|
النسب هو اتصال شيء بشيء, ويعني نسب القرابات وجمعه أنساب. والنسب للآباء, وإلى البلاد. فالشخص ينسب إلى والديه لأنه قد جاء من صلب أبيه ورحم أمه, ولأنه وفقا للغة العلم يحمل نسبة متساوية من الصفات الوراثية منهما, أي أن هناك ارتباط مادي ما بين الحالتين المتفاعلتين. ونقول هناك صلة دم أو قرابة, أي أن هناك ارتباط وراثي ما بين الأشخاص بنسب متفاوتة. وربط البلاد بالأشخاص والجماعات لا يستند إلى مسوغات موضوعية ذات قيمة حضارية ومعرفية. فالأرض لا تنسب إلى الجبل أو النهر وإنما العكس. والبستان لا ينسب إلى الشجرة بل الشجرة تنسب إليه. والنخلة لا تنسب إلى عذق تمرها بل العذق ينسب إليها فهي الباقية والعذق يذهب ويتجدد. وكذلك لا ننسب الأبوين إلى أبنائهما بل الأبناء إلى أبويهما. ويمكننا أن ننسب المخترعات إلى أصحابها فالطائرة للأخوين رايت ومصباح الضوء لأديسون والهاتف لجراهام بل. والوحيد الذي يمكن أن تنسب إليه الموجودات هو مبدعها وخالقها هو الله الذي لا إله إلا هو الذي له ملكوت السماوات والأرض. وعليه فأن مَن يسعى على أرض العراق منذ أجيال فأنه ينسب إليه, فيقال أنه عراقي ولا يمكن أن ننسب العراق إليه لأن ذلك لا يتفق ومنطق الأشياء وطبائع الأمور والحالات, فالعراق لم ينجبه أو يخترعه أحد ولا ينتسب لأحد إلا لذاته وأمه الأرض, فهو الكبير الباقي وكل ما فوقه صغير وبائد. والعراق ليس مسمى من المسميات أو ادعاء من الادعاءات, والجميع أقل قدرا وقيمة منه ويموتون ويحيا ويرحلون ويدوم. فلا فئة أكبر منه, بل كل واحدة كبيرة به وصغيرة ضئيلة بدونه. ولهذا لا يمكن أن ننسب العراق لفئة أو جماعة أو طائفة أو حزب و"رحم الله امرئ عرف قدر نفسه" العراق العراقي, ويبقى عراقي. والجميع ينتسبون إليه , بنخيله ومياهه وسمائه وأرضه وألوانه وتنوعاته واختلافاته, وأنواره الروحية والثقافية والحضارية. فالعراق لم يولد من رحم أحد, ولم يكن لأحد فضل عليه, بل هو صاحب الفضل على الجميع وسيدهم وملهمهم وبه يكبرون وبغيره يتصاغرون. والأوطان بأهلها فإن أصابهم الذل, تذل أوطانهم وتتحول إلى قصعة لكل شره يريد أن يمد يده فيها. "إذا عظّم البلاد بنوها أنزلتهم منازل الإجلال" العراق العراقي حاضنة أهله وقوتهم وفخرهم وعزتهم , أما التوهم بأنه ابن لهذا أو لذاك, فذلك عين السذاجة والغباوة والقفز إلى نيران الهلاك الحتمي. ومَن ينسبه لجهة ما, فأنه يؤذي دينه ويغضب رسوله ويجهل كتابه ويعبر بوضوح عن ضعفه الذي يتم تسخيره لتحقيق أمنيات المتربصين به وبدينه ووجوده. العراق العراقي ليس كعكة, ولا معقلا للشرور, إنه موطن المحبة والألفة والرحمة والاختلاف والتنوع وتفاعل الألوان وتمازج الأطياف لتصنع لون الوطن الذي ما تجرأت قوة في الأرض أن تنسبه إليها, بل أن كل قوة صاعدة وعلى مر العصور تريد الانتساب إليه لكي تبسط سيطرتها على القوى الأخرى . هكذا التأريخ يؤكد ومَن ينظر إليه بوعي ويدرك قوانينه يعرف أن العراق حلبة الصراعات الأرضية وعليه يتقرر مصير القدرات ونهج الحضارات. العراق العراقي ترابه مقدس شريف وهو نبراس الدين وفيه العديد من الصحابة والأئمة الأطهار الذين يحملون شيئا من نبي الرحمة والسلام, فأرضه مقدسة ومعطرة بنفح النبوة وبدنها, وعندما يريد أي من البشر تدنيس الأرض الطاهرة بفعله أو بنيته فأنه سيبوء بلعنة كبيرة تلحقه إلى مدى الأجيال. العراق قلب الأرض ولا يمكن للأرض أن تسمح بأن يكون قلبها بأيادي تريد أن تنسبه إلى شيء, فاتقوا الله أيها الذين تريدون أن تنسبوا العراق لغير ذاته واسمه. العراق العراقي هو الذي يدعو ا الجميع إلى بر المحبة والألفة والسلام ويزيح عنهم عواطف الضلالات وغيوم البهتان, لترى الناس بوضوح وتبتسم لبعضها, وتعتز بوطنها. ويطعمها من عطاء نخيله ويسقيها من زلال مائه ويضمها بأحضانه ويرعاها بدفئه وحنانه. إنه أصلنا وعنواننا وغايتنا أن نتكاتف من أجل أمنه وسلامته وتقدمه وازدهاره وتطوره وعلاء شأنه فالواحد منا صغير بغير العراق وكبير بالعراق. فيا أخي بالخلق والإنسانية, ونحن نتنفس الهواء ونشرب الماء العراقي ونحمل روحا عراقية. يا أخي بالروح والحضارة والتأريخ, ومحبة الله ومخافته والتقرب إليه بالمعروف والعمل الحسن والكلمة الطيبة والحكمة. يا أخي بالدم واللغة والرأي والبيت والحارة والشارع والمدينة, والسراء والضراء والفرح والحزن, والمصير والماضي والحاضر والمستقبل. يا ابن أمي وأبي وعمي وخالي وعمتي وخالتي وأقاربي وابن العراقي والعراقية. ألسنا أخوة في الوطن والتأريخ. ألسنا جميعا نحب العراق ونسعى على ترابه ونأكل تمر النخيل ونشرب ماء النهرين. فما يصيبني يصيبك, فسعادتك من سعادتي, وسعادتنا لا يمكنها أن تتحقق إلا بتفاعلنا الإيجابي, وحبنا الخالص للوطن والشعب مهما تنوع واختلف. يا أخي لنجسد محبة العراقي وكرمه وطيبته وحنوه على أخيه العراقي. وأن نمارس المروءة والانتماء الصادق إلى المثل والقيم الإنسانية الكبيرة السامية التي حملها رجالات الفكر والحضارة على أرضنا. يا أخي في حب العراق, إنها قيم وتقاليد ومُثل تكمن فينا جميعا, فتعال إلى ميادين التفاعل الجماعي الخلاق ولنكون أقوى بالعراق. "وللأوطان في دم كل حرٍ يد سلفت وديْن مستحق" وديْننا هو السلام والمحبة وأن نحيا جميعا من أجل الوطن الحر السيد السعيد!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |