رئيس أسود في البيت الأبيض

 

 

د. شاكر النابلسي 

anoori41@gmail.com

يبدو أن معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم من هذا عام 2008، ستكون من أهم المعارك الانتخابية الرئاسية التي شهدتها أمريكا منذ استقلالها عام 1776 إلى الآن.

أرض الأحلام الكبيرة

لم يسبق لأية معركة انتخابية رئاسية أمريكية أن اشتركت فيها امرأة، ووصلت إلى ما وصلت إليه هيلاري كلينتون من بداية التصفيات النهائية التي كانت أولى مبارياتها في ولاية "إيوا" وفاز فيها المرشح الكيني الأصل باراك حسين أوباما (45 عاماً) (باراك كلمة عبرية معناها "البرق") والمولود في جزر الهاواي عام 1961 ، والذي لا تزال قريته الكينية الفقيرة "كوقلو" تعيش في حالة مزرية جداً. فقد وصف أحد الصحافيين الأمريكيين الذين زاروا قرية "كوقلو" التي خرج منها أوباما بقوله: " كان أهل قرية كوقلو في غرب كينيا، يجلسون فوق كراسي بلاستيكية متهالكة، وحولهما دجاجات تبحث في الأرض عن بعض الحبوب لالتقاطها، وآذانهم ملتصقة على الراديو لمتابعة نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية نيوهامشير لمعرفة ما حققه ابن قريتهم أوباما". وأجرت محطة "CNN" قبل أسبوع مقابلة مع جدة أوباما لأبيه (سارة حسين أوباما) التي تعيش في كينيا، في كوخها الصغير، في قرية "كوقلو"، التي تحيط بها أشجار المانغو والميموزا. وكانت الجدة تعلق في منزلها ثلاث صور لأوباما واحدة من زياراته للقرية في العام 2006 والثانية عام 1987 ، وصورة ثالثة من حملته الانتخابية الحالية. وكانت الجدة تطحن بالجُرن الخشبي حبات الذرة لكي تصنع منها خبزاً، بينما حفيدها يقود معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في "أيوا". فهذه هي حقيقة أمريكا من الداخل التي تتيح الفرص للجميع لكي يصلوا إلى القمة بغض النظر عن أصلهم وفصلهم، وليست أمريكا التي تتلقى اللعنات الآن بمناسبة زيارة الرئيس بوش الآن للشرق الأوسط.

من رعي الأغنام في كينيا إلى جامعة هارفرد

السناتور، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة شيكاغو، والمحامي المدافع عن الحقوق المدنية، باراك حسين أوباما، من مواليد جزر الهاواي وأمه ((ANN أمريكية بيضاء (أصلها من ولاية كنساس) تعرّف عليها والده - الذي كان راعياً للأغنام في كينيا وحصل على بعثة دراسية في أمريكا - عندما كان طالباً في كلية الاقتصاد في جامعة هاواي. وانفصلت الأم عن أبيه بعد زواج لم يدم طويلاً. ومات الوالد في حادث سيارة في كينيا عام 1982. ويبدو أن أمه تزوجت بعد  ذلك من طالب أندونيسي مسلم، ورحلت معه إلى جاكرتا. فتربى الطفل باراك في أحضان جدته وجده في هاواي. وعاش كذلك فترة في جاكرتا (4 سنوات، من السادسة حتى العاشرة) حيث كانت تعيش أمه مع زوجها الأندونيسي. وهذه المعلومات موجودة كلها في كتاب أوباما عن أبيه وحياته (أحلام أبي) الذي باع حتى الآن مئات الآلاف من النسخ، نتيجة لصعود نجم أوباما في الانتخابات الأولية في ولاية "أيوا" وولاية "نيوهامشير".

أوباما يصعد ويصعق كالبرق

قالت جدة باراك حسين أوباما للتلفزيون، أن الفتى باراك إذا انتوى أن يفعل شيئاً فسوف يحققه. فهكذا كان دائماً في طفولته وصباه. وقالت بأنه عصامي إلى أبعد الحدود، ويعتمد دائماً على نفسه. وقد صدقت الجدة العجوز في ذلك. فالشاب باراك درس في أعرق جامعات العالم. فبعد دراسته في الجامعة الغربية انتقل إلى جامعة "كولومبيا" في نيويورك (إحدى أشهر عشر جامعات في أمريكا) حيث درس العلوم السياسية، ثم درس في جامعة "هارفرد"،  وحصل على الدكتوراه في القانون الدولي، وكان أستاذاً جامعياً للقانون الدستوري في جامعة شيكاغو (من بين أشهر عشر جامعات أمريكية) لعدة سنوات، ثم محامياً في الحقوق المدنية في شيكاغو، قبل أن يدخل معترك السياسة ويفوز في الانتخابات كسناتور في الكونجرس الأمريكي، منذ ثلاث سنوات، عام 2004.

 أصل الفتى ما قد فعل

لم يتحقق في العالم العربي المعاصر المبدأ الذي نادى به الشاعر العربي، والذي يقول بأن الارتقاء إلى المجد ليس بالأصل والفصل، وإنما بالعمل:

لا تقل أصلي وفصلي إنما       أصل الفتى ما قد فعل

فما زال الأصل والفصل وليس الفعل هما المُرجحان في ميزان الحظوة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. بل إن عدم تكافؤ النسب بين الزوجين يؤدي إلى الطلاق في بعض الحالات، كما رأينا في بعض البلاد العربية. والعالم العربي يحتاج إلى وقت طويل جداً لكي يكون الفعل هو المرجَّح في ميزان الحظوة الاجتماعية والسياسية. في حين تبقى أمريكا الداخل خير مثال على أن العمل وحده هو الكفة الراجحة في الحظوة السياسية، مع وجود بعض الاستثناءات (عائلة كيندي وعائلة بوش). فلم يُخفِ أوباما حقيقة أصله وفصله ودقائق حياته. وقال لناخبيه هذا هو أصلي وفصلي:" أيا كان أصلي وفصلي، فها أنا ذا أمامكم. هذه هي أفكاري لتغيير أمريكا، وهذا هو برنامجي للتغيير. وهدفي الأساسي إعادة الأمل للشعب الأمريكي، وانتم أحرار في أن تنتخبوا من تشاءوا".

هل سيكتب أوباما تاريخ أمريكا الجديد؟

وإذا نجح  المرشح الديمقراطي أوباما، ودخل البيت الأبيض رئيس أسود، فستكون هذه الخطوة انعطافاً كبيراً في السياسة الأمريكية، وسيكون أوباما أول رئيس جمهورية في أمريكا يحمل هويات ثلاث: الهوية الأمريكية والكينية والاندونيسية؛ أي الثقافة الغربية والأفريقية والآسيوية، مما سيجعل أفقه واسعاً، وحكمه على القضايا الإنسانية نبيلاً وعادلاً. وسيكون أوباما ثاني رئيس جمهورية بعد دودرو ويلسون (١٩١٤- ١٩١٨)، يحمل شهادة الدكتوراه، وثاني رئيس جمهورية بعد جون كنيدي يدخل البيت الأبيض وهو شاب في الأربعينات. وهو مؤشر كبير على استقطاب عدد هائل من الشباب الأمريكي إلى العملية السياسية. . فلا يُستبعد أن ينفذ خطته في التغيير الأمريكي الذي ينشده والذي لا يختلف كثيراً عما نادى به دودرو ويلسون في المباديء الأربعة عشر المعروفة عنه، والتي تتلخص في حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضرورة استتباب الحرية والسلام في العالم. مما كان له الأثر الكبير في تخلّص العالم العربي من الاستعمار العثماني والغربي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com