عيد "المحبة" عراقي الهوى ينافس فالنتيان الغرب!!
 

 

د. نبأ البراك

nh4woman@yahoo.com

ما أن يطل شهر شباط (فبراير) حتى تسري حمى المنافسة في أسواق الغرب والشرق بالتفنن في عرض بضائعهم من الشوكلاته والعطور واللعب وغيرها وكل ماله وماليس له دلالة على الحب والهوى. وبأقتراب منتصف هذا الشهر يتبارى المحبون في جميع أصقاع الأرض على شراء الورود الحمراء التي ترمزللمشاعر الفياضة وقد أرتفعت أثمانها بضعفين أو ثلاثة ولربما نفذت هذه الزهور من المحلات والأرصفة قبل أن يتمكن حبيب مسكين حاول تدبير القليل من المال لشراء بعض منها لحبيبة كان يحلم بوصالها أو أم أو زوجة. ومع بزوغ فجر يوم الرابع عشر من شباط تستنفر حول العالم دوائر البريد و موظفيها للأسراع بتوصيل طرود الهدايا وتوزيع البطاقات البريدية ذوات الأغلفة الحمراء والأشارات والصور التي تدل على الحب والوله. أنه عيد "فالنتاين"

القس الذي توجه الغرب رمزا للحب والعاطفة . قصة هذا العيد أصبحت معروفة... وهي قصة الكاهن "فالنتاين" الذي أعدمه الأمبراطور كلوديوس الثاني في 14 شباط 268م. هذا الكاهن الذي كان يدعو للمحبة بين ابناء البشر. أما اللون الأحمر الذي غدا علامة العيد المميزة فيقال أنه دليل على الورود التي تنبت مكان مصرع أله الحب والخصب والجمال أدونيس بعد أن روته دموع حبيبته عشتروت فنبتت شقائق النعمان. تشير الموسوعة العربية الى أن لعيد فالنتاين طقوسا خاصة ، حيث يزداد الأقبال على الشكولاته، والأرانب البيضاء والدببة وتعرض بعض الشركات على موقعها في الأنترنت رسائل وبطاقات مجانية بهذه المناسبة، ومنها طباعة أشعار العاطفة والحب أو صورا ضاحكة على البطاقات لتوزيعها على الأقارب وعلى من تحب . في بريطانيا في أحدى السنوات بلغت مبيعات الزهور 22 مليون جنيه أسترليني.

وبأمكانكم أن تقرأوا على الشبكة الألكترونية مايزيد على سبعة روايات عن هذا العيد.

وسواء كنا نؤيد أم نرفض فكرة الأحتفال بعيد الحب، الا أنه أخذ يستأثر بأهتمام الكثير من المجتمعات والشعوب.

وصار الكثير من مراهقينا يقلدون مراهقي الغرب بفجاجة ومبالغة كبيرة. لفيف من البنات دخلن قاعة المحاظرات يوم 14 فبراير وقد أرتدت كل واحدة منهن ثوبا أحمر وألصقت على خديها رسوما لقلوب حمراء بعد أن وضعت مساحيق التجميل الحمراء على وجهها، وبدأن يتبادلن الهدايا ذات اللون الأحمر مع القبلات. هذا حدث في أكثر من جامعة ومدرسة في البلاد العربية والأسلامية. وفي معظم الدول العربية تنظم المطاعم والمراكز التجارية أحتفالات خاصة بهذه المناسبة، ويغلب اللون الأحمر على الأجواء فتلبس الطاولات الكسوة الحمراء وتنتشر البالونات والدمى الحمراء في كل مكان.

هذه مشاهد يعرفها شبابنا من خلال شاشات الفضائيات، لكن الذي لايعرفونه هو عيد "المحبة" العراقي. يوم يتسم بالبساطة والطيبة والنية الحسنة، يوم يتواصل فيه الأنسان مع الطبيعة ومع خالقه.

عشت سني طفولتي الأولى على ضفاف شط الحلة الفيحاء وكنت أشاهد بعض البنات والنسوة يرتدن كثيرا هذا الشط لممارسة بعض الطقوس وخاصة في يوم معين من السنة يقولون أنه يوم (المحبة ). تأتي النسوة والفتيات ببعض من سعفات النخيل ويقمن بقطع مؤ خرة السعفة وتسمى (كربة النخلة) ثم تلصق الشموع على هذه الكربة، وعند الغروب (تسليم الشمس) يتم أيقاد الشموع ثم ترمى الكربات بما تحمل من أمنيات الى النهر مصحوبة بقراءة بعض الأدعية. هؤلاء النسوة والفتيات يعاهدن الله على الوفاء بنذورهن حين ينلن المراد بوصال لحبيب. وتسير النسوة و الفتيات مع النهر بصحبة شعلة من الأضواء و الأمنيات تسبح الهوينا على سطح الماء الهادئ.

ويقال أن هذا اليوم هو ميلاد الرجل الصالح الخضر الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قصته المعروفة مع نبي الله موسى (عليه السلام) ويقال بحسب المعتقدات القديمة إن الخضر يتخذ دائماً من ضفاف الانهار مكاناً له. أنه منظر جميل خلاب تظهر فيه هذه الأنوار الطافية التي تتهادى مع النسيم كأنها مواكب من نور. ويستمر الموكب الطافي المتللأ وعيون النساء والفتيات مسمرة عليه وكل واحدة منهن ترجو من الله أن تكون ذؤابة شموعها آخر من تنطفئ وهذا يعني أن المراد حاصل بأذن الله. هذا المنظر تكرر أمامي عندما أنتقلنا الى بغداد وجاورت دجلة الخالد. فكنت أراقب الفتيات والنسوة وهن يؤدين هذه الطقوس بعد زيارة ضريح الرجل الصالح " الخضر عليه السلام" في جانب الكرخ.

أراقبهن وقت الغروب حين ينزلن الى الشريعة (جرف النهر) ليطلقن أمنياتهن محمولة على مواكب النور التي تنطلق الى المجهول مع مياه دجلة الكريم المعطاء الذي يعطي أكثر مما يأخذ.

اليوم المرأة العراقية تشعل الشموع للضحايا والشهداء الذين يتساقطون في كل لحظة ونسيت في خضم الحياة وزحمتها وفقدان أمانها ومسرتها نسيت أن تحب نفسها وحق هذه النفس عليها، ونسي شبابنا شبابهم وشاخوا قبل الأوان. كلنا نسينا حب الوطن والأم والأخ والأخت والجار والطير والحجر والشجر . الأنسان العراقي بحاجة لشئ يطفئ النار التي تحرقه. فالحب موجود دائما ولكنه أصبح بحاجة لأن يذكرنا بوجوده ليطل علينا بيوم معين من السنة ليقول: يأيها الأنسان أنظر الى نفسك، الى قلبك، لايزال الحب موجود!

وفي قلبك فسح كثيرة للتسامح والمحبة والتفاهم والمشاركة.

هأنذا قابع دون حراك في ركن قصي في أحدى زوايا نفسك ولا تستطيع قوى الدنيا أن تزيحني من أعماقك. أنها مسئوليتنا نحن الآباء علينا أن نأخذ بيد أولادنا لننبش التراث سوية لنستخرج كنوزه ونستعين بها على قسوة الأيام. لماذا عيوننا ترنو الى الغرب دائما فننفتن بهم وننسى كنوز تراثنا. لماذا تجذبنا الوصفات الجاهزة ولا نسعى لتطوير وتحديث ماعندنا؟ لماذا شبابنا يبحثون عن فالنتاين الغرب وعندهم المحبة في موروثهم الديني والثقافي الغزير؟

الخضر "عليه السلام" منزلته ومكانته كبيرة عند المسلمين والنصارى واليهود وقصصه مذكورة في جميع الكتب السماوية .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com