى البرلمان كمنبر للدفاع عن الأرهابيين والترويج لأعمالهم. لم يحضى موضوع العلاقة بين الإرهاب والإعلام إلا بإهتمام القليل من الباحثين، رغم أن المتخصصون بدراسة الإعلام يتفقون على أن هنالك علاقة متبادلة بينهما. لكن رغم ذلك فهنالك بعض البحوث والمساهمات الحديثة التي حاولت معالجة موضوع العلاقة المتبادلة هذه معالجة علمية موضوعية، إستخدمت براهين رياضية معتمدة على إحصائيات ودراسة ميدانية طويلة الأمد سنأتي على ذكرها لاحقاً. المشكلة التي تواجهنا بهذا الخصوص هوعدم توفر دراسات وبحوث كافية يمكن إعتمادها في الكتابة عن هذا الموضوع. فأنت يمكنك أن تجد مراجع لا تحصى ولا تعد عن الحرب النظامية التقليدية وكذلك عن إستخدام الإعلام في مثل هكذا حرب كجهاز من أجهزتها. أما عن حرب العصابات والتمرد وفي حروب التحرر ناهيك عن حرب الإرهاب فمن الصعب أن تجد مراجع موضوعية جيدة حول هذا النوع من الحروب. أما عن إستخدام الإعلام في مثل حركات كهذه كطابور متقدم من طوابيرها كما حصل ذلك في الحرب على العراق فلم أجد ألا القليل من المراجع التي تتطرق للموضوع وبشكل غير مباشر. فالحرب النظامية عمرها آلاف السنين ، أما حروب التحرر والتمرد وحرب الإرهاب التي تتخذ أسلوب حرب العصابات وسيلة للقتال فلا يزيد عمرها عن المئة عام. إستخدام الإعلام في حرب الإرهاب على العراق جاء مفاجئ وبقوة لم تكن متوقعة حتى من قبل قادة الجيش الأمريكي. ولا نبالغ إذا قلنا أن الإعلام العربي الذي يدعم الإرهاب قد أربك الجيش الأمريكي بشكل ليس له مثيل وسبب له خسارات كبيرة سياسية وعسكرية. الإعلام العراقي لم يكن له أي دور في التصدي لإعلام الإرهاب فهوبمفهوم حرب الإعلام لازال يمكن إعتباره مٌقعد وأعزل. المثل الذي يقول:" يعمل الجاهل بنفسه ما لا يعمل العدوبعدوه " لاينطبق على أية حالة كإنطباقه على حال بعض أجهزة الإعلام العراقية، التي تتصور أنها تقارع الإرهاب ، في الوقت الذي تقف فيه بلا وعي وبالاوعي الى جانب الإعلام الإرهابي. العلاقة بين الإعلام والإرهاب ليست بالضرورة علاقة مباشرة ، كما هي مؤسسة الجزيرة القطرية المتهمة بدعم الإرهاب في العراق والترويج له ، فهذه العلاقة قد تكون علاقة غير مباشرة وعلاقة مصالح مشتركة ، كما هوحال بعض المؤسسات الإعلامية العالمية كمؤسسة البي بي سي. البريطانية وبعض المؤسسات الإعلامية العالمية الأخرى. وبهذا الخصوص أصدر معهد البحوث التجريبة في الإقتصاد التابع لجامعة زيورخ- في سويسرا عام 2006 بحث بعنوان : "الدم والحبر! لعبة المصلحة المشتركة بين الإرهابيين والإعلام". قاما به الأستاذ برونوفري والأستاذ دومينيك رونر. لقد بين هذين العالمين في بحوثهما أن الطرفين الإعلام والإرهابيون يستفيدون من الأعمال الإرهابية. فالإرهابيون يحصلون على دعاية مجانية لأعمالهم والإعلام يستفيد مالياً لأن التقارير التي تنشر عن الإعمال الإرهابية تزيد من قراء الجريدة وعدد مشاهدي التلفزيون وهذا بدوره مما يزيد مبيعات الجريدة وقيمة الدعاية المنشورة عليها وزيادة قيمة الدعاية التي يبثها التلفزيون. والجدير بالذكر أنهما وضعا لدراسة هذا الأمر معادلات رياضية بالعوامل المؤثرة على نشر الخبر مثل الشهرة والسلطة والمال والتأثير الفكري. هذه العوامل هي عبارة عن أهداف يراد الوصول إليها من وراء العمل الإعلامي والعمل الإرهابي على حداٍ سواء. وقد تبين لهم أن الطرفين، الإعلاميون والإرهابيون لهم نفس هذه الأهداف. فالإعلام يريد الشهرة والإرهابي يريد الشهرة أيضاً والإعلام يريد السلطة على أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين وكذلك الإرهابي يريد السلطة على أكبر بقة ممكنة من البلد الذي يحارب فيه وعلى أكبر عدد ممكن من الناس (مثال ذلك إعلان الدولة الإسلامية في مدينة الرمادي من قبل حركة القاعدة وأعوانها من بقايا النظام السابق، عندما شعروا بقوتهم في محافظة الأنبار ). وكذلك الحال فيما يخص العوامل والأهداف الأخرى كالمال والتأثير الفكري. ومما يخيب الأمل أن عوامل أخرى كالصدق والأمانة والموضوعية في الطرح هي مفاهيم غريبة ليس لها وجود في عالم الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام التي تلهث وراء الأخبار التي يسهل بيعها على المتلقي (القاريء، المستمع والمشاهد). وسائل الإعلام هذه لا تتوقع أي رد فعل وأية عواقب من وراء الإستفادة من هذه المصالح المشتركة مع الإرهابيين والدعم المباشر للإرهاب بشكل خاص عند التطرق لأحداث العراق. فالعراق لا يستطيع الدفاع عن نفسه وليس هنالك من يدافع عنه إعلامياً. حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش لا تستطيع الدفاع عن نفسها إعلامياً فكيف لها الدفاع عن العراق. لقد أصبح التهجم على حكومة بوش وإنتقادها بكل مناسبة مبدء لا يجرء أي صحفي في العالم التجاوز عليه والخروج عنه. وماداموهم لا ينشرون شيء عن جرائم الإرهاب وليس هنالك جهة عراقية تبنت هذا الأمر بإحتراف ، فمن الذي سيعلم بما جرى لضحايا مجازر الإرهاب في العراق ومعاناة الطبقات المسحوقة من الناس. وقد تتطرق بعض وسائل الأعلام في يوماً ما لهذه الجرائم ولكنها ستصورها بما هي ترتئيه ,وبالصورة التي تستطيع تسويقها لما هومصلحتها وليس كما هي قد حدثت فعلاً ، على أساس ما يمكن أن تحققه من وراء ذلك من شهرة وسلطة ومال وتأثيراً فكرياً. وهي سوف لن تكون ملزمة بالقول لماذا هي الآن ساكتة عن ذلك. من الذي يستطيع أن يرفع صوته عليها ويسأهلها بصوت مسموع لماذا سكتت عن الجرائم السابقة لصدام حسين وأعوانه بحق العراقيين؟؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |