|
أقام المجلس العراقي للسلم والتضامن فرع بابل ندوة فكرية، عن مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة، على قاعة نقابة الفنانين في بابل، ابتدأت بالوقوف دقيقة صمت وحداد على أرواح شهداء الحركة الوطنية، ألقى بعدها الأستاذ كامل نعمة كلمة ترحيبية ، تطرق خلالها إلى المبادئ العامة لحقوق الإنسان ، استنادا لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من كانون الأول عام1948، وركز على الحقوق الأساسية التي أصبحت ملزمة التطبيق للعديد من دول العالم ، التي التزمت بهذه المبادئ وجعلتها دليل عمل وأساس لدساتيره، وقد وردت إلى المؤتمر برقيات عديدة كانت أولها برقية جمعية الصداقة العربية الكردية فرع بابل التي ركزت على المادة الأولى للإعلان الداعية إلى المساواة بين الناس بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم واتجاهاتهم السياسية، ثم برقية الحزب الشيوعي العراقي، وبرقية عن اتحاد الأدباء في بابل أرسلها الأستاذ الشاعر ناهض الخياط وكانت أكثر من رائعة، فقد كانت أبيات رقيقة من الشعر: يا بسمة الفجر في الدنيا ويا أمل بكم حماماتنا البيضاء تنتقل من كل بيت لبيت حيثما أنعطعت بنا الضفاف ولاح السل والجبل فأنتم روح أقلام مجنحة في عالم حائر في النار يشتعل وأنتم شمسنا في كل ناحية كيما يرف السنا والورد والقبل وها أنا قد فتحت القلب قافية لكم وإلهامها من قلبكم يصل بعد ذلك ارتقى المنصة الدكتور هادي الكعبي الأستاذ في كلية القانون والعلوم السياسة جامعة بابل، وألقى محاضرة تناول فيها المواد الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما ورد في الدستور العراقي، وكيفية السعي والعمل لجعل هذه الحقوق قابلة للتطبيق، وضرورة النضال من أجل أقرارها وتطبيقه، وتطرق إلى المواضيع الخلافية التي أثيرت عن كتابة الدستور، في قضايا الإرث والطلاق، بسبب اختلاف الاجتهادات الفقهية للمذاهب الإسلامية، وأن ما يقره المذهب الفلاني يتعارض مع ثوابت المذهب الآخر مما جعل الدستور، بعيدا عن تلك المبادئ لمعارضة بعضها لما ورد في المذاهب الإسلامية المختلفة، وخصوصا في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، فقد اختلفت المذاهب الإسلامية في توزيع الإرث، والطلاق والزواج، ولا زالت هذه القضايا محور صراع بين الأطراف الدينية مما ولد إرباكا في تشريع القوانين، فالمادة الأولى التي نصت على المساواة بين جميع الناس في الكرامة والحقوق، لا نجد لها صدى في الدستور أو التشريع لوجود عقبات لا يمكن تجاوزها أشير إليها بما لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية، وهذه الكلمة الفضفاضة ستفسح في المجال للجهات الدينية المختلفة أن تضع بصماتها عليها وتفرغها من جوهره، فيما نصت المادة الثانية على حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون تمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي السياسي، ودون تفرقة بين الرجال والنساء، فقد أثارت هذه المادة الأوساط الدينية وعارضتها وأبت إقرارها او الأخذ بها لتعارضها مع الدين الذي يقر التمييز بين الرجل والمرأة في الإرث والطلاق والزواج والسفر والحرية التامة في أن تكون إنسان له حرية التصرف بحياته دون وصاية من أحد، ونصت المادة الخامسة على عدم جواز التعذيب والعقوبات او المعاملة القاسية او الوحشية او التي تحط بالكرامة، وهذه المادة وأن وجدت طريقها إلى الدستور إلا إنها اصطدمت بالواقع الذي كان خلاف القانون ، فلا زالت القوى البوليسية تستعمل التعذيب وتداهم البيوت، وتقوم بممارسات تهدر كرامة الفرد دون اتخاذ أي إجراء لإيقاف هذه التجاوزات مما يستدعي أن يأخذ المواطن زمام المبادرة بالنضال من أجل تطبيقها والوقوف بوجه الممارسات الخاطئة للأجهزة المعنية، وأشار للمادة الثامنة التي تمنح الحق للمواطن باللجوء إلى المحاكم لأنصافه من أي عمل اعتدائي يواجهه من قبل القائمين على تنفيذ القانون ومنحه الحق في مقاضاة المسئولين عن تجاوزاتهم ابتداء برئيس الدولة وانتهاء بآخر موظف فيه، أما المادة التاسعة التي تمنع إلقاء القبض على المواطن أو حجزه أو نفيه تعسفا فهي مجرد حبر على ورق لم تجد طريقها للتطبيق في الحكومات العراقية المتتابعة مما يستوجب تفعيلها والنضال من أجل تحقيقها لأنها توفر الأرضية الصلبة لترسيخ الديمقراطية والحقوق في المجتمع. وركز على المادة الثانية عشر التي نصت على عدم جواز التدخل التعسفي في حياة الفرد الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو الحملة على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذه التدخلات، وهذه المادة بالذات لم تجد طريقها للتطبيق في أكثر الدول عراقة بالممارسة الديمقراطية، فلا زالت هذه الحقوق غير مصانة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي أتاحت لمخابراتها التجسس على مراسلات الأفراد المشتبه بهم، مما يعني أن مثل هذه الحقوق تحتاج إلى نضال متواصل لكي تأخذ حيزها في التطبيق العملي. أما المادة الثالثة عشر التي نصت على حرية الفرد في النقل واختيار محل أقامته داخل حدود كل دولة، فقد تجاوزت عليها الأنظمة المتعاقبة وقامت بترحيل الآلاف من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى لأسباب عرقية وسياسية، فيما قامت بتهجير الملايين خارج الحدود، وأصدرت القرارات القاضية بعدم جواز السكن في العاصمة إلا لبعض الناس المقربين من السلطة أو السائرين في فلكه، وهذا تجاوز خطير على حقوق الإنسان لم يواجه بما يستحق من قبل المنظمات العاملة في الدفاع عن هذه الحقوق، أما المادة الخامسة عشر التي تمنح الحق للمواطن بالتمتع بأي جنسية يشاء فقد وضعت الكثير من العقبات بوجهها حتى لجأ النظام السابق إلى منع الزواج بحملة الجنسيات الأجنبية، فيما لا زال المشرعين في العراق على خلاف في منح هذا الحق الأساسي للمواطنين، أما المادة السادسة عشر التي نصت على حق الرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج التزويج وتأسيس الأسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وإثناء قيامه وعند انحلاله، فقد اصطدمت بعقبات كثيرة بسبب الخلافات الفقهية بين الطوائف الإسلامية والدينية، ووقفت الجهات الدينية بوجه أقرارها في محاولة لربطها بأئمة المذاهب المتصارعة مما يستدعي تشريع عشرات القوانين المتناقضة، بما يجعل التمايز والتباين شديدا بين الأفراد ويضع الكثير من العقبات أمام الفرد في الاختيار والافتراق، ويجعله أسير الرؤى المتباينة للأديان والمذاهب. أما المادة الثامنة عشر التي نصت على الحق الشخصي في حرية التفكير والضمير والدين، وحق تغيير الديانة أو العقيدة وحرية إقامة الشعائر والتعليم والممارسة، فلا زالت تصطدم بالواقع المر السائر في دروب بعيدة عنها ولا زال الإكراه والقسر والاعتداء السمة البارزة في العراق، وقد قامت أطراف بالاعتداء على الطوائف المختلفة ودفعتها إلى الهجرة، وحرمت عليها ممارسة الشعائر الدينية، وهدمت معابدها دون أن تكون للدولة القدرة على إيقاف هذه التجاوزات، فيما نص الدستور على حق هؤلاء بممارسة شعائرهم، ولكن لا زالت هذه القوانين حبر على ورق ولم تجد طريقها للتطبيق العملي في العراق، وهناك تجاوزات كثيرة على تلك المبادئ في التعيين وتقلد الوظائف العامة، بسبب الهيمنة المقرفة للأحزاب والواجهات السياسية الفاعلة التي جعلت التعيين حكرا على أفراده، ما خلق بونا واسعا بين مواطن ومواطن، وهناك تعسف واضح في حق العيش للمواطن وتطبيق قوانين الحماية الاجتماعية، حيث منحت هذه الحقوق للمقربين من السلطة والتابعين لها مما خلق فروقا اجتماعية هائلة بسبب الانتماء السياسي والمذهبي والهيمنة التعسفية لجهات حاولت فرض أرائها على الواقع السياسي في لعراق مما جعل التمايز ظاهرة خطيرة تنذر بأشد الكوارث، وقد تطرق المحاضر إلى الكثير من المسائل التي تجاوز عليها القائمين على تطبيق القانون ، مما يستدعي تكثيف النضال لتحقيقه، والسعي لتطبيقها. وقد كانت هناك مداخلات للحضور تطرقت للكثير من القضايا العقدية التي تحتاج إلى جهود مكثفة، ونضال مستمر لتجاوزها والوصول بالدستور العراقي إلى مستوى دساتير العالم، والسعي لتطبيقه، وإيجاد الآليات الكفيلة بعدم تجاوزه، وهذا يتطلب تكثيف نشاط مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الإعلامية المختلفة للتنبيه عن التجاوزات ومحاولة تغييرها نحو الأحسن، والسير بالبلاد في طريق التقدم والازدهار.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |