|
انطلقت خلال الايام القلية الماضية عدة نشاطات مطلبية، شملت قطاعات عديدة، وطالب منظموها بتحسين المستوى المعاشي، وتعديل سلم الرواتب واعادة النظر بنظام التمويل الذاتي المعمول به في عدد من الوزارات، وحسم تعيين موظفي العقود المؤقتة وتغيير صفتهم الى الملاك الدائم. من بين تلك الفعاليات الملموسة هو اعتصام الكوادر الهندسية والفنية امام مبنى المديرية العامة للسدود والخزانات التابعة لوزارة الموارد المائية احتجاجا على قلة رواتبهم ومخصصاتهم المالية، وكشفوا، في الوقت ذاته، خطورة الأوضاع التي ادت الى وفاة عدد من الموظفين خلال العمل الوظيفي. كما تظاهر المئات من أعضاء نقابة المهندسين العراقيين في محافظة كركوك، مطالبين بزيادة أجورهم، مهددين بالاضراب عن العمل في حال عدم تلبية مطاليبهم. كذلك طالب عدة مئات من الفنانين العراقيين بتحسين مستواهم المعاشي أسوة بموظفي الدولة، والاهتمام بالفن والفنانين العراقيين كما هو حاصل في دول العالم، وتخصيص مرتبات توازي عطاءهم الفني على مدار حياتهم المعطاء. وقد لا يصدق احد حينما يعرف ان رواتب الفنانين في دائرة السينما والمسرح تتراوح بين 100 ألف دينار و200 ألف دينار والحد الاعلى لها هو 300 ألف دينار! وشملت الحركة المطلبية الاحتجاجية الاطباء البيطريين ايضا في عدد من المحافظات، ونفذوا إضرابا ًسلميا مطالبين بتحسين اوضاعهم المعيشية وشمولهم بمخصصات بدل العدوى والخطوره شأنهم شأن أقرانهم الأطباء البشريين، وإضافة اللقب العلمي لهم واحتسابه لمخصصاتهم المهنية، كما طالبوا بالعمل بنظام التعيين المركزي. لقد استخدمت الحركة المطلبية الاحتجاجية في نشاطها، الوسائل السلمية، ومارستها بمنتهى الرقي والتحضر، وعبرت بذلك عن وعي ديمقراطي عالٍ، وإدراك للمسؤولية، والتزام بالمهنية، وغني عن القول أن الحركة المطلبية هي حركة مشروعة ضمنها الدستور. لم تتفاجأ الحكومة بهذه الاحتجاجات، فقد لجأ اليها المحتجون بعدما قطعوا شوطا غير قليل في محاولة إيصال صوتهم إلى الوزارات المسؤولة، مستخدمين مختلف الوسائل الممكنة، ابتداءا من اللقاءات المباشرة مع السادة الوزراء والمسؤولين الاخرين، إلى رفع العرائض وتقديم المذكرات لهم، ثم الانذار بالقيام بهذه الحركات، والابلاغ عن موعدها، عسى ان يتم النظر في تلك المطالب العادلة والحقوق المشروعة. لكن الاصغاء الى تلك المطالب لم يكن بالمستوى المطلوب، والوعود التي اطلقت لم ترَ الكثير منها النور، والنتائج التي تحققت لم تلبِ الغرض المطلوب بما يكفي. لكن هذا لم يوقف الحركة المطلبية ولا أوهن عزيمتها، فالحركة تملك امكانيات غير قليلة، وياتي في مقدمتها مشروعية مطالبيها، وامكانية الاستجابة لها، وحسن تنظيمها رغم حداثة انطلاقتها. فاعتصام المعلمين اعطى درسا مهما، وكان هو الابرز، وذلك لسعة شريحة المعلمين، وشمول الاعتصام لعدد من المحافظات في يوم واحد. ورغم ان الاحتجاجات التي حدثت في الايام الماضية لم تتم تغطيها من طرف وسائل الاعلام كما يجب، لكن الحركة المطلبية الاجتماعية الاحتجاجية بينت انها، حركة تنمو بسرعة، وتنظم بشكل رائع، وتسير سيرا طبيعيا، وتتطور بشكل ملفت للنظر. فرغم الجو السياسي المضطرب حافظت تلك الحركة على مهنيتها، دون أن تسمح لأي طرف باستغلالها لحسابات سياسية قصيرة النظر واجندات لا علاقة لها بمطالب الشرائح المشار اليها اعلاه. وبهذا استطاعت تلك الحركة المحافظة على محتواها المطلبي الاجتماعي، وركزت على اهدافها، وسلطت الضوء على مشروعيتها، رغم قلة الامكانيات وحداثة التجربة. لقد انطلقت الحركة المطلبية، وربطت بمهارة نشاطها المطلبي بالبعد الوطني وبالمحتوى الديمقراطي. انطلقت قوية فهي امتداد للحركة الاجتماعية العراقية، حركة الجماهير نحو مصالحها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية. فالتحولات التي يراد لها ان تحدث في عراق اليوم، يدور حولها صراع كبير، صراع محتدم، حول شكل الدولة ومحتواها، وحول مصالح الناس ومن يتبناها. ولشبعنا العراقي ارث واسع في هذا المجال يمكن الاستفادة منه، للانطلاق نحو احقاق حقوق شغيلة اليد والفكر، من عمال وفلاحين ومهندسين واطباء واستاذة وفنانين وأدباء وكل من يسعى لبناء العراق الجديد ويشترك في صناعة بهجة الحياة فيه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |