|
رغم أجواء العنف والإرهاب وأزيز الرصاص وهدير الطائرات وفحيح الأفاعي المسمومة بمفخخاتها التي تعصف بمدن العراق، ونشيج الثكالى وأنين المعدمين، إلا إن الفن العراقي ينهض من بين ركام البيوت المهدمة، وعاصفات الحزن، ونظرات اليتامى، لينشد الفرح الأتي بأجمل الأغاني الموحية بالغد الجميل البسام، ويرسم بسمات الفرح على الشفاه المعذبة التي الفت الحزن، واعتادت الشكوى والتذمر، في زمن ضاقت به المسالك على كل ما هو جميل، وهذا الصوت الواعد أضاف دليل جديد على أن الخير والجمال لابد له من الانتصار في النهاية، ليعود الخير والوئام لربوع العراق، وتعود سمائه الزرقاء الصافية إلى ألقها بعنفوان طاغ، ليعلن انحسار زمن الطغاة وميلاد عراق جديد. ورغم المأساة التي عصفت بالشعب العراقي إلا انه لا زال يبحث عن النغم الشجي والصوت الساحر والموسيقى الموحية ليعيش سويعات بعيدا عن هموم الحياة وأعبائها كانسان له حق التمتع بأطايب الدنيا التي حاول الغربان السود إحالتها إلى بكاء وصراخ وانين، فكان الطفل المعجزة الفنان(يوسف عباس حسن) يرسم لنا بأنامله الفجر الواعد، والأمل بميلاد يوم جديد، فقد استمعت إليه مرات ومرات في مناسبات الحزب الشيوعي العراقي واحتفاليات مختلفة، وهو يحمل عودا يقارب جسمه في حجمه لتداعب أنامله الأوتار وترسم الفرحة والبسمة على الوجوه، ويندفع باقتدار عجيب ينم عن موهبة خارقة يداعب الأوتار لتنطق بالسحر الحلال والأنغام الشجية الساحرة، ويندفع بشدو يجعل الدموع تطفر من المحاجر بكلمات معبرة عن الهم العراقي، ينشد للناس.. للوطن ...للحزب ، ويغني دجلة بلياليها الحالمة والفرات منسابا بين الحقول لتزهر الأرض وينعم الناس بالخير والأمان. وكان لوالده الرفيق (أبو فادي) أثره في هذا التوجه، فقد شد من أزره ووفر له ما يحتاج لإنماء موهبته وتشجيعه للسير بطريق الفن الواعد، رغم المعايير المجتمعية السائدة هذه الأيام في محاربة الفنون الجميلة وإحياء كل ما هو بغيض، وكان يصطحبه للمشاركة في الحفلات التي تقام في محافظة بابل بمناسبات مختلفة، ليعطر الجو بأنغامه الرائعة والحانة الشجية وكلماته المعبرة، وكان الشاعر المبدع الرفيق طارق حسين يكتب له أعذب الكلمات وأجملها وكلها غناء وحداء في رحاب الوطنية الصادقة وتعبير عن هموم الشغيلة وطموحات الشعب، وكان يوسف المتألق في الفن متميزا في دراسته وحاز على المراتب المتقدمة بين إقرانه ويمضي بإصرار عجيب للتوفيق بين رغباته الفنية وما تتطلبه الدراسة من دأب ومثابرة، فكان الأول في الشوطين، وشاءت له الأقدار أن يشارك في حفلات خارج المحافظة، فكانت احتفاليات الحزب الشيوعي متنفسا له يبث من خلاله روائع فنه المعطاء، ويستمع له ملك العود نصير شمة، فيرى فيه "موهبة كبيرة لو وضعت في طريق العلم والتحصيل الفني والثقافي لكان لها شأن كبير في عالم الموسيقى والإبداع، وقد وفر له آلة عود من النوع الأول تقديرا لموهبته وتشجيعا له، داعيا لتوفير الفرصة المناسبة له ليحقق حلمه ويرفد بلده بأسم جديد يضاف لقائمة الإبداع العراقي والعربي والإنساني، ويتعهد كمدير لبيت العود العربي في القاهرة عن كامل الاستعداد لتحمل تكاليف دراسته الموسيقية على أن يتحمل المعنيين تكاليف سفره ومعيشته في القاهرة"وزوده بشهادة تقديرية، داعيا الحكومة العراقية الوفاء بمسئوليتها ودعمه في مواصلة مشواره الدراسي، ليرفع راية العراق عاليا في المحافل الموسيقية، فكان لوالده أندفا عته الرائعة فتشبث بكل الطرق والوسائل لتحقيق هذا الحلم، وسيسافر في الأيام المقبلة إلى القاهرة لإكمال دراسته بما ينمي قابليته الفنية والعلمية، ليواصل ما بدءه رادة الفن العراقي الأصيل في مسيرة الإبداع والفن، ويأخذ مكانه بين أعلام الموسيقى والغناء في العراق، بلد الفن والشعر والأدب والحضارة والإبداع في المجالات المختلفة. مبروك لشعب أنجب هذا الطفل الموهوب، وطوبى لبلد كان ولا يزال له الريادة في كل ما هو جميل، وليخسأ الإرهاب ودعاة الجهل والتخلف الذين حاولوا إطفاء الشعاع الذي لن يخبوا في بلد كان ولا يزال مصدر الإشعاع والإبداع والأصالة، بلد إسحاق الموصلي ونصير شمة ومحمد القبانجي ومنير بشير وجميل بشير وسلمان شكر وروحي الخماش وغيرهم من رادة الفن وأساطين الموسيقى في عراق الحضارات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |