|
كنت في نهاية الستينيات احد افراد موكب زوار ابي الاحرار الامام الحسين (سلام الله عليه) عن كركوك، لتأدية مناسك عاشوراء، وبعد ان انهينا المناسك الح علي صديق كربلائي توثقت صلتي به ان يضيفني في بيته، فلم أجد بدا الا الاستجابه لطلبه. وبعد العشاء بدأنا نتجاذب اطراف الحديث عن كركوك وطوز خورماتو وطاووق وتازة فأذا بصاحبي الكربلائي يوجه الي سؤالا لم اكن اتوقعه، اذ قال: "انتم يامعشر التركمان مالكم تكنون الكراهية للاكراد، وهم قوم طيبون عرفتهم عن قرب بحكم عملي في التجارة؟" فقلت له بعد صمت قصير لكي استوعب مفاجأة السؤال : أخي العزيز انت تسأل سؤالا معكوسا، اذ ان الصيغة الصحيحة للسؤال يجب ان تكون كالاتي وموجه للاخوة الاكراد فتقول: " انتم يامعشر الاكراد مالكم تكنون الكراهية للتركمان؟"، قال: كيف؟، قلت له سأوضح لك ماخفي عليك، فاسترسلت في الكلام قائلا: أخي العزيز اني اثني على كلامك حول طيبة الاخوة الاكراد، فاذا كنت تعرف خصلة طيبة واحدة فيهم فانا اعرف العشرات، فالكردي أمين في التجارة لايخدع، وهو وفي في الصداقة لايخون، تستطيع ان تأمنه على مالك وعرضك، يفديك بماله وروحه اذا ما تعرضت لبلية لاسامح الله... ولكن! قاطعني صاحبي قائلا: ماذا ولكن؟ فقلت له: ولكن الكردي قومي بفطرته عكس التركماني والعربي، فنحن نصبح قوميين اذا ما تم تنشئتنا في بيت قومي، أو اذا التقينا في بداية حياتنا بمن يغرز هذه الفكرة فينا، غير ان الكردي سواء كان متدينا اسلاميا، أو شيوعيا، او... الخ فهو قومي قبل كل شيء، مفطور عليه وعلى التطرف في حبه لقومه لحد انكار وجود الاخرين، فهو لايتعلم حب قومه من احد . ان الفرق الرئيسي بين القومي وغيره، ان القومي يتخذ من الفكر القومي منهجا لحياته فتجده مثلا يترك دراسته في الاعدادية أوالجامعة ليلتحق بالمقاتلين في الجبال ليقتل ويقتل، اما الاخرين فأنهم يكتفون بالتعاطف معه وتفهم سلوكه . فاذا بالصديق الصدوق الذي كنت تأمنه على كل شيئ ينقلب عدوا شرسا ينسى صداقتك عندما يوضع كرديته على المحك فتلقاه لايتردد في الاساءة اليك اذا ما اعترضت عليه بالقول مثلا ان كركوك تركمانية فمن اين اخترعتم جملة " كركوك قلب كردستان وغيره" . وذهبت استطرد في كلامي لصاحبي عن مجزرة 1959 وكيف ان الذين ارتكبوه كانوا من شيوعيوا الاكراد الذين يفترض بهم الايمان بالاممية والعلو فوق الانتماءات القومية والايمان بالسلام، وكيف كان من مرتكبي تلك المجزرة الشنيعة من كانوا على صلة طيبة بشهداءا! والسبب واضح ان الاخوة الاكراد كشعب يسلك سلوكا يختلف عن سلوك الفرد الواحد، فالاخلاص والوفاء الذي يعرف به الكردي يصح للحد الذي لايتقاطع مع امنياته القومية، اما اذا تقاطع فأنت عدو له، لايسامحك ولايتفهم شعورك القومي وغيرتك على بني قومك كما يفعل هو، بل يعلنك عنصريا طورانيا وعميلا للمخابرات التركية وعليك الرحيل من العراق والذهاب الى تركيا ... واذا لم تفعل ذلك يحق تعليقك على اعمدة الكهرباء أو سحلك في الشوارع... اما اذا تفضل فسامحك على حبك لقوميتك في احسن الاحوال يقطع صلته بك ويتعامل من بني جلدتك من يدغدغ مشاعره ويؤمن بقيام كردستان كما يفعل هو، واذا لم يجد من بين قومك من يفعل له ذلك يأتي اليك من كان احد ابويه كرديا فينصبه عليك ممثلا ويذهب في اصباغ صفات الشرف والعزة عليه..." هنا ادرك صاحبي النوم فقال يأاخي يا علي، كنت اعرف فيك حبك لقومك ولكن ما تحدثت به اليوم يفوق ما كنت اتصور عنك، انك ولاشك تبالغ، أو انكم التركمان لم تستطيعوا التخلص من صدمة احداث 1959، مع هذا انا لازلت على اعتقادي في حبي لهولاء الناس الطيبين، واشار الى ابنته الصغيرة قائلا، عندما تكبر هذه سازوجها من احد اخوتي الاكراد اذا ما طلبها مني! وعبثا حاولت ان اقنعه، وعندما اجبته: "انكم بعيدون عن الاخوة الاكراد ولم تتعاملوا معهم وليس لكم خلاف في العقيدة أو ادعاء على ملكية على الارض مثلما هناك خلاف معنا في ادعائهم بكردية ارضنا التركمانية... وكيف ان صوت الطبل مؤنس لطيف من بعيد ولكنه يشق طبلة الاذن..." وفي كل مرة كان صاحبي يبتسم ويهز رأسه علامة عدم التصديق... غادرنا كربلاء ودعيت من الله عزوجل ان يري صاحبي من الاحداث ما يؤكد صحة كلامي، ويثبت له ولغيره ان الاذن يعشق قبل العين احيانا! وتحققت دعوتي وهاهي احداث اليوم تنقلها شاشات التلفزيون الى كل بقاع العالم، ومن كان يتهمنا بالتجني والتطرف في كره الاخوة الاكراد يستطيع لمس ورؤية ذلك بالعين المجردة. والسد التركماني امام الاطماع الكردية المتطرفة التي لاتعرف حدا ولاتقيم وزنا لاي شيئ، عمل النظام البائد على نخره يوما فيوما، وقضى الامريكان عليه، فكانت النتيجة ان فاض على الجميع تطرفا قوميا كرديا وتجنيا على القوانين والاعراف والشعائر والمعتقدات لمجرد ان احدا ما وضع العصي في عجلة كردستان ومنعهم من ان يسرقوا كركوك في وضح النهار.فأستحال اخوتهم في التحالف الشيعي اعداءا، يجب اسقاط حكومتهم، والتحالف مع العرب السنة ( حيث تذكر السياسيون الاكراد اخيرا بأنهم سنة يجب مناصرة السني على الشيعي) فلم يكذب الاخوة الاكراد القول، وبنفس المنهج الذي تعبت في ايضاحه لصاحبي الكربلائي، بأن الكردي الذي تفخر بصداقته ينقلب عدول لدودا عليك بمجرد ان تحبط امانيه القومية، تحقق اليوم . وهاهي احداث اليوم مؤشر بارز لما نقول، فمجرد ان رفض حكومة المالكي المصادقة علة اتفاقيات التنقيب عن النفط لادارة الشمال، ولعدم السعي لتنفيذ المادة 140 من الدستور حول كركوك، تم اعلان العداء لحكومة المالكي، وتم اعلان العداء للمذهب الشيعي، وها هي حادثة اسوقها لكم حدثت في كركوك في ذكرى عاشوراء هذه السنه تعزيزا لكلامي: كما قامت مفرزة اخرى من الاسايش الكردية في ناحية قرة تبه الهجوم على حسينية قرة تبه وبنفس الشكل والصيغة، وتوجت الاحداث اخيرا بأنفجار عبوة ناسفة في موكب حسينية الرسول الاعظم فأدت هذه العبوة الناسفة الى استشهاد شهيدين فشعبنا التركماني لم يتلفظ بكلمة شيعة وسنة بينه وبين نفسه يوما من الايام، لايمانه الراسخ بالله تعالى وتقديم حرمة دينه الاسلامي على انتمائه القومي . وهاهم وليشهد التاريخ كيف انهم ولم يتمكنوا منا بعد، يريدون منعنا من اداء شعائرنا الدينية في عاشوراء، وقراءة العزاء بلغتنا التركمانية. انني اخاطب جميع اعضاء البرلمان العراقي في الائتلاف الموحد من التركمان العمل بكل جدية للرد على هؤلاء الذين يدعون الديمقراطية والايمان بحقوق الاخرين فيتحدون ويهينون شعائرنا الدينينة في عقر دارنا (في حسينيات) توركمن ايلي... ويا أخي الكربلائي ان كنت على قيد الحياة أقول : واخيرا شهد لنا التاريخ!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |