|
إن الإنسان يولد ويترعرع وينشأ وتكتمل قوته البدنية ومداركه وتنضج ملاكاته العقلية وفق التطور الطبيعي لناموس الحياة باستثناء المعرفة والسلوك والتصرف والتقاليد والعادات فأنه يدركها من خلال الممارسة والاكتساب لذلك تصبح تقويم الشخصية الإنسانية من واجبات البيئة وما يحيط الإنسان ويتأثر به من ظروف وسلوك وتصرف ووعي فكري وثقافة من عائلته والمدرسة والمجتمع لذلك يعتبر الإنسان بما يملكه من عقل وطاقات وإمكانيات هوالقوة الديناميكية المحركة نحوالتقدم والتطور والتغير في مسيرة الحياة والتاريخ ومن خلال ما يتمتع به من مقدرة على خلق وإبداع جميع مستلزمات ومكونات الحياة المادية والمعنوية . إن التنمية البشرية تعتمد بالأساس على الحاجة الإنسانية ودور ممارسة الإنسان وحريته في المجتمع لان الديمقراطية الصحيحة والناضجة في المجتمعات الواعية تسعى للوصول بالمجتمع إلى درجة عالية من التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكي يكفل نجاحها وإثبات تقدمها وتطورها في فسح المجال والحرية وتفتح آفاق جميع أبناء الشعب في اكتساب الوعي والمعرفة ونشرهما وتوظيفهما بفعالية ونشاط وإبداع . وبقدر ما تتدهور الديمقراطية ومعها البنية الاجتماعية وتسود البيروقراطية والجمود الفكري تتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية فتفرز التوترات والنزاعات بين القوى الاجتماعية وتضعف بالمقابل وتزول الخطوات على طريق الديمقراطية الصحيحة ويتأثر بشكل سلبي ويتدهور الوعي الاجتماعي مما يؤدي به أن يتحول من وعي وطني وإنساني إلى وعي طائفي وفئوي مما يؤدي إلى تشتت الهوية الوطنية وتشرذم الشعب إلى كتل متصارعة ومتنازعة مما يؤدي بالنتيجة النهائية إلى تعميق التناقضات والحساسيات والتوترات الاجتماعية والسياسية حتى تصبح هذه الأزمات وتتحول إلى صراعات ومنازعات كارثيه تفتك بالبلاد والعباد وتشتت وتمزق الهوية الوطنية وتشرذم الشعب إلى كتل وطوائف وفئات بعكس السلوك الواعي والمدرك والمنهج العقلاني الذي يستلهم من الديمقراطية احترم الرأي والرأي الأخر والمحاورة الشفافة والنقد الهادف والبناء وحرية الفكر والاجتهاد الذي يعتبر المحرك الأساسي والدافع الوطني للحلول العقلانية لجميع التوترات والمشاكل مما يؤدي في النهاية إلى تنمية وتطوير القوى البرية التي تلعب الدور الأساسي في تقدم وتطور المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ويدفع ويحفز العامل المحرك والمطور للجانب الفكري والثقافي والمعرفة والوعي الفكري الخلاق لدى جماهير الشعب وهذه الحالة تفرز الجوانب الايجابية التي تؤدي إلى الاستقرار والأمان والأعمار والمستقبل الأفضل والعيش الرغيد لأبناء الشعب . إن التأخر في انجاز الايجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات في حالة تجاهل الجوانب والنقاط التي تؤدي إلى تهميش والتنكر للحقوق والقيم الروحية للقوى الأخرى وعدم إيجاد الحلول المناسبة لها والاعتراف بها واحترامها وعدم إهمالها مما يؤدي إلى تراكمات ومع مرور الوقت تتفاعل وتتحول إلى صراعات ونزاعات وتكتلات تبرز وتتزعم فيها وتخترق صفوفها القوى والعناصر الشوفنية والطائفية المتطرفة التي لا تريد الخير والسعادة والاستقرار للوطن والشعب . إن الديمقراطية الصحيحة تعني المشاركة والإسهامات المجدية من خلال النقاش وإبداء الرأي مما يتيح المجال إلى ظهور أشياء جديدة والوصول إلى حلول صائبة لان الديمقراطية مجموعة من الأسس والمؤسسات تنموحول ترسيخ الوحدة الوطنية مما يؤدي إلى التنمية البشرية والتطور والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولذلك تعتبر أكثر الأسلحة فاعلية لخلق نهضة حقيقية واسعة في كافة مجالات المجتمع كما تعتبر الرؤيا الواضحة والصائبة والباب الواسعة لتحرير المقومات البشرية الهائلة والأداة التي تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي مما يفسح المجال أمام الإبداع والابتكار وإتاحة قدر أفضل من الفرص الاقتصادية والاجتماعية في التقدم والتطور لبناء المجتمع والتطور لبناء المجتمع السعيد . إن تطور وتحقيق الديمقراطية تعتبر الخط الفاصل بين الغنى والرفاه والتقدم الاجتماعي والقدرة والإمكانية والتحقيق وتطور الذات الإنسانية والعيش بحرية وكرامة وبين الفقر والجهل والأمية والحرمان والاستعباد والتأخير ولذلك فأن الشعوب القادرة على التحرك نحوالديمقراطية ونشر المعرفة والوعي الفكري الخلاق تستطيع إن ترفع مستوى التنمية البشرية ويتبوأ الشعب مكاناً مرفوعاً من النمووالازدهار والتقدم والرفاهية في عالم القرن الواحد والعشرين وبالضد من ذلك فأن الوقوف في طريق مسيرة ونجاح الديمقراطية وتطبيقها يمثل إهداراً خطيراً للمقومات والمواهب البشرية نتيجة لافتقارها إلى حرية البحث المعرفي والوعي الفكري الخلاق مما يخلق انغلاقاً وسجناً لإمكانياتها ومكوناتها العقلية لذا يجب إطلاق الحريات الديمقراطية وتطبيقها ونشرها وإشاعتها بكل صحيح وفتح الأبواب الواسعة أمامها لينهل منها الشعب . الوعي الفكري الخلاق والمعرفة المنورة من أجل تحرير الشعب وخلاصه من كابوس الأمية والجهل والمرض والحرمان والعوز الذي يقف عائقاً ومعرقلاً لتطور الشعب وتقدمه في طريق التنمية والتطور البشري في المجتمع وبناء الحياة الحرة والكريمة والمستقبل الأفضل لجميع أبناء الشعب. إن الشعب حينما يدرك بأن الديمقراطية هي الطريق المؤدي الى سعادته وازدهاره وحريته وكرامته وتفتح إبداعاته وتطلعاته فليس هنالك من سبب وتبريراً منطقياً يؤدي إلى الانصراف عنها وتقويض أركانها ضمن إطار التجربة الإنسانية لا يوجد ثمة ما يشير إلى إن الديمقراطية تنهار وتكون مرفوضة من الشعب حينما يلتزم بأسسها ومؤسساتها وتكون ذات سياق عملي منسجمة مع وعيه وإدراكه وثقافته وبذلك سيكون ملتزماً منطقياً وأخلاقيا بالحفاظ على حقوقها ومبادئها الضرورية والعملية كما إن النظام الديمقراطي تضمن وجوده واستمراريته وديمومته ضمانات مؤسسية للحقوق الأساسية وليس مجرد إجراءات شكلية لان الواقع الموضوعي الملموس لا يحتمل المحافظة على ممارسة العملية الديمقراطية وتطبيقها بشكل صحيح بدون وجود مؤسسات تعمل في إطارها وإيمان الشعب وثقته بضرورة تواصلها من خلال إيمانه وعاداته وممارساته وحضارته ووعيه لان العلاقة بين ممارسة العملية الديمقراطية الصحيحة والحقوق السياسية الأولية ليست في الواقع صيغة مجردة من ضوابط لأنها تنطق وتمارس من خلال التفكير المنطقي والإدراك السليم والوعي الخلاق ومن خلال قيام شعب ديمقراطي وقادته السياسيين وأولي الرأي والفكر والعقل بالتفكير بمتطلبات نظامهم السياسي فأنهم بالتأكيد سيجدون ضرورة وأهمية العملية الديمقراطية وممارستها من خلال السياسة الواقعية الموضوعية والدفاع عنها والالتزام بها ونتيجة لذلك يتمازج إيمانهم وأفكارهم برغبة أكيدة والالتزام بالممارسة الديمقراطية وجعلها جزء حميمي من العملية السياسية التي تصبح عنصراً أساسياً في الثقافة للشعب لا سيما إذا كانت هذه الثقافة والوعي الفكري الخلاق وليدة جهود قوى مدركة وواعية يحملون على عاتقهم مسؤولية اعتناق وتفسير وتطبيق هذا النهج الوضاح وهذه الحقوق . وإذا لم يتم دعم العملية الديمقراطية والحقوق السياسية الأولية الضرورية لها بهذه الطريقة من خلال الثقافة السياسية والوعي الفكري الخلاق ودعم مؤسسات المجتمع المدني والقوى والحركات السياسية تصبح ديمومة العملية الديمقراطية أمراً مشكوك فيه ومعرضة إلى حدوث هفوات وانحرافات وتشوهات في سلوك وممارسات العملية الديمقراطية مما يؤدي إلى زعزعة أركان النظام السياسي في البلد . كما إن للنظام الديمقراطي جانب أخر حيث يعتبر الحقوق الجوهرية والمصالح أجزاء متممة للعملية الديمقراطية ومن هذه الحقوق حق حكم الذات والحرية الشخصية التي تعتبر غير قابلة للتحويل لان هذه الحقوق ليست حقاً في مجرد عملية كلية إذ إن العملية الديمقراطية ليست مجرد عملية ولا مجرد عملية شكلية لأنها تشكل في الحيز ذاته نوعاً هاماً من العدالة التوزيعية فهي فرض وتعزز وتساعد على توزيع كافة المصادر الحيوية الضرورية الأخرى وحينما يعتبر الحق في العملية الديمقراطية ليس مجرد حق شكلي إذ انه من أجل ممارسة هذا الحق لا بد من وجود كافة الأسس والمصادر والمؤسسات الضرورية التي تضمن تلك الحقوق وإذا ما انعدم وجودها ينعدم وجود العملية الديمقراطية كما إن الحق في العملية الديمقراطية ليس مجرد مطالبة تجريدية لأنه مطالبة بكافة الحقوق العامة والخاصة سواء كانت حقوقاً دستورية وقانونية ومعنوية والتي تشمل حرية التعبير الصحافة (السلطة الرابعة) وحرية التجمع وحرية تعدد الأحزاب وحرية الأحزاب وحرية المعارضة كما إنها تضمن لأبناء الشعب تشكيلة واسعة من الحقوق والواجبات والحريات والموارد الطبيعية التي توفر لهم وتؤمن العيش الرغيد والمستقبل الأفضل لهم وللأجيال القادمة والمشاركة العامة والإسهام التام بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات في صناعة القرارات الجماعية التي يلتزمون بها جميعاً من أجل مصالحهم الشخصية كأعضاء في المجتمع وفي تطوير وتنمية قدراتهم الإنسانية وفي قدراتهم على التصرف كأشخاص مسئولين أدبياً وأخلاقياً وقادرين على حكم ذاتهم ولذلك تعتبر العملية الديمقراطية ليست جوهرية فقط لواحدة من أكثر المصالح السياسية أهمية (حق الناس في حكم أنفسهم) بل إنها تكون في ذاتها مجموعة ثرية من المصالح الجوهرية .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |