|
منذ صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 وبالذات من اللحظة التي استقرت رصاصات الغدر في صدر ملك العراق المعصوم فيصل الثاني ، والعراقيون يبحرون في بحر متلاطم من الدماء، نزف لايقبل التوقف، وجراح تأبى الاندمال، وسرادق للتعازي تنصب ولا ترفع، وانهار من دموع لاتعرف النضوب. ان من عاصر الملك الشاب المغدور، ومن يعتقد بنسبه الصحيح الى بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لاينفك من المناداة بأن ما يحل بالعراقيين منذ تلك اللحظة المشؤومة هو عقاب الهي لاغيره. من يدري ولعله كذلك . لم أكن قبل ذلك التأريخ قد سمعت بشاب يغادر الحياة ، فالموت كان يجاور ويتربص بالشيوخ والعجائز والمرضى فقط ، ولم اسمع قبل ذلك التأريخ بشخص تم تعذيبه لمعتقد امن به، أو برأي اصر عليه. لم اسمع يوما أو ارى قبل ذلك التاريخ المشؤوم عن ام تندب ابنا لها اغتالته دورية للامن أو انفجرت عليه قنبلة أو انفلقت عليه عبوة. لم أسمع يوما دوي صفارات الانذار ولم أرى طائرات تقصف دولة جارة. اليافطات السوداء لم تكن قد اقتحمت حياتنا الثقافية. وكانت (خبزتنا فعلا تكفينا)، الاباء كانوا باستطاعتهم تربية العشرات من الاولاد في بيت واحد. لم أرى ولم أسمع قبل ذلك التاريخ برجل علم يترك بلده العراق ليعيش مغتربا في دولة اجنبية طلبا للامان ، الاطفال في المدارس كانوا يتلقون العلم من ايدي شعراء العراق وادبائهم وعلمائهم، ومن كان يفلح في النجاح في المدرسة الابتدائية كان يعين معلما يقوم لمقدمه رواد المقاهي ، ويتخفى التلاميذ وراء ابواب بيوتهم خوفا واحتراما. اليست هذه الصورة التي سمتها الكتب المنهجية الجمهورية بالعهد البائد هي صورة لانكلترا أو السويد اليوم. ماذا حل بنا اذن؟ الذي حل بنا ان الدولة العراقية الحقيقية (وان لم تكن منصفة لنا نحن التركمان) قد هدمت تحت اقدام مؤسسي الدولة الارهابية القاسمية. الدولة التي خانها قاسم فسلمها لعصابات من الشيوعيين والفوضويين ليعيثوا في الارض فسادا، حينئذ فقط تعرفنا نحن التركمان بالحقد الدفين الذي فجرته وجود هذه العصابات في نفوس اخوتنا من بعض الاكراد الذين فتحنا لهم احضاننا في توركمن ايلي ، ولازلت اذكر وكأنه البارحة بالحبال تلقى امام التركمان تهديدا ووعيدا، وحينئذ فقط تعرفنا بلفظة( طوراني) الذي ابتدعه تلك العصابات عذرا لها لنصب مشانق الجمهورية لاخلص ابناء العراق . وحينئذ تعلمت بأن اعمدة الكهرباء قد صنعت لا لنقل الكهرباء فحسب بل لشنق الابطال من التركمان ممن سمتهم تلك العصابات بالطورانيين، وحينئذ فقط تعلمت بأن السيارات قد صنعت ليس لنقل البشر بل لشطرهم الى نصفين، وحينئذ عرفت بأن الشرف العراقي الجمهوري يتقبل تعليق النساء عرايا لايأم عديدة! هذه هي هدية الجمهورية العراقية القاسمية لنا نحن التركمان، وهذه هي ما سوف تفخربه الدولة الارهابية العراقية متحالفة مع العصابات الشيوعية في كتبها التي سوف يكتبها يوما ما احد المؤمنين بها! وماذا حل بنا وبالعراق بعد اعدام قاسم بيد البعثيين؟ لاشيئ، العصابات القاسمية تركت مواضعها ومقراتها وجحورها لعصابات الحرس القومي لتنشر فسادا ليس بأفضل من فساد العصابات الشيوعية، الى ان وصل المقام بنا الى دولة البكرالبعثية الارهابية ، حينئذ عرفنا كلنا بأن سجن أبي غريب تم بناؤه لايواء المثقفين والكتاب والشعراء والاحرار من افضل ابناء العراق، وحينئذ عرفنا بأن طائرات الميك الروسية قد استوردت خصيصا لقصف الحفاة من ابناء العراق ليس لذنب الا لانهم لبوا نداء الزيارة لابي عبدالله الحسين(سلام الله عليه)، وحينئذ عرفنا فقط بأن المدافع قد استوردت خصيصا لقصف القرويين من الاكراد ليس لذنب لان بعض المقاتلين الاكراد قد مروا بهم طلبا للمشرب والمأكل، وحينئذ فقط عرفنا بأن الاجهزة الطبية المعقدة قد استوردت خصيصا