|
إنّ حالة الضياع التي تخيّم على المشهَد العراقي، أخذت متاهات متعددة وولّدت قناعات راسخة لدى المشاركين في العملية السياسية، بأنهم سوف لن يستطيعوا الحفاظ على مواقعهم ومراكزقواهم بعد إجراء الإنتخابات القادمة، بناءً على المعطيات الجارية . ستظهر إصطفافات وتكتلات سياسية جديدة تؤدي إلى إختفاء بعض القوى السياسية الطارئة لتحل محلها قوى أخرى جديدة تجرّب حظها، وستقل حصة بعضها في البرلمان القادم . إنّ هذا الحدس ناجم عن الواقع الملموس الذي يدل على عزم الذين قاطعوا الإنتخابات السابقة، بالمشاركة العالية في الجولة القادمة للإنتخابات من أجل المساهمة في صنع القرار، إضافةً الى أنّ سكان الوسط والجنوب سيشاركون باندفاع لغرض التخلّص من هيمنة الأحزاب الطائفية وترشيحهم لممثليهم الحقيقيين . وتنجر حالة الضياع على الجانب الإقتصادي، الذي يمثل صورة واضحة لهدر المال العام وتخبّط السياسة الإقتصادية بغطاء قانوني . فعملية تبذير الأموال بدأت عندما قرّر الحاكم المدني برايمر طباعة عملة عراقية جديدة بنفس القوة الشرائية للدينار العراقي . لقد كلّفَ إصدار العملة الجديدة خزينة الدولة 470 مليون دولار (كما ذكرَت بعض المصادر)، والسؤال الذي يطرح نفسه - لماذا لم يُطبع الدينار العراقي بصورته السابقة ويعود بقوته الشرائية إلى سابق عهده (يعادل 3,1 دولار)؟ . ونسمع بين فترة وأخرى، أنّ البنك المركزي يفكر برفع ثلاث أصفار من العملة الجديدة، لتعود كما كانت عليه . هذا يعني سيتم صرف نفس المبلغ من أجل طباعة البنكنوت الجديد . ألا تُعتَبر هذه السياسة تبذيراً لموارد خزينة الدولة؟! . مؤشرٌ آخر يدل على هدر المال العام، عندما سمعنا من أحد أعضاء مجلس النواب، أنّ الطاقم الإستشاري لرئيس الوزراء يتكون من (74 مستشاراً) !!! لماذا هذا العدد الهائل وكم هي تبلغ رواتبهم وكم عدد حماياتهم؟ . لم نسمع بانّ نظاماً حاكماً، سواءٌ كان عاهلياً وجمهورياً يمتلك هذا العدد من المستشارين . هل هذا هوالحرص على أموال الشعب، وبهذه الصورة يتم ترشيد الإنفاق!! . وأسأل هل يوجَد نَص تشريعي يحدد عدد المستشارين لرئاسة الحكومة؟ . على السيد رئيس الوزراء أن يقلّص عدد مستشاريه إلى (أربعة فقط)، مثلما هوعازمٌ على تقليص عدد الوزارات، إنطلاقاً مِن ترشيق الحكومة والتخلّص مِن الترهل الحاصل في أجهزة الدولة . مشهد آخر يدل على التخبط الإقتصادي المتعَمَّد وليس العفوي، متمثل بقرار البنك المركزي برفع الفائدة بين 12% الى 20% على الودائع، بحجة إمتصاص العملة الزائدة من السوق وللقضاء على التضخم الناجم عن تلك الزيادة . كان الأجدر بالبنك المركزي أن يحدد بدقة قيمة الخدمات المتوفرة للمواطن العراقي، وعلى ضوء ذلك يطرح السيولة النقدية المناسبة لتلك الخدمات . لكن تأثير ذلك القرار كان سلبياً، إذ جعلَ المصارف الأهلية أن تمتنع عن تقديم القروض الميسّرة لفقراء وصغار المنتجين، وبالتالي تحولها إلى مؤسسات مالية طفيلية ضارة تقوم مقام السماسرة العابثين بالإقتصاد الوطني وزيادة وإنتعاش القطط السمان . أمّا حادثة إحراق البنك المركزي، فلا تعليق عليها وما خفيَ كان أعظم .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |