أنها دعوة .. أو لنقل ألفات نظر لساسة العراق حول نقطة جوهرية وهامة .. لعلها ساهمت بما يمر فيه العراق من أزمات منذ سنوات، وخاصة في مرحلة صناعة العراق الجديد .

العمل و البناء الجديد خاصة ، يحتاج إلى عزيمة اكبر من حاجته إلى الموارد .. و الرغبة في عراق ناهض ومتطور بلا شك هي رغبة الجميع .. إلا أن واحداً من أهم أسباب التعطل الحضاري و الاجتماعي و السياسي الذي يعم البلاد يكمن في ظاهرة سياسية مستشرية لدى ساسة وأصحاب القرار العراقي .. وهي (الشماعات) أو بعبارة أوضح تعليق الإخفاقات أو التقصير بحجج وأحداث أخرى ، وهنا لابد من التأكيد إن الهدف من مناقشة الموضوع ليس الاقتصاص من ساسة العراق أو النيل منهم .. بل هي محاولة لبث بصيص ضوء في زاوية معتمة تتطور في عرقلة عجلة المسيرة العراقية .. والرغبة من وراء الدعوة هو إصلاح الخلل لا التشهير به .

إن أزمات العراق الجديد كثيرة بلا شك ، فهو بلد يصنع نفسه من البداية ويجد في طريقه المتشعب و الغير معبد الكثير من المطبات و  الحفر العميقة كتحدي الإرهاب و الاقتصاد وتركات الماضي اللعين لحكم الحزب الواحد و الدكتاتورية .. ولكن المسؤولية في البناء الجديد بحاجة إلى عزيمة كبرى كما أسلفت .

العراقيون طالبوا مراراً ولا يزالون وسيبقون يطالبون بالأفضل .. وهذا حق مشروع لكل شعب .. وصناع القرار العراقي في سعي نحو تحقيق الأفضل ، ولكن اختلاق بعض الشماعات التي تعلق عليها خيبات الأمل أمسى بالعراق متراجعاً وبشدة .. فقد اعتدنا الحديث عن إرهاب وقوات أجنبية متحالفة أو محتلة أو صديقة كما يحلو لأي طرف تسميتها تماشياً مع رؤيته لها ، وتركات النظام السابق وغيرها من المواضيع على إنها عوائق في طريق بناء البلاد .

وعلى الرغم من إن هذه المسميات وغيرها بلا شك قد تلعب دوراً سلبياً في مجال نهوض البلاد وبناءها .. إلا إن الواقع المعاش في العراق يؤكد المبالغة في تعليق الإخفاقات على هذه المسميات وبشكل أصبح غير مبرر للمواطن العراقي .. فالفساد الإداري مثلاً الذي استشرى في النظام السابق نتيجة الضعف الاقتصادي .. لازال موجود ولازالت الشماعة المعلق عليها هذا الوباء (الفساد الإداري) ذاتها (النظام السابق و الضعف الاقتصادي) والكل يعلم إن الواقع الاقتصادي على ضعفه الجزئي قفز قفزات نوعية ايجابية .. وتبريرات الفساد بتعليقه على شماعة التركة السابقة غير مبرر بوجود دستور جديد وهيئات رسمية لمتابعة ومكافحة هذا الموضوع .. لما لا ندرس الموضوع ونسعى لمعالجته من خلال ما متوفر من مؤسسات رسمية ومن خلال ما مقر من قوانين مقرة ورسمية ، لما نترك كل هذا ونتجه لشماعة غير مبررة .. هل لكون التعليق على شماعة التركة السابقة هو أسهل من الخوض في الحلول الجادة ؟

الخدمات عقدة المواطن العراقي .. تحدياتها كثيرة وهذا شيء مسلم به .. ولكن إلى متى تبقى قضيتها معلقة بشماعات الإرهاب و تدخل القوات الأجنبية .. أين الحلول ؟ لنفترض إن القوات الأجنبية تدخلت بشكل سلبي في آليات توفير الوقود أو الطاقة الكهربائية ! ولنسلم بأن تخريب الإرهاب للبنى التحتية ساهم في تراجع الخدمات للمواطن العراقي وخاصة في مجالات مياه الشرب و الوقود و التيار الكهربائي .، فما الحلول المقدمة وقد مرت ألان أربعة أعوام على التغيير الحاصل في العراق ونحن نقترب من العام الخامس ولدينا حكومة دائمة ووزارات رسمية ودوائر دولة متكاملة والوضع الأمني في تطور ايجابي ملحوظ .. ثم يا سادة أليس العراق يعمل بميزانية انفجارية نحو التطوير .. فأن كان تخريب الإرهاب لخطوط توصيل الكهرباء المارة في بعض المناطق في طريقها لمناطق أمنة .. أرجو التأكيد على إن طرق العراق ومناطقه اليوم أمنة وبنسبة 85% على أدنى تقدير ، ثم وان افترضنا العكس ما كلفة محطة جديدة للكهرباء تنصب في منطقة أمنة تعاني الأمرين من انطفاء التيار الكهربائي ونحن في فصل الشتاء القارص .

إن التحديات موجودة على الأرض .. ولن تزول بسرعة ، ولكن العزيمة والإصرار يجب أن تكون اشد واقوي .. وما يشجعني على قول ذلك هو النتائج الأمنية الباهرة التي تحققت في البلاد .. فقبل أشهر من ألان كان اشد المتفائلين يعتقد إن العراق لن يخرج من دوامة العنف الطائفي في غضون عشرة سنوات على اقل تقدير .. ولكن جدارة العمل الأمني والعسكري و السياسي مصاحباً له الدعم الشعبي نجح في تخطي الدوامة الطائفية بشهور قليلة .. إذن فالحلول ليست مستحيلة ، ولكن لنذر الشماعات جانباً ونعمل بكل عزيمة .

المهاترات الإعلامية و التصريحات النارية التي اشتهر التنابز بها بين ساسة اليوم (أو جزء منهم لنكون أكثر انصافاً) حملت الكثير من تعليق الإخفاقات على شماعات كثيرة .. ولكن المطالبة الحقيقية هي إثبات العمل .

فالعالم من حولنا يعيش أجواء سياسية مختلفة ويعج بالتحديات (مع التسليم بأن تحدينا أوسع وأصعب) ولكنه لا يجنح إلى التعلق بتلك التحديات لان هذا إساءة له .. ولذلك نرى البرامج السياسية لمرشحي قوائم الانتخابات في العالم اليوم تطرح برامج إصلاحية سياسية واجتماعية واقتصادية ، وبشكل مدروس ومجدول .. أي ليس بشكل شعارات فقط .. بل إن معظم الساسة الذين يصلون لمناصب صنع القرار ويخذلون جمهورهم أو لا يلبون وعودهم بالتشدق بشماعات التحديات .. يخسرون مصداقيتهم وينتهي بهم المطاف السياسي سريعاً .

فرغبتنا ودعوتنا لساسة العراق وصناع قراره اليوم .. أن يضعوا الشماعات جانباً (مع احترامنا لكل أثقال التحديات) ولكنهم في مرحلة تاريخية حرجة ويجب عليهم مواكبتها .. وليتذكروا إن التاريخ لا ينسى ما يصنعه البشر من أعمال خيرة كانت أم سيئة .. وهم مطالبون ببذل عزيمة اكبر للوصول إلى شاطئ الأمان (الذي كلما اقتربنا منه توجبت علينا مضاعفة الجهود) ففي الرياضة وخاصة العاب القوى التي تتطلب جهداً مضاعفاً من البدن .. ينصح العداء للمسافات الطويلة (أن ينطلق بسرعة ويبطئ في وسط الطريق ثم يعدوا بسرعة مضاعفة قبيل الختام ليصل اولاً) ويبدو إن هذا المثال لا يبتعد عن السياسة فالحكومة يجب أن تبدأ بقوة في مواجهة تحدياتها .. وعندما تقترب من شاطئ الأمان (كما هو حال بلادنا اليوم) يجب أن تضاعف قوتها في عبور التحديات ومواجهتها ولكي لا تعطي فرصة للتحديات المهزومة بأن تعيد نشاطها من جديد .. بالتالي فالعزيمة الجادة ، والابتعاد عن تعليق الحجج على الشماعات هي الحل الأسلم لعراق اليوم .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com