|
نشرت مجلة اتلانتيك اون لاين الامريكية في عددها الشهري الحالي يناير / فبراير 2008 تقريرا مهما، أعدّه جيفري غولدبرغ الذي كان قد زار المنطقة مع لقاءاته مع 25 شخصية سياسية.. وتقدم بخارطة ملونة جديدة للشرق الاوسط.. وفي تقريره مجموعة افكار يعتقد ان تحقيقها يتطلب 20-25 سنة ولا ادري كيف يمكن للمخيلة الامريكية ان تتصور شرق اوسط جديد بهذه الصورة ؟ دولة تركية منكمشة، ايران من دون عربستان ولا اذربيجان، كردستان دولة مقفلة، اذربيجان دولة متحدة، جمهورية عراقية سنية، جمهورية عراقية شيعية ( تمتد من وراء الكويت لتضم المنطقة الشرقية السعودية ) جمهورية سورية منكمشة، جمهورية اردنية، انفصال خوزستان العربية .. لبنان جزءا تستوعبه سوريا، الكويت ستبقى.. البحرين مهددة.. الاراضي الفلسطينية دولتان شريطية وقزمية.. ربما نهاية اسرائيل كدولة يهودية.. الباكستان الصناعية تتفكك لتنضم لقسمها الغربي بلوجستان والصحراء.. تفكك السعودية الخ المشهد مرعب على الورق، ولكنه غير قابل للتحقيق مهما تفتق العقل الامريكي.. وكأن الشرق الاوسط مناطق عذراء جديدة مكتشفة من غزاة جدد ! ان تسويق بضاعة القوميات وكأنها مجتمعات مستقلة في التاريخ هو من اكبر الاخطاء التي ترتكبها الخطط الجديدة، فالتاريخ لا يقول ابدا بما يعرض ويقال اليوم. ان المناداة بانقسام العراق الى ثلاثة دول ليست جديدة على الاعلام الامريكي الذي يروّج لافكار كهذه ومن قبل اناس لا تفقه التاريخ والجغرافية معا.. بل ولا تدرك كيفية تكوين الشرق الاوسط الحديث. بعد توصيف مسيئ جدا للمشاعر يغرق بعض الكتاب الامريكيين في جزئيات لا تشكّل حقائق كلية عن منطقتنا، وانهم يقيسون الامور على اساس هشاشة الدول في الشرق الاوسط من دون اي تقدير لحجم ثقل المجتمعات.. فاذا كانت هناك قوى سياسية واسماء ربما باستطاعتها ان تكون هشة يتلاعب بها الاخرون، ولكن المجتمعات تسبق دولها كثيرا في ان تكون او لا تكون. ان من اكبر الاخطاء التي يرتكبها دعاة انقسامية الشرق الاوسط ! انهم يخلطون بين الدول والشعوب، ولا ادري كيف يتقبل المرء الاستخفاف الامريكي والتركيز على الشرق الاوسط والرد على هجمات 11 سبتمبر، وتصف الدول انها تحمل صفات مصطنعة، وكأنها اكتشفت هذا الاصطناع الان بعد ان مضى عليه قرابة قرن كامل من الزمن. ان ما يشغل التفكير الاستراتيجي الامريكي اليوم هو " الدول " المركبة التي تسميها بالمصطنعة سواء في الشرق الاوسط او الاقصى، وكأنها اكتشفت ان الدولة في الشرق الاوسط لقيطة وغير شرعية ولابد من ازالتها او تغييرها وتبديلها من دون النظر والتأمل في طبيعة المجتمعات وانقساماتها على اساس تنوعاتها مستقبلا. ان (التقرير) لا يتضمن اي تحليل للارضية التي سينشأ عليها التكوين الجديد .. ولكن ثمة خطط لا يمكن ان يدركها الاخرون تسعى الولايات المتحدة لتنفيذها ابتغاء مصالحها في المستقبل. وينتقد " التقرير " جملة كبيرة من الافكار الامريكية : كم عدد الدول ؟ لا يهم ولكن اسرائيل ودولة فلسطينية بين البحر المتوسط ونهر الاردن، وثمة دويلات بين المتوسط والفرات. لماذا لا يذهب نهر الفرات في انهر صناعية نحو اسرائيل ؟ ـ هكذا يطالبون ـ واذا كانت الاراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والاردن، العراق، ايران، افغانستان، وباكستان وغيرها عديمة الاستقرار، فان ذلك سيؤدي الى انهيار كثير من هذه الدول. يقول التقرير : جميع الدول هي من صنع الانسان. ولكن بعضها يصنعه الانسان اكثر من غيره. وان قلب الشرق الاوسط هو العراق الذي وصفه التقرير بصناعة تحويلية في التاريخ. تركيا انكمشت الى حجم الاناضول.. واستعين بالمؤرخ ديفيد فرومكن صاحب الحساب النهائي للمكائد بين القوى الكبرى ليسهم في بناء الشرق الاوسط القديم مع تكوين اسرائيل.. ان حسابات اليوم غير حسابات الامس، انها حسابات تقوم على اساس ديني عند المسلمين مع استمرار ازمة العولمة، ومنذ 9 / 11 2001 / ، وتدخلات امريكا في المنطقة - وخاصة فى العراق - ادت الى تفاقم التوترات التي عّرت البلاد المصطنعة وضعف بنائها.. ويعترف (التقرير) ان الادارة الامريكية سعت ليس فقط الى حرمان البلد من نظامه، وانما ايضا لزعزعة الأمور في العراق الفوضوي، وزرع بذور الديمقراطيه فى العراق. لقد كانت حرب العراق قد بدأت انتاج "التغيير بالجملة"، وهذا ما يخالف الواقع، اذ يمكنني ان اقارن بين دول الشرق الاوسط ودول شرق اوروبا.. تلك دول مركبة فتفككت بسرعة اما دولنا فهي تنبثق عن اوطان موحدة لا يمكن ان تفتك بها اية خطط ! ان اعادة تشكيل الشرق الاوسط بطرق جديدة تتطلب فهم الاشياء القادمة في الشرق الاوسط اكبر من ادراك الاشياء السابقة.. ويؤكد (التقرير) قوة انهيار الدولة العربية ويبشر بحرب طائفية شيعية سنية طويلة في العراق بين تحالفين مضادين، ووجوب السيطرة على النفط العربي.. وان تصدير الديمقراطية هو مجرد نفاق وبناء متقلّب، اذ يقول المحلل السياسي مورسلي، بأن "الشرق الاوسط ليس له مستقبل." أما المؤرخ العسكري لوتواك، فيؤكد بأن: الغرب غير قادر على تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، ويمكن للولايات المتحدة ان تتخلى عن اسرائيل كليا، ولكنها قد تتبنى العرب ولم تكسب ثقتهم!! قد تظهر التركيبة الجديدة للشرق الاوسط فى السنوات ال 20 القادمة، ويمكن للدول الجديدة ان تنكمش وتختفي وتعيد انتاجها من جديد كما كانت! واخيرا اقول، بأن مجتمعاتنا ودولنا لابد ان تعي مثل هذه المضامين حول مستقبلها والتي تخرج علينا من حين لآخر. فمن سيكون الاقوى على البقاء ازاء كل هذه التحديات؟ هذا ما سيعلمنا به الزمن القادم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |