|
تحتل الفتاوى منذ القدم مساحات واسعة في الأدبيات الإعلامية والدينية المسموعة والمقروءة والمرئية ولا سيما في الوقت الراهن حيث تلعب تقنية الاتصالات الحديثة دورا مهما في إيصالها لأكبر عدد من المهتمين بها وذلك لأهمية الدين في حياتهم وتأثيره المباشر على كافة مجالات الحياة وفي مقدمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد دفعني إلى الكتابة حول هذا الموضوع ماتنشره بعض المواقع الإعلامية والإخبارية على الانترنيت من فتاوي مثيرة للجدل فضلا على استخفاف واستهزاء العديد من القراء والمعلقين عليها بطريقة تسيء للدين الإسلامي ولعلماء الدين وهو مايدعوا إلى الإحساس بوجود سعي متعمد يستهدف هيبة الدين والعلماء ومكانتهم في نفوس وقلوب المسلمين. فالفتوى في اللغة العربية تعني الحكم القاطع والقول الفصل في المسالة أو القضية قيد النظر أما الاجتهاد فهو إبداء رأي يحتمل الخطأ والصواب. وبما أن الحقيقة المطلقة ملك حصري لله عز وجل فانه الوحيد القادر على إعطاء الحكم القاطع والقول الفصل الذي لايرقى إليه الشك أو النقص أو الخطأ في كل شيء وليس هناك من يستطيع أن يقوم بذلك غيره . واستنادا إلى ذلك فان مايصدر من العلماء والمختصين في الدين لايعدو كونه اجتهادا و لايمكن أن يعد أو يبلغ الفتوى بأي حال من الأحوال وهذا لايعني انه لايحتمل الصواب دائما بل قد يكون رأيا صائبا وعند ذلك يتفق بالمصادفه مع الفتوى طبقا لقوله تعالى:"اللهم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا"أي انه أيضا الهام من الله عز وجل. ولذلك أرسل الرسل والأنبياء لتبليغ الناس بكل ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم وبعد أن وصلت جميعها إلى حيث أمر قال تعالى:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وهذا يعني انه لم يعد هناك أمر لم يتم الإفتاء به إلى يوم القيامة وبالتالي لامجال لفتوى جديدة . ولكن لنتساءل الآن عن ماهية دور علماء الدين والمختصين فيه تجاه الآخرين ، وحول هذا الموضوع قال الله تعالى:" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون" ... حيث أن التعمق في دراسة علوم الدين والتفقه فيه ليس ممكنا لجميع المسلمين مع انه واجب عليهم ولذلك فانه عندما تلتبس عليهم مسالة من المسائل فان الله تعالى يأمرهم بان يعرضوا الأمر على أهل الذكر ... أي العلماء . وهنا يقوم العالم بعرض حيثيات المسالة على الفتاوى التي أفتى الله تعالى بها ويجتهد في إعطاء رأيه الشخصي حول مدى اتفاقها مع تلك الفتاوى من عدمه أي لايتعدى دوره إجراء عملية القياس. ولذلك نجد اختلاف في الآراء بين عالم وآخر حول نفس المسالة وهذا يعود إلى اختلافهم في فهم الفتوى نفسها أو في فهم حيثيات المسالة أو في طريقة القياس . وقد تكون جميع آرائهم خاطئة وقد يكون احدها صحيحا ولكن يبقى الأمر عائدا لصاحب المسالة في تبني هذا الرأي أو ذاك حسب قناعاته. فكل إنسان مهما بلغ من العلم يمكن أن يخطا ولاسيما في مسائل الدين عدا الرسل والأنبياء ويؤكد ذلك قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه عندما كان واقفا عند قبر الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم:"كل شخص أو كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر" أي أن كل شخص يمكن أن يكون رأيه صائبا فيؤخذ منه أو خاطئا فيرد عليه رأيه ولا يؤخذ به عدا الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم لأنه لاينطق عن الهوى إذ هو إلا وحي يوحى . أي إننا نأخذ من الرسول عليه وعلى اله الصلاة والسلام ولا نرد عليه رأيه ليس لأنه رسول الله عز وجل فحسب بل لأنه لايأتي بشيء من اجتهاده الشخصي وإنما ينقل لنا ويبلغنا فتاوى الله عز وجل وأوامره ونواهيه التي أمره أن يعمل بها ويبلغها للناس. مما تقدم نستنتج انه لايحق لأحد من الناس مهما بلغ من العلم أن يفتي في أي أمر من أمور الدين إنما لهم الحق في الاستفادة مما اكتسبوه من علم بالبحث والاطلاع في أن يجتهدوا في إبداء الرأي كما أنا فاعل الآن فقد يكون رأيي أكثر ميلا إلى الخطأ منه إلى الصواب ، وهم بذلك يؤجرون ويثابون من قبل الله تعالى إذا كان اجتهادهم خالصا لوجهه الكريم سواء اخطئوا أم أصابوا إلا أن ثوابهم يضاعف في حال كان اجتهادهم صائبا فللمجتهد المخطئ حسنة وللمجتهد المصيب حسنتان كما اخبر نبينا ورسولنا العظيم محمد صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم وهو مايدل على أهمية العلم ومقام العلماء عند الله تعالى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |