شهادة الفقر ..والبطاقة التموينية

هادي فريد التكريتي/ عضو

اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

gaffar_1370@yahoo.com

الدول الاستعمارية الكبرى، "صنعت" الحرب العالمية الثانية، وجيوش هذه الدول احتلت أوطاننا، وحولت ما عندنا من ثروات، بشرية ومادية، إلى وقود لحرب،لا شأن لنا بها، دامت أكثر من خمسة أعوام، وحكوماتنا الضالعة في خدمة الأجنبي، شرعت معاهدات واتفاقيات عسكرية واقتصادية، أفقرت الشعب ورهنت كل اقتصاده لصالح لشركات أجنبية، عمقت من نهبها لثروات الوطن، وجعلت من الشعب فقيرا يلتمس العون والمساعدة من الدول التي نهبته ...ا

لشعب العراقي، كغيره من الشعوب المستعمَرة، غني بثرواته، وُضعت بالكامل تحت تصرف مشيئة إدارة الاحتلال وقواته، لذا عانى الشعب من شحة في السلع الضرورية المعروضة في السوق، وساد نظام التقنين الحكومي، كل مجالات الحياة، لسد مختلف احتياجاته الأساسية، وقطاع التعليم بمختلف مراحله، كان يفتقر لكل المتطلبات الضرورية للعملية التعليمية، من دفتر وقلم وكتاب، وكل ما له علاقة بهذا القطاع المهم، لذا كفلت أنظمة وقوانين العهد الملكي، مجانية التعليم في العراق، في كل مراحله، إلا أن الحكام، ومن ورائهم مستشارو الوزارات البريطانيون، ابتدعوا أساليب وأوصافا لتحقير وإهانة الشعب، إمعانا منهم في إذلاله، وتحقير وطنيته، عندما كانوا يطالبون الإدارات التعليمية، على مختلف مراحلها، بعدم تزويد الطلبة بما يحتاجونه من وسائل واحتياجات مدرسية، دون أن يقدموا وثيقة " شهادة فقر " يتقدم بها كل طالب لإدارة المدرسة، مختومة بختم وبصمة مختار المحلة، ومؤيدة بشهادة اثنين من شهود، مشهود لهم بالغنى، ومثل هذا ما كان يطالب به المواطن العادي، أيضا، لإعفائه من رسوم وضرائب باهظة، أثقلت ظهر المعدم والفقير، إضافة لما كان يَنهبه الاحتلال ورجال الحكم من ثروات البلد . كانت هذه " الشهادة " شهادة تحقير للمواطنين كافة، حيث كان أكثر من 90% من الشعب العراقي، ملزمين بتقديمها، ليس لأن البلد فقيرا ولا ثروات فيه، إنما إمعانا في إذلال وإدامة شعور المواطن بالدونية والمهانة، تجاه النخب السياسية الحاكمة المتواطئة مع المحتل، فالمواطن،بغض النظر عن كل ظروف الاحتلال، دائما وفي كل عصر، مستباح وطنه،ومهدورة كرامتة ...كان هذا أيام زمان، أما اليوم فعود على بدء..

العراق، إبان حكم النظام البعثي الساقط، وبعد احتلاله للكويت، وخروجه منه مهزوما، صُودرت ثرواته النفطية، وتولى إدارتها، بل نهبها، مجلس الأمن، تسديدا للديون المترتبة على حروب صدام وهزائمه، ونتيجة للحصار الدولي، المفروض على الشعب العراقي، تم " اختراع " البطاقة التموينية، المتضمنة لمواد غذائية أساسية وضرورية لحياة المواطن، مفردات هذه البطاقة، يجهزها متعهدو مجلس الأمن، ويشرف على توزيعها، نظام حكم صدام وزبانيته، الذين أوصلوا الشعب العراقي لحالة مزرية وبائسة، لا زال يعاني منها، منذ احتلاله في العام 2003 من قبل القوات الأمريكية، وحتى اللحظة التي تحكم، وتتحكم بالعراق وشعبه، قوى المحاصصة الطائفية والعنصرية، التي أباحت النهب، ومن جديد رسخت إفقار الشعب العراقي، ورهنته لمشيئتها،وخاضعا لقراراتها المجافية للحياة الإنسانية، وفق مواصفاتها المتخلفة ...

البطاقة التموينية، بحد ذاتها، مذلة لكرامة الإنسان، إلا إنه بحاجة لها، والحكم يتحايل عليها، للتخلص منها والغائها، بطرق شتى، كونها مرهقة لخزينة دولة المحاصصة الطائفية، المتوجهة نحو العولمة، بأمر من صندوق النقد الدولي ... فتارة تقلص محتوياتها الأساسية، رغم رداءة نوعية مفردات موادها المجهزة، وتارة أخرى يتم تأخير صرف محتوياتها شهورا، دون حصول المواطن على حصته من تلك المواد، وللوصول إلى إلغاء أكبر قدر ممكن من المستفيدين من هذه "البطاقة"، تفتق ذهن وزير المالية، باقر صولاغ، عن إذلال آخر، مستمد من تراث النظام الملكي، فترة الحرب العالمية الثانية، حيث اقترح ربط الحصول على البطاقة التموينية، بضرورة تقديم " شهادة الفقر " السيئة الصيت، وبدلا من ختمها بختم " مختار واختيارية المحلة "، كما كان آنذاك، تختم بختم " مرجعية " الطائفة المعنية في الوقت الحاضر،،مع أخذ عهد موثق من رب الأسرة، بالتصويت لاحقا على القائمة الطائفية ..لدوام الإذلال والخنوع، والله أعلم ..!!

البطاقة التموينية وربطها بـ " شهادة الفقر"، ليس الغرض منها إهانة وإذلال المواطن، فقط، بل ولتفعيل دور تجسسي يتماشى وحكم المحاصصة، إلا إنه شكل متطور عن نظام "المختار والاختياريه "الذي كان يمارسه النظام الملكي، ونظام صدام حسين، من رقابة على المواطن، من خلال أجهزة غير شرعية، تمارس دور الرقيب على خصوصية المواطن وحريته، حتى في بيته ...الخلاص من هذا الواقع المهين، فك عرى المحاصصة الطائفية، وفسخ عقد التحالف ما بين الدين والسياسة ومجيئ حكومة وطنية ـ علمانية، تأخذ على عاتقها، إقرار الأمن أولا، ثم البدء، ثانيا، بتنمية مشاريع، صناعية وزراعية وخدمية، ترفع من مستوى حياة المواطن المعاشية، وفق ظروف العصر، وحماية حقوق الأجيال اللاحقة بثروات العراق،ووضع الخطط الكفيلة بصيانة مجمل ثرواته، وحمايتها أولا وأخيرا، من نهب قادة ووزراء الحكم، ورؤساء المؤسسات وزعماء ميليشيات الأحزاب الحاكمة، وجعل الحساب والمكاشفة، للجميع، على الطاولة، وليس من تحتها،فوزير المالية، السيد صولاغ، بدلا من حماية مالية العراق وثرواته، بتعزيز المراقبة والمحاسبة، يرى حل مؤسسة النزاهة،وكل مؤسسة رقابية، بحجة التكاليف والمصاريف والرواتب، ليطلق يد السراق والنهابين، ممن هو منهم وهم منه، دون حساب أو مساءلة، كما يؤيد بالكامل إفقار العراق وشعبه، عن طريق عولمة النهب، وسيطرة نهج الشركات المتعددة الجنسية في العراق، والخضوع لما يقرره صندوق النقد الدولي، من سياسات مالية ومجالات تنمية اقتصادية تخدم احتكارات الدول الكبرى أساسا، وهذا بعض أسباب تردي أوضاع العراق الاقتصادية ..فتبديد ثروة العراق سببه فساد من يتولى إدارة الملف المالي والإقتصادي، كما هو النهب المستشري في أجهزة الدولة والحكم، وليس في الدعم التافه، الذي يحصل عليه المواطن، من بطاقة تموينية، يتصدق بها عليه "مليونيرية" الحكم حراميته ..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com