مجتمع ذكوري ..في دول ديموقراطية

هادي فريد التكريتي/ عضو

اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

gaffar_1370@yahoo.com

دأب العراقيون، والكثير من الجاليات العربية والشرقية، المقيمة في مختلف الدول الأوربية، على تأسيس نوادي وجمعيات فكرية وثقافية وفنية، تمثل توجهاتهم المختلفة، لتلم شمل جالياتهم،  وتوثق أواصر العلاقة فيما بينهم، وتمد جسورا للتواصل،  مع شعوبهم وأوطانهم التي هجروها، رهبة من  أمن مفقود،  أو هربا  من حكم جائر، أو بحثا عن لقمة عيش أفضل، وقد وجدوا عند دول اللجوء، من  حكومات وأحزاب  وجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، الكثير من الخدمات والمساعدات المادية والفنية لمنتسبي هذه النوادي، لتساعدهم على التعايش والاندماج في بيئة المجتمعات الجديدة، ذات النظم الاجتماعية،  والقيم الإنسانية، المختلفة كليا عن دولهم التي هجروها،  فمفاهيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، بين هذه الجاليات،    بشكل عام تكاد تكون غير واضحة المعالم، إن لم تكن مفقودة، فدولهم  تسودها أنظمة حكم شمولية،متناقضة مع أبسط المفاهيم الديموقراطية، وذات قيم اجتماعية بالية، قومية ـ عنصرية، ودينية ـ طائفية، متخلفة جدا،في كل مجالات الحياة، و ما يخص المرأة في مجتمعاتنا العربية، حريتها وحقوقها، فالحديث يطول عن  قهرها  ومعاناتها، وغمط  لحقوقها، وهدر لحريتها وكرامتها،فالدين والعشيرة والطائفة، كلهم يناصبونها العداء، ويجردونها من إنسانيتها وآدميتها، ويعتبرونها شيئا من أشياء البيت، وجزء من ممتلكات ومتاع الرجل، لتلبية حاجاته الجنسية، تحافظ على نسبه، وحاضنة لنسله،ومتى ما رأى فيها ما لا يسره، ولم يجد عندها ما يحقق له رغبته ومبتغاه، نبذها دونما حق في تعويض، أو حتى " مكافأة خدمة "، لفترة عمل قضتها في خدمته ..!!

 المرأة الشرقية، والمسلمة خصوصا، مسلوبة من كل حق لها، يقيها شر العوز والفاقة، على العكس مما هو عليه وضع المرأة في مجتمعات البلدان الأوربية، التي  أولتها أنظمة الحكم الديموقراطية، كل اهتمام ورعاية، تجسدت بمفاهيم ديموقراطية العلاقة، في البيت والأسرة، حمتها قوانين وأنظمة صارمة، ونظًمتها علاقات اجتماعية متطورة، وإنسانية متساوية، ومتوازية مع ما للرجل، من حقوق وواجبات، اعترافا بدورها في الهام في  المجتمع،  وفي تطوير أساليب حياة وتقدم المجتمع،فقوانين وأنظمة هذه المجتمعات الديموقراطية، ألزمت جهات العمل، مهما كانت، على احترام حقوق المواطن، دون تفرقة في الجنس والدين والمذهب، فليس هناك ما يحول من تمتعها بحقوقها الكاملة لتتسنم أعلى المناصب وأخطرها في الدولة ومؤسساتها،إذا امتلكت ذات المؤهلات والشروط المطلوبة لهذا المنصب، وليس عضوية وإدارة الجمعيات المهنية والديموقراطية فقط ..

ما دعاني للوقوف على ما تمتلكه المرأة من حقوق في المجتمع، المتساوية  مع الرجل، في مجتمعات الدول الأوربية الديموقراطية، هو ما عايشته يوم 26 ‏كانون الثاني‏‏ ‏08‏ 20 عندما حضرت  اجتماع الهيئة العامة لـ" البيت الثقافي العراقي " في مدينة يوتوبوري، فبعد أن تمت مناقشة وإقرار مجمل الوثائق  التي  قدمتها الهيئة الإدارية السابقة، لأعضاء المؤتمر، أُعلن عن بدء الترشيح لانتخاب هيئة إدارية جديدة، بدلا عن  هيئته الإدارية السابقة، المطلوب وفق منطوق ما نص عليه النظام الداخلي، سبعة أعضاء،  وكان المتقدمون للترشيح ثمانية، سبعة منهم من الأعضاء الذكور، ما عدا امرأة واحدة، تم ترشيحها بضغط من النساء وبعض الأعضاء من الحضور الذكور،و بعد التصويت فاز كل " الذكور " ما عدا المرأة الوحيدة، فشلت لأنها لم تكن " ذكرا " ..وباعتقادي لو كان الخاسر " ذكرا " لاتُهمت الهيئة المشرفة على فرز الأصوات بالتزوير..فألف مبروك لعقلية الهيئة العامة التي ترسخت فيها مفاهيم الديموقراطية والتقدمية " للكشر "...!

في هذا الموقف ظهر جليا ما هوعليه واقع المرأة العراقية في عقلية الرجال الذين يتصنعون مواقف التقدمية والديموقراطية، والإيمان بها وبحريتها ودورها في مجتمع، كل ما فيه هو مسموح به له، وضوء أخضر أمامه، و دونها خطوط حمر، وكل الدروب مقفلة ...!

 ديموقراطيونا وهم  يواكبون تطور المجتمع السويدي وموقفه من المرأة، غير قادرين على تغيير العقلية الرجولية التي شابوا عليها، فتأثير الدين وتقاليد المجتمع المتخلف غلفت عقولهم،  رغم كل ما قرأوه وتثقفوا به، وتظاهروا به في حياتهم، من أنهم أنصار للمرأة في إطلاق حريتها وحصولها على حقوقها الكاملة في المجتمع، وما يعلنون عنه  بأنهم تقدميون، وديموقراطيون، ما هو إلا نكتة يتندرون بها في مجالسهم الذكورية، ويدارون بها نفاقهم  الزائف في مناصرتهم للمرأة، و إطلاق حريتها ومساواتها بهم، وفي قرارة أنفسهم يلعنون كل الظروف التي قذفت بهم وبنسائهم في مثل هذه المجتمعات التي أدخلت عاملا مهما في وعي المرأة، وعرفتها كيف تعيش النساء في المجتمعات الديموقراطية .

 رجالنا " الديموقراطيون " في مثل هذه الواقعة الإنتخابية،  يدعون أنهم يبحثون عن "ديموقراطية "مفقودة في أوطانهم، ويطالبون بها لنشاطاتهم، الفكرية والتنظيمية والسياسية، إلا أنهم في واقع الحال (أفندية معكلًه) ـ بقاف عراقي ـ تآمروا دون اتفاق، باسم الديموقراطية، على حجب فوز امرأة رُشحت مع سبعة  زملاء لها لإدارة نادي ثقافي واجتماعي،  ساهمت فيه منذ تأسيسه وحتى اللحظة، ولم يفسح لها، هؤلاء الرجال الديموقراطيون، في المجال لتبوء مركز خدمة تطوعي،  لمنتسبي النادي، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمركز ذي أهمية وعالي المستوى ....؟

  مسكينة هي المرأة العراقية، إن كان هذا حالها مع الزوج والرفيق والصديق، من الديموقراطيين والتقدميين، في بلاد تعطي المرأة كل الحرية والحقوق، فما حالها اليوم في عراق الطائفية وحكم المحاصصة، هل هناك وضعها أرحم من وضع هذه  المرأة في بلد مثل السويد ؟ مع الفارق في المجتمع والقوانين والقوى التي تحكم وتقرر ..عليً، وعلى كل من يدعي الفهم للديموقراطية ويمارسها، وعلى كل من يطالب نظريا  بمساواته  مع المرأة وإطلاق حريتها، علينا جميعا  أن نراجع أنفسنا  ونختبرها هل فعلا نحن  معها، أم أننا لا زلنا نعيش في مجتمعاتنا " الذكورية " التي انفصلنا عنها رغم  أنفونا ..!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com