|
تداولت وسائل الأعلام، والمطابخ السياسية في العراق إنباء عن الاعتزام على تشكيل حكومة جديدة برئاسة المالكي بعيدا عن الحصص الطائفية وتسند إلى وزراء تكنوقراط أكفاء يتصفون بالنزاهة والإخلاص، لإنقاذ البلاد من الحالة المتردية التي وصل إليها بسبب الانتماء المعروف لهؤلاء الوزراء، واعتبار الوزارة ملكا للحزب أو الطائفة التي ينتمي إليها الوزير، وهذا الرأي على علاته بعيد عن التحقيق ولا يحضا بالمصداقية فالكتل البرلمانية التي لها حق منح الثقة للوزارة لا يمكن لها التنازل عن امتيازاتها بتخصيص وزراء من إتباعه، لأن القوة في العراق للسلطة التنفيذية التي بيدها الحل والعقد ولا يمكن لهذه الجهات التنازل عن سلطتها لأناس بعيدين عنها أو لا يسيرون ضمن توجهاته، ولكن الظاهر ان الكتل الفاعلة تحاول من اجل إقصاء بعض الكتل غير المرغوب فيها او لا تسير بخطها من الوزارات وإسنادها لوزراء تابعين لها يأتمرون بأمره، ثم من الذي يضمن استقلالية هذا الوزير او ذاك، او يثبت عدم تعاونه مع هذه الجهة أو تلك، أن مثل هذه الأدعاآت ضحك على الذقون، وتمرير لمخططات بعيدة المدى لا تصب في خدمة العراق، لأن البرلماني الحالي بتشكيلته الحالية لا يمكن له أنتاج حكومة قادرة على الوفاء بمستلزمات البلاد، لاستفحال التخندق الطائفي والعرقي بين أطرافه، واستفادة الكتل من سيطرتها على مفاصل الدولة ، واستغلالها لمصالحها الخاصة والحزبية والفئوية الضيقة، وإلا هل يصدق عاقل ان هذه الأحزاب تتنازل عن السلطة بهذه السهولة وتتخلى عن طموحاتها في التحكم والسيطرة لصالح جهات أخرى لا يمكن لها خدمتها وتمرير مخططاته، وكيف لعاقل أن يتصور أن وزير النفط أو وزير المالية أو وزير التجارة يتركون وزاراتهم بما قيها من أموال طائلة لصالح تكنوقراط مستقلين بعيدين عن أي توجه سياسي، وهل لعاقل أن يتصور أن جهة ما تتنازل عن مكاسبها دون قوة رادعة تجبرها على التنازل. أن الحالمين بحكومة تكنوقراط يناقضون مسيرة الحياة بهذه النظرة، فليس من السهل لمن ذاق حلاوة السلطة التنازل عنها لمجرد أفكار لا تخطر له ببال ، فالوطنية التي يتشدق بها الجميع لا توجد في قاموس المتنفذين هذه الأيام والجميع يحاول أن يبسط سلطته وإنهاء الآخر حتى ، كان من حزبه أو طائفته أو قوميته أو دينه، ولا وجود لهذه الأفكار إلا في مخلية الطوباووين الذين يبنون قصورهم في الهواء، فالأحزاب الحاكمة هذه الأيام قد أحتجنت لأنفسها من الأموال والمكاسب والقوى المسلحة ما يجعلها قادرة على جعل الدماء تصل الى الركب، وليس في تفكيرهم التنازل عن امتيازاتهم التي أصبحت حقوق ثابتة برقاب العراقيين، وإذا كانت الدبابات الأمريكية قد أزاحت صدام حسين، فلا يمكن إزاحة هؤلاء الا بدبابات أقوى وأكثر فاعلية من تلك لأنهم استطاعوا في هذه الفترة القصيرة تثبيت مواقعهم، بما لهم من دعم ديني وعسكري، وهيمنة كاملة على القوى العسكرية العاملة في العراق، وأمسكوا بيد من حديد بكل مفاصل الدولة. وحتى لو فرضنا جدلا وأجريت نقابات مبكرة، فأن القوى ذاتها ستأخذ طريقها الى مجلس النواب لأنها استطاعت أن تفرض وجودها في مفاصل الدولة ، وأحكمت تشكيل المفوضية على مقاسه، وهي قادرة على أجبار الناس بالتصويت لها أو تزوير الانتخابات بما لديهم من مليشيات وإسناد ديني من المرجعيات الدينية التي لا زالت تحتفظ ببريقه، لعدم وجود قوى فاعلة في الشارع تستطيع الوقوف بوجهه، وأن القوة سادتي هي المعيار الجماهيري في الاختيار لأن هذه القوى تستطيع شراء الأصوات بالمال والأغراء والتعيين والترغيب والترهيب، والجنان الموعودة والفتاوى في الوقت الذي لا تملك القوى الأخرى فضائية تستطيع من خلالها تثبت وجودها في الشارع، أو يستطيع أحد من غير هذه الكتل تعيين فراش في دائرة، وعلى المراهنين على الجماهير والمبادئ وما إلى ذلك من أمور القناعة بعد لا يؤثر من المقاعد لإكمال الديكور لا غير، حتى يقال أن الانتخابات نزيهة وهذه رغبات الجماهير.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |