|
أعلن دولة السيد رئيس الوزراء الفريق الركن الدكتور نوري كامل المالكي عن نجاجه في تحقيق مصالحة وطنية, كما أعلن من قبل عن نجاحه في إحلال الأمن في العراق وكنتيجة لذلك أصدر دولته مرسوما حكوميا يقضي بحل دائرة الكيانات المنحلة التابعة لمجلس الوزراء!! بعد ان انهت مهمتها بنجاح ساحق وبالتالي لا حاجة لوجود مثل هذه الدائرة بعد تحقق المصالحة الوطنية بنظر السيد رئيس الوزراء ومستشاريه الذين أشاروا عليه بذلك. ولاأريد هنا ان اناقش حل هذه الدائرة التي لحقتها لعنة الأنحلال بأعتباره مؤشر على تحقق المصالحة الوطنية ,لأن القضية أكبر بكثير من ان يتم إختزالها في دائرة واحدة تخصصت بإعادة بعض منتسبي الكيانات المنحلة الى دوائر الدولة, ولكني أريد مناقشة إدعاء المالكي وأجهزته الأعلامية حول تحقق المصالحة الوطنية وماهي مؤشرات ذلك على أرض الواقع العراقي. فالمصالحة الوطنية تقتضي على الصعيد السياسي البدء بالتصالح من الدوائر الضيقة ومن ثم الصعود الى الدوائر الأكبر.وأول هذه الدوائر هي الدائرة الحزبية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء , فرئيس الوزراء لم ينجح ولحد هذه اللحظة في تحقيق مصالحة داخل حزبه الذي يعاني من الأنقسام بعد المؤتمر الأخير للحزب والذي أدي الى تجميد رئيس الوزراء السابق الدكتور إبراهيم الجعفري لنشاطه الحزبي الأمر الذي افرز جناحين داخل الحزب عجز المالكي عن ردم الهوة بينهما, بل إن الأمور تسير نحو الأسوأ خاصة مع عزم الجعفري الأعلان عن ولادة تياره الجديد خلال الأيام القليلة القادمة. وإذا إنتقلنا الى دائرة أكبر ألا وهي الدائرة العامة لحزب الدعوة الذي عانى من الإنقسامات والتشظي في الماضي, فإن المالكي لم ينجح بتحقيق مصالحة مع التنظيمات الأخرى التي تحمل إسم الدعوة وخاصة حزب الدعوة تنظيم العراق , بل إن الواقع يشير الى عدم وجود إمكانية لذلك في ظل غياب أي مبادرة من قبل المالكي في هذا الأتجاه. وأما على صعيد دائرة كتلة الأئتلاف العراقي الموحد التي ينتمي إليها المالكي والتي جاءت به الى سدة الحكم , فلم ينجح المالكي وطيلة الفترة الماضية في الحفاظ على تماسك هذه الكتلة بل إن سياسته الحزبية الضيقة ادت الى مزيد من الأنشقاق والتصدع في هذه الكتلة. فبعد إنسحاب كتلة مهمة ككتلة الفضيلة من الإئتلاف جاء دور الكتلة الصدرية التي إنسحبت من الحكومة فضلا عن بروز عدد من المجاميع الصغيرة التي هي في طريقها للأنسحاب من كتلة اللأئتلاف. ولم ينجح المالكي في حمل حلفائه في كتلته على العودة اليها , بل إن سياساته أدت الى مزيد من التشنج في علاقاته مع أخر حلفائه وأعني المجلس الأعلى الذي إضطر في الأونة الأخيرة الى توجيه إنتقادات علنية لرئيس الوزراء ولسياسته. واما على صعيد علاقته مع القوى السياسية الأخرى والتي دخلت معه في الحكومة عند تشكيلها وإنسحابها لاحقا منها إحتجاجا على طريقته في إدارة الدولة والتي تذكر بطريقة حزبه في إدارة الجمعيات الثقافية في المهجر , فلقد فشل فشلا ذريعا في التصالح معها , بل إنه لم يكلف نفسه عناء طرح أي مبادرة للتقارب مع قوى سياسية مهمة ككتلة التوافق والعراقية وغيرها. فقد ادت سياسته الى مزيد من الإنشقاق والأنقسام الطائفي بسبب تفرده وجناحه الحزبي بالسلطة فرئيس الوزراء لم يبدو ولا يبدو مستعجلا لسد الفراغات الوزارية ولا يبدو ميالا لذلك بعد إن إستغل حالة الفراغ الوزاري وملأها بالحزبيين من جناحه الحزبي, فالوزارات الشاغرة مسيطر عليها إما من وكلاء وزارات او مفتشين عامين او وزراء بالوكالة ينتمون الى جناحه الحزبي ولا ضير أن تبقى الحكومة ناقصة وإن أدى ذلك الى تعميق الخلافات والأنقسام بين القوى السياسية وبين المكونات العراقية المختلفة . لقد أدى هذا الوضع الشاذ الى ظهور حالة من اليأس لدى العديد من المكونات العراقية دفعتها الى الهجرة حارج البلد. واما على ارض الواقع فلازالت المناطق العراقية مقسمة على اساس عرقي ولازالت الجدران الكنكريتية تفصل المناطق ولازال العراقيون خائفون من التنقل بين المناطق المختلفة. ولحد الأن لم يعد المهجرون الى ديارهم ولازالت أفواج العراقيين تهاجر بعيدا عن أوطانها ثم يأتي رئيس الوزراء ليتحدث عن مصالحة وطنية فعن أي مصالحة يتحدث دولة رئيس الوزراء! إن طريق المصالحة طويل وصعب ووعر ويحتاج الى إجراءات حاسمة . ولعل البعض يتسائل عن سر فشل رئيس الوزراء في تحقيق ذلك. ولكن إذا عرف السبب بطل العجب . والسبب هو أن رئيس الوزراء متخاصم مع نفسه ومن يعجز عن التصالح مع نفسه فهو أعجز من ان يحقق مصالحة وطنية حقيقية. وذلك لأنه يعاني اليوم من صراع داخلي مرير بين متطلبات الحكم وبين الثوابت الفكرية التي تربى عليها السيد رئيس الوزراء وربى عليها كوادره الحزبية. فبعد عقود من التثقيف الحزبي القائم على فكرة إقامة دولة إسلامية وفقا لنظرية المراحل التي أمن بها حزب الدعوة والتي كلفت الشعب العراقي الكثير ,وبعد ان بقي المالكي ثابتا على مواقفه فيما يتعلق بالتدخل الأمريكي في العراق الذي عارضه المالكي ورفض الدخول كطرف فيه وبعد ان دعا المالكي وبعد سقوط النظام الصدامي الى إجهاض المشروع الأمريكي في العراق بإعتباره خطرا على الأمة الأسلامية من وجهة نظر الأسلاميين, يجد المالكي نفسه يوما بعد الأخر وبدون ان يشعر مندكا بالمشروع المريكي بل ومسوقا له حتى انه أصبح