|
عندما كنت أغادر البيت، في حي الجمعية بكربلاء، متوجها لوسط المدينة وبالتحديد الى محلتي (العباسية الشرقية) التي عشت فيها لسنوات، كان عليّ أن أقطع بعض الشوارع في حي الجمعية قرب كراج الأحياء، والذي لايبعد عن ضريح الأمام الحسين (ع) أكثر من 2 كلم. هذا الحي الذي أحتل واحدة من أفضل البساتين الكربلائية وحوّلها الى أراضي سكنية، بعضها مازالت أراضي بستنة تنقصها خدمات البلدية. كنت أمر عبر طرق رديئة التبليط مليئة بالحفر وبعضها مازال يحمل أثار تلك البساتين أما الساحات المتروكة فقد تحولت الى مزابل مقرفة. أحيانا أشاهد أحدهم يحفر أخدودا في إسفلت الشارع من طرف الطريق البعيد عن حافة بيته، ولما أستفسرت عما يفعل، شرح لي صديق مايفعله هذا، أنه يحاول ربط بيته بأنبوب إضافي من الماء في الجانب الآخر وبذلك يحصل على خطين لتزويد بيته بالماء! نعم هكذا يفعل البعض بعيدا عن رقابة البلدية وحتى وأن أنتبهت لهذه السرقة والتخريب فبأمكانه أسكاتهم بالطرق التي أعتادوا عليها. هذا مايفعله الكثيرون دون وازع ضمير أو أحترام لقانون، ناسين أن مايقومون به من تخريب للطريق وسرقة للماء من حصة الآخرين، ويعللون تصرفهم هذا بسبب شحة الماء وان سرقتهم وتخريبهم لا تضاهي سرقة وتخريب المسؤولين الكبار!. بعض البيوت جعلت من الشوارع والساحات المجاورة لبيوتها منهولات لتصريف المياه المستعملة! المولدات التي تمد المواطنين بالكهرباء مقابل أشتراك لساعات لاتتجاوز الخمسة ساعات يوميا في أحسن الأحوال وذلك أثناء أنقطاع التيار الوطني* بحاجة الى شبكة من الأسلاك الموصلة بين المولدة والبيوت في المنطقة. ونتيجة ذلك تصبح الشوارع والساحات مزينة بصورة عشوائية بأسلاك المولدات الخاصة التي تمد البيوت بالكهرباء، هذه الأسلاك تحجب عن الناظر منظر السماء الجميل بل تشوهه وكأنها شبكة لصيد السمك عبث بها جاهل فتشابكت بكل الأتجاهات. منظر هذه الأسلاك مع الأزبال المنتشرة والمتراكمة والطرق المحفرة والتي أنهكتها السنون يبعث على الأشمئزاز والقرف ويدعوك للتساؤل هل أنك حقاً تعيش في بلد يطفو على بحيرة من البترول؟ وأن الحاكمين الجدد فعلا قد جاؤوا بعد سقوط الطاغية لتعمير البلد لا لنهب ثرواته؟ وهل هم حقا مخلصون وجديرون بالمسؤولية؟ أعبر هذه الشوارع متألما مصدوما وأبحث يوميا عن أجابة مقنعة لما يجري في بلدي ولكن عبثاً، بل أن تصريحات المسؤولين المحلين في المحافظة وحتى في رأس الدولة تزيدك أحباطا فالكذب أصبح ميزة يتميز بها العديد من المسؤولين، فما أن يخرجوا على الفضائيات حتى يتحدثوا (أو كما يقول العراقيون يفيكوا) وكأن الشعب العراقي جاهلا لما يدور داخل الوطن محاولين أقناع أنفسهم بطروحاتهم (فيكاتهم). أنقطاع التيار الكهربائي المفاجيء وتغير دورة الكهرباء في البيت من التيار الوطني الى المولدة يوميا عدة مرات، يسبب للمواطن خسائر فادحة، حيث يسبب ذلك بأعطال فادحة للكثير من الأجهزة البيتية الكهربائية، كأجهزة التبريد والتسخين وماطورات ضخ المياه وغيرها، وهذا يسبب عبئاً أضافيا على كاهل المواطن لم يحسب له المسؤولون أي حساب وكأنهم يقولون للمواطنين لتحترق أجهزتكم ولتذهبوا الى الجحيم! أما الحصة التموينية فتتفاوت نوعيتها وكميتها من مدينة لأخرى ومن منطقة لأخرى. وعندما تساءلت عن سبب هذا التفاوت، وضح لي البعض أن سببه يعود لمجلس المنطقة والمحافظة ونشاطهم من أجل الحصة التموينية. ولكن تبق الحصة التموينية خاضعة للتلاعب والسرقة والكذب المعسول الذي يذاع على الفضائيات للضحك بدون خجل على عقلية المواطن. فمنذ أشهر لم يستلم المواطنون العديد من مواد الحصة التموينية، وأقتصرت على الصابون والشاي الرديء. كل هذا من أجل هدفين، الأول التلاعب والأغتناء بحصص الشعب والمستفيد هم المشرفون في وزارة التجارة والمالية والمقربون منهما من تجار وأداريين، أما السبب الثاني هو محاولة أقناع هذا الشعب المسكين للأستسلام لرغبات بعض المتنفذين من سياسيين لتمرير قرار إلغاء الحصة التموينية وخداع الشعب (بتعويضهم!) بالمال. وهذه خدعة جديدة ستؤدي الى أرتفاع أسعار المواد التموينية الضرورية وأستفادة مافيات تجارية لها حضوة في السلطة، ويصبح الشعب تحت رحمة هذه المافيات. عدم الأعلان رسميا وبصورة منتظمة عن مفردات وكميات الحصة التموينية يجعل المواطن جاهلا لكميات الحصة ويصبح مصدر معلوماته فقط وكيل الحصة ومدى مصداقيته وأمانته، وبذلك يختلط الحابل بالنابل، فالوكيل يدعي بنقص الحصة ورداءتها والمسؤولين يدعون إدعاءات أخرى. بينما كان الوضع في أيام النظام المقبور أكثر تنظيما، فالدولة تعلن للشعب كمية ونوعية المفردات التموينية بحيث من الصعب التلاعب بها كما يحدث في أيامنا هذه. والحادثة التالية تؤكد ضرورة إعلان الدولة رسميا للشعب عن جميع مفردات التموين ليكون الناس على علم وليراقبوا عملية التوزيع، لآ أن يكونوا تحت رحمة الأشاعات ووكيل التموين، كما حدث لسكان حي الجامعة في مدينة النجف. حيث أكتشف أهالي الحي صدفة أن المختار المشرف على توزيع النفط على أهالي الحي قد باع حصتهم لثلاثة أشهر بالسوق السوداء، وكلما أستفسر منه أهالي الحي عن سبب عدم أستلامهم لحصتهم من النفط أجابهم بعدم إستلام اي حصة من الدولة، حتى أكتشفوا تلاعبه وقدم الآهالي شكوى به وهو الآن قيد التحقيق! مثل هذه الحالات كثيرة والمتلاعبين كثر، والوساطات لأنقاذ الفاسدين والحرامية سارية مادام الفاسدون منتشرون في اعلى مفاصل الحياة الأدارية. الصناعة الوطنية بالرغم من تواضعها في ركود بسبب إنفتاح السوق وعدم توفير الحماية لها. فمنتجات دول الجوار وخاصة الأيرانية تغزو الأسواق العراقية، ومعظم المنتجات الغذائية، كالقشطة وأنواع الأجبان والكيك المطعم بالقشطة وأنواع الكريمات والشرابت وغيرها، تفتقر للرقابة الصحية والجودة، وكم مرة أقف أمام البائع أبحث عن تأريخ الصلاحية للمنتج فأجد مكانه خاليا من اي تأريخ!. ولاحظت تذمرا بين أبناء الشعب بسبب عدم توفر الحماية لمنتجاتنا مقابل انفتاح السوق امام منتجات دول الجوار حتى للرديئة منها، ففي مدينة النجف وبعد هطول الأمطار لآحظت كيف إصطبغت الأرض باللون الأحمر وكأن مذبحة حدثت بسبب رداءة صبغة حجر الرصيف المستعمل لتبليط الرصيف والمستورد من الجارة أيران! *- التيار الوطني مصطلح يطلق على تيار الكهرباء الذي تمده الدولة للمواطنين، ففي كربلاء والنجف وخلال تواجدي لم تنل البيوت من الكهرباء الوطني سوى (2-5) ساعات يوميا، وقبل مغادرتي النجف وفي يومي 12 و13 كانت حصة كربلاء والنجف ساعة واحدة من الكهرباء يوميا!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |