ظهرت في{ ديربورن }تلك المدينة التي يقطنها الأمريكيون العرب{ جماعة الباب المسرحية }وهي فرقة مسرحية جرى الإعداد والاعلان عنها في العام الفائت .وتضم الفرقة مجموعة من ابناء الجالية العراقية في المهجر .ولابد من الاعتراف بأن الشكل الذي بدت عليه الفرقة هو الطابع الديني {الشيعي}تحديداً .وذلك من خلال تقديمهم مسرحية {الباب والجدار } ومسرحية { من يأخذنا الى المدينة } ومسرحية { بين البعد والقرب تجلي } ونحن بصدد الحديث عنها " فقد أنتظرنا من التجمع المسرحي حداثة ليست على مستوى الشكل فقط بل المضمون ايضاً من حيث الفائدة والمتعة معاً في سبيل الإرتقاء وتقديم ما يخدم الثقافة العراقية في مهاجرنا القسرية .والمسرح عالم جميل وعظيم وله دور أساسي في حركة النهضة الادبية العالمية وفي إحياء الروح القومية والثقافية في أي وطن في هذا العالم . وكل من عمل من الرواد في المسرح كان اكثر لمعاناً واكثر اشراقاً لعمق التجربة الانسانية التي عالجوها وتميزت تجاربهم بالصدق والواقعية .على عكس عالمنا الحالي حيث نجد  اليوم البعض وخاصة من الذين يمتهنون المسرح  بما فيهم من خريجي معهد الفنون الجميلة وفي ظل ظروف يخضعونها لثقافة الأدلجة التي يبدو أنها باتت تحتكم  لإرادة السياسي والديني وهم بذلك يشكلون تكتلات قائمة على قدم وساق  مع مروجي ثقافات شيعية مشروطة وجدت ضالتها بين هؤلاء ويؤلمني جداً نعي المسرح وموته هنا من قبل اناس همهم الأول الظهور على الخشبة  بوصفهم ابواق الواجهات التي تحاول أدلجة المسرح بإتجاه تيارات سياسية ودينية لاداعي لذكرها الان .ولأجل توظيف الجانب الشعوري لدى الانسان ضمن حراك ثقافي الا وهو المسرح الذي يشكل بحد ذاته عامل تحفيز للعمل وحكمة من أجل  إرساء مفاهيم الحياة بصورة واقعية مستمدة من روح العصر وثقافته وعلومه وثورة اتصالاته .وينبغي على المشتغلين وضع قواعد ومفاهيم تصب في هذا المحتوى وتخلق عوالم  إنسانية بعيدة كل البعد عن التطرف وخلق مجاهيل تزيدنا جهلاً وظلمة إنطلاقا ً من مفاهيم أحادية الجانب.لكننا ندعو الى تنمية شاملة وتنشيط ماهو  إنساني وخاصة نحن كعراقيين بأمس الحاجة اليها .وخير دليل العرض المسرحي الأخير المعنون {بين البعد والقرب تجلي} وهو من تأليف واخراج الفنان ماجد احمد وتمثيل امير مشكور، اسعد غالب، سعدون النور، طيبة العيساوي، واخرون، وقد حاول فريق العمل تسليط الضوء على واقعة الطف من زوايا مختلفة.

من مأساة كربلاء وماجرى فيها من أحداث ووقائع أليمة على الإمام الحسين {ع} وقد مر على هذه الواقعة اربعة عشر قرناً محاولاً المؤلف ومنطلقاً من روآه  الفكرية أن يربط ثلاث شخصيات ناصرت الامام {ع } وهم وهب النصراني، حبيب بن مظاهر الأسدي، الحر الرياحي، قائلاً ومن خلال النص المسرحي أن هؤلاء نذروا أنفسهم في سبيل الحق ورفع راية الله اكبر ودافعوا بأرواحهم لنصرة الامام .وفكرة المسرحية عبر مسار الفهم الموضوعي لخلفية الواقعة وهذا ماسعى اليه المؤلف لغرض توصليه الى الجمهور وهو تصعيد المعاناة الأنسانية أو {الاصلاح} لهذه الامة .معتبراً هؤلاء رموز في عالمنا الاسلامي مضحين بأنفسهم من أجل الانسانية .لكن المؤلف ظل عاجزاً  ومشلولاً  وغير قادر على أن يخلق نصا مفعما بالحيوية ليحلق بنا الى فضاءات تدخلنا في أجواء طقسية  تمتلك عناصر الدراما  والتراجيديا  مما تصبح لغة النص ذ ات شأن في الارتقاء الى مصاف النصوص التي كتبت عن واقعة الطف ولعبت دورا أساسيا في تحريك مشاعر الألم وهيجان العاطفة .أما الاخراج   فجاء وفق   نظرة سطحية خالية من التأمل والبحث  معللا ًالمخرج ذلك بحجج واهية أن ليس هناك وقت كافي لخلق تمارين وأنشغال اغلبية الكادر بالعمل اليومي الذي يدر عليهم قوتهم .علماً أن كل مفردات العمل متوفرة من ديكور، أضاءة، ملابس،  لكنها لم توظف في خدمة العمل لخلق بيئة متلائمة وطقسية حسينية تستفز مخيلة المتفرج . أما التمثيل فقد ظهرت لنا طاقات جديدة وهذا يحسب للفرقة تجيد اللعبة وتؤدي  الأدوار على خشبة المسرح بكل تلقائية ومرونة  ومنهم الفنان سعدون الهلالي، والفنان غالب اسعد، والشابة طيبة العيساوي، والممثل امير مشكور . يقول الباحث والمخرج والفنان محمد سيف {أن التراجيديا الأسطورية هي مكان أو بالاحرى عرض للعقيدة التي تتأرجح ما بين الواقع والخيال, فالمواجهة أختلاف يأخذ جذره من طقوس عاشوراء فلا تكمن أهمية طقوس التعزية في العراق   في كونها طقوساً دينية تراجيدية يتم اللطم والنواح فيها على شخصية الحسين {ع} فحسب.

بل إنها كانت ستسهم في تطوير وبناء مسيرة المسرح العراقي لو ان الظروف الموضوعية لهذا الفن كانت تسير بشكل سوي مثلما قدمت الطقوس اليونانية الأساس القويم لبناء المسرح الإغريقي .واخيراً نتمنى للتجمع المسرحي أن يرفدنا بالعروض المسرحية التي تمنحنا متعة وتزويدنا محاكاة للواقع السياسي والاجتماعي لأن الامام الحسين {ع} رمز أنساني وخالد في قلوب الناس. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com