لتوضع في غرف الامن البعثية لتعذيب الشباب التركمان ليس لذنب الا لانهم لعبوا لعبة (سيني زرف) التركمانية في مقاهي المصلى، واستمعوا لاغاني المغني التركماني (رشيد كولة رضا)! ولم تهنئ الدولة الارهابية البعثية بالا لما اقترفته من جرائم بحق العراقيين ومقدساتهم، وتهجير افضل ابنائهم وتجارهم ، حتى اقحمت الدولة الارهابية الصدامية العراق في حرب دامية طويلة لتحصد الملايين من ارواح ابناء العراق وايران تحت شعارات وحجج زائفة تسخر منها الغربان. حينئذ تعرفنا باليافطات السود ، وعرفنا بأنها لاتكتب الا للمهندسين والمدرسين واصحاب الشهادات من جنود العراق الابطال ليس لذنب الا لانهم ولدوا في العراق واحبواارضها وأبوا ان يغادروها. ولم تكتفي الدولة الارهابية العراقية بما صنعت في الكويت من تخريب وفساد، واقرار لمبدأالسرقة ، فأدخلت العراق والعراقيين في دوامة الحصار والفقر، لتجبر اهلها على الهجرة، وتعلم الغش، والفساد ، ولتنشر ثقافة الرشوة التي لم يكن العراقيين قد تعرفوا عليها قبل ذلك. وبسقوط الدولة الارهابية الصدامية تحت بساطيل الاجنبي المحتل، توارثت العصابات الحزبية ثقافة الارهاب، والتخويف، ومبدأ(كل من ايدو له)... والمنظر العراقي الحالي في ظل الديمقراطية الامريكية لايعي الكتاب والمؤريخين فكل شيئ واضح وجلي ، ويعرض على شاشات التلفزيون، الاطفال الذين تدلت رقابهم وتقطعت اوصالهم في احضان اباءهم، الامهات الثكالى بفقد الاعزاء وهن يقفزن امام الكاميرات من شدة الالم ، ومناظر مخازن الموتى والقتلى في مستشفيات المدن، والرؤوس المقطعة بالسيوف ، والمثقبة بثقابات الحديد، و... ارهاب العصابات السياسية وقد اسبغت على الاجرام اعذار الجهاد (والجهاد منهم براء)، والسرقات والابتزاز، وفرض الاتاوي بأسم التبرع للمقاومة (والمقاومة منهم براء)، والخطف والتقتيل بأسم الائمة والتقرب اليهم (والائمة الاطهار منهم براء)... وبعدما كانت الدولة الارهابية الصدامية تمنع على التركماني فتح معمل أو متجر، أو مؤسسة تجارية الا وتنتدب احد من ضباط امنها ومخابراتها ليناصف التركماني راس ماله ويتقاسم رغيفه، باتت العصابات العربية السنية (والتي تتقنع بقناع المقاومة) فعل الشيئ نفسه مع اصحاب المحال والتجار، بل قد تعدى الحال ليشمل الاطباء التركمان، فتلك العصابات وهي تفرض الاتاوى عليهم بالقوة والتهديد بأسم التبرع للمقاومة انما تشارك هولاء اموالهم ويقاسموا ارغفتهم... لاشيى تغير بالنسبة لنا... ارهاب الدولة حل محله ارهاب الجماعات المسلحة! اني علي يقين بأن هذا المنظر المريع سوف يستمر الى ان يستسلم العراقيون لما تريده منهم امريكا وحلفائها من تقسيم العراق الى دول ثلاث. عندئذ سوف تختفي هذه العصابات بين ليلة وضحاها فتستلم حكومات الدول الجديدة ملف الارهاب من ايدي الجماعات المسلحة لتبدأ هي مرحلة ارهاب الدولة من جديد، وتقذف كتب الديمقراطية في سلة القاذورات، وتعدم على الجدران شعارات الحرية ، وتعيد كل دولة من هذه الدول الوليدة بناء السجون للاحرار، وتصادر الكتب ، وتعيد فتح البارات والملاهي ، وتستورد العاهرات، وتحارب الملتحين، وتغتال خطباء الجوامع، وتعلق في ابواب الجوامع والحسينيات الف قفل وقفل، ويظهر من جديد في شوارع مدن هذه الدول أمراء جدد يعيثون فسادا فيها، ليذكروننا بأبناء صدام حسين... ومن لايريد التصديق عليه بسؤال ابناء اربيل في الخفاء ليتأكد من يواطن الامور! اما نحن التركمان فلسوف نكمل الطريق حيث انتهينا، فنستبدل ظلم البعثيين بظلم اقلية اخرى دعمتهم محافل السياسة الخفية... انه قدرنا نحن العراقيين ، وبالذات قدرنا نحن التركمان ان نعيش ثنائية ارهاب الدولة وارهاب الجماعات منذ اللحظة التي استشهد فيها ملك العراق في عشية زفافه على اميرة تركية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |