|
قد أكون قاسي، أو مجانفا للحقيقة، وقد يثير رأيي هذا حفيظة البعض ويلاقي هوى لدى آخرين، ولكني سأحاول ما وسعني الجهد تجنب الإثارة، فلست بمعرض النقد والتمحيص، أو الطعن والتجريح، وإنما أهدف من وراء ذلك فتح الباب على مصراعيه، للوصول إلى الحقيقة الغائبة عن أذهان الكثيرين، لا لقصور في نظرتهم، أو خلل في تفكيرهم، أو ضعف في مبدئيتهم، ولكن لنظرتهم إلى الأمور بعين نصف مفتوحة، غابت عنها الحاجة الفعلية لتجاوز الكثير من الأمور، وانصرافهم لقضايا جانبية بعيدة عن جوهر القضية، وما تتطلبه المرحلة من نظرة جديدة، بعيدا عن مخلفات الماضي، بما حملت في طياتها من خلافات وصراعات لا مبدئية ، غلبت عليها الشعارات الانتقائية، وابتعاد عن الكثير من الثوابت والمشتركات التي هي أساس الالتقاء والاتفاق وتوحيد الرأي، وما يسهم في تعزيز الوحدة لتجاوز المرحلة الخطيرة التي تمر بها حركة التحرر الوطني. لقد كانت هناك اختلافات واصطفافات وانعطافات خطيرة بين الشيوعيين العراقيين فرضتها المرحلة السابقة، مرحلة انهيار المعسكر الاشتراكي التي خلفت بلبلة فكرية في الأوساط الشيوعية عصفت بالكثير من المرتكزات التي يقف عليها الشيوعيين في العالم، وأدت إلى حدوث اهتزاز في الكثير من الثوابت واختلاف في المنطلقات الفكرية، مما جعل الكثيرين يحاولون القفز على الواقع واللجوء إلى اجتهادات ليس هنا محل الإشارة إلى صحتها من عدمه، وأدت إلى حدوث شروخ وتصدعات في الوحدة الفكرية والتنظيمية، ودفعت ببعض الأطراف للخروج والاختلاف، وألقت بظلالها على الوضع العام للحزب، مما أدى إلى نشوء واجهات عديدة كل منها يدعي امتلاكه الحقيقة والشرعية، متناسين أن الشرعية الحقيقية يمنحها الواقع ومدى التفاف الجماهير حول هذه الجهة أو تلك، أو مدى قربها أو بعدها عن الواقع الموضوعي لما يجري على الساحة العراقية. ولست هنا بمعرض الإلماح إلى صحة هذا التوجه أو ذاك، أو خطا هذا الموقف أو سداده، فللجميع سيئاتهم التي لا تلغي حسناتهم، وحسناتهم التي تبرر سيئاتهم، بغض النظر عن حجم هذه الحسنات أو السيئات، فقد كان لسنوات المعارضة الطويلة إفرازاتها الضارة على وحدة الشيوعيين العراقيين، لما حملت في طياتها من إرهاصات بعيدة عن الروح الرفاقية والأسس المبدئية، واختلال الثوابت التنظيمية، وبروز توجهات وتكتلات كانت وراء الكثير من الأخطاء التي عصفت بالبنية التنظيمية، وأدت إلى حدوث صدوع لا زالت آثارها تفعل فعلها في النفوس، وكان لتباعد التنظيمات، وركاكة العلاقة وانعدام الاتصال وراء الكثير من الآثار الجانبية لحدوث التقاطعات، واختلال الموازين في التعامل، وظهور نزعات استبدادية، أدت إلى أضرار وفجوات ما كان لها أن تحدث في ظل الأوضاع الطبيعية، مما أدى إلى ازدياد النفور وبروز تكتلات متفرقة تتصارع فيما بينه، بدلا من العمل الجاد لتوحيد المواقف والالتقاء على أمر سواء، وكان لسقوط النظام ودخول قوات الاحتلال أثره بإذكاء الفروق واتخاذها أبعاد جديدة في الموقف من الاحتلال والعملية السياسية زاد في عمق الهوة بينه، وأدى إلى حدوث شرخ قد يتوسع مستقبلا إذا ظلت الأطراف المتصارعة على سلبيته، ومواقفها التي لا تصب في المصلحة الوطنية، أو مصلحة الشيوعية واليسار، لذلك يتطلب الأمر محاولات جادة لتطبيق وجهات النظر بين المتعارضين، وإنهاء الصراع من خلال اللقاآت المباشرة والوصول إلى قواسم مشتركة، قد تسهم في تغيير أنماط العلاقة بما يعيد للشيوعيين تأثيرهم في الساحة العراقية. لقد مر الحزب عبر تاريخه المديد بمنعطفات خطيرة عصفت بمرتكزاته التنظيمية، وانشقاقات خطيرة وتشرذمات قاتلة، ولكن الوعي بطبيعة الصراع وما تفرضه المرحلة دفع تلك الأطراف إلى المكاشفة والمصارحة وأسهم في أعادة توحيد المنظمات ودفع بالحزب إلى واجهة الأحداث، وآخرها ما حدث أواسط الخمسينيات من خلافات حادة عصفت بوحدة الحزب وأدت إلى تناحرات ألقت بظلالها على مجمل الحركة الوطنية، واستطاعت قيادة سلام عادل بما امتلكت من ديناميكية عالية وسعي بناء ومبدئية رصينة تجاوزها وتوحيد الحزب ليتصدر النضال بفاعلية عالية، والسير من نصر إلى نصر حتى تكللت الجهود بالقضاء على الحكم الملكي العميل وقيام الجمهورية الفتية. واليوم في ظل الظروف والتداعيات الحاصلة في العراق، وما تتطلبه المرحلة من سعي جاد ودءوب لبناء تيار ديمقراطي فاعل في العراق، يتطلب الأمر من القيادة الحالية للحزب، التي تسعى لتوحيد الديمقراطيين في جبهة واحدة، أن تسعى بكل ما تمتلك من ثقل وإمكانيات إلى وحدة الصف الشيوعي أولا قبل البدء بوحدة التيار الديمقراطي او اليساري، لأن صاحب البيت المتصدع عليه السعي لبناء بيته أولا قبل البدء بإصلاح قصور الآخرين، مما يجعل المهمة الآنية للحزب الشيوعي بوصفه الممثل الشرعي للشيوعيين العراقيين والواجهة العقائدية لهم، وأكثر الفصائل الشيوعية تأثيرا على الجماهير، أن يكون البادئ في هذا السعي ، والعمل على توحيد الشيوعيين العراقيين تحت واجهة واحدة قادرة على اخذ موقع الصدارة في التيار الوطني الديمقراطي، وأن تكون قوة فاعلة في تغيير الإحداث والسير بعجلة العراق إلى أمام، خصوصا بعد الاختلاف الخطير بين القوى الكردستانية وحليفهم الأساسي الائتلاف العراقي الموحد، واحتمالية عودة القوى الكردستانية لحليفها الطبيعي التيار الديمقراطي واليساري على وجه الخصوص، ليصبح التيار الفاعل في مسار السياسة العراقية، ويأخذ الشيوعيين العراقيين دورهم المتميز في هذا التيار بوحدتهم وتآزرهم ليكونوا كتلة متراصة ذات تأثير واضح في سير الأحداث، وقد يتطلب البدء بالاتصال بين الأطراف الشيوعية، وخصوصا بعد أن تعددت الواجهات وأصبحت تشكل تجمعات متناثرة متصارعة رغم ما يجمعها من مشتركات وثوابت لن تبليها الأيام، وعلى الحزب الشيوعي العراقي(اللجنة المركزية) البدء بطرح تصوراته في برنامج محدد يتضمن الأسس العامة التي يمكن الالتقاء حوله، والدعوة لعقد مؤتمر أو أجراء حوار واتصالات مع تلك الأطراف للوصول إلى اتفاق، خصوصا بعد أن أبدت بعض الأطراف استعدادها للدخول تحت خيمة واحدة، والإسهام في العملية السياسية، والعمل الفاعل من أجل التحرر الوطني وبناء الأسس السليمة لدولة ديمقراطية، تسهم مع الفصائل الوطنية الأخرى في النضال من أجل التحرر الوطني، وبناء العراق وإخراج القوات الأجنبية، واعتماد الآليات الديمقراطية في النضال الوطني بعيدا عن الأطروحات المتطرفة، والعنف والكفاح المسلح والجمود الفكري والعقائدي، واعتماد الحاجة الوطنية في اتخاذ المواقف السليمة وتحديد الأولويات التي تتطلبها المرحلة بعيدا عن المواقف المسبقة التي لا تستند إلى أرضية واقعية. وفي الحلقة القادمة سنشير إلى الأسس والقواعد التي يمكن أن تسهم في إعادة اللحمة والوصول إلى توافقات ثابتة توائم بين الإطراف، ولا تخرج عن الثوابت الوطنية، والمبادئ الأساسية للفكر الشيوعي الخلاق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |