كثيرة هي مأساة الكورد وويلاتهم في ظل نظام البعث في العراق، غير أن مأساة الأنفال تفوق كل ما أقترفتها تلك الأيادي الآثمة ضد الناس العزل، فجريمة الانفال جريمة أبادة جماعية منظمة طبقت في مرأحل منظمة لتترك ما يفوق المئة وأثنين وثمانين ألف ضحية ومئات من القرى القصبات المهدمة  وتشويه الطابع البيئي والطوبوغرافي والاقتصادي والاجتماعي لمساحة أكبر من مساحة العديد من الدول التي تحمل عضوية الامم المتحدة، معظم الناس والمطلعين والمتابعين لتلك الجريمة يتفقون على أن عدد المؤنفلين هو العدد المشار إليه أعلاه سوى الأرعن الكيمياوي علي المجيد الذي قال للوفد الكوردي المفاوض ببغداد عام 1991 أنكم تبالغون في العدد، أن عدد القتلى في عمليات الانفال هو مئة ألف قتيل .

مهما كان العدد فالعملية بكل تفاصيلها تدخل ضمن تعريف الجينوسايد (الابادة الجماعية للجنس البشري) لان الجريمة كانت تستهدف مجموعة بشرية من الكورد كانوا يعيشون في بقعة جغرافية معينة في كوردستان نفذت في فترة زمنية معينة وعلى خطوات ومراحل منظمة من قبل الدولة العراقية في عهد النظام البائد .

اسلوب القتل في تلك العملية كان معلوما لمعظم المتبعين والدارسين لقضية الانفال حيث تم حصر المجموعات البشرية في معسكرات بكركوك وتكريت وثم تصنيفهم الى مجاميع ثلاثة ( أطفال ونساء، شباب من عمر 12 عاما الى 50 عاما والاخرين من كلا الجنسين ) فقد تم دفن النساء والشباب في حفر في جنوب العراق بعد نقلهم بحافلات عسكرية تحت جنح الليل وثم رميهم بالرصاص وتركهم في تلك الحفر التي تم اكتشاف قسم منها بعد عملية تحرير العراق وبقى القسم الاعظم في عداد المجهول .

 أما  العجائز فتم سوقهم الى معتقل نقرة السلمان الرهيب في صحراء محافظة السماوة وعوملوا حسب شهود عيان أقسى أنواع المعاملة، إذ توفى أعداد كبيرة منهم نتيجة للمجاعة التي كانت تدب في قاعات المعتقل حيث كانت حصة الفرد الواحد منهم قرص واحد من الصمون اليابس لا يعرف الا الله وحراس المعتقل من أية مادة كانت تعجن وأخيرا تم أطلاق سراح القسم المتبقي من العجائز الذي قاوموا الموت بأعجوبة كبيرة وهم الذين قصوا علينا قصص رمي أشلاء موتاهم في العراء وقصة الكلاب السود التي كانت تنهش من لحوم الموتى وقصص الحراس والسجانين الذين كانت لهم أسماء غريبة لا تحملها الا الجلادين أمثالهم .

الآن، وبين حين وآخر نسمع بمؤتمرات تعقد من أجل الانفال وتصرف لها أموال غير قليلة، شئ جميل أن لا نكف عن ذكر الانفال في قيامنا وقعودنا، في مناسبة وغير مناسبة، نصدر الكتب التي توثق تلك الجرائم، روايات، دواوين شعر وبحوث ودراسات، والخ، غير أن الأهم من كل هذا أن نفكر بالارض الجرداء التي خلفتها الانفال، خمسة آلاف قرية وقصبة  كوردية، عشرات من الأسر التي فقدت معيليها، مشكلة الكساد الزراعي والرعوي والتجاري من بعد الانفال .

مقترح بسيط أسوقها في مقالي هذا وهو أن نخصص يوم من كل عام لذكرى أولئك الذين نبشت الكلاب السود لحومهم في نقرة السلمان، أؤلئك الذين قضوا الاعوام والشهور والايام وحصتهم صمونة يابسة يتيمة، ولا يتجسد المقترح الا أن تعمم الفكرة عن طريق وسائل الاعلام الكوردستانية  الرسمية وغير الرسمية لكي تكون ثقافة قومية عامة، مفدى المقترح أن يصوم كل فرد وكل أسرة كوردستانية يوما واحدا فقط من أيام السنة وأن تقوم بالتبرع لكل ما يحتاجه في مأكله لذلك اليوم الى صندوق خاص ومن مدخرات ذلك الصندوق الذي يجب أن يكون في أياد أمينة جدا يمكن بناء مستشفى أو مدرسة أو يعبد طرق في كرميان التي ترتجف يد العمران أن تمتد إليها مع شديد الاسف والأسى .

علينا أن نفكر منذ هذه الساعة في عملية البناء في مناطق الانفال، ولنرى كيف تتعامل حكومتنا العزيزة في أقليم كوردستان في مقترحنا المبسط هذا بعد أن تعرض على ذوي الاختصاص في الحكومة .

نحن ننتظر والكرة في ملعب الحكومة الآن، واشهدوا أني بلغت .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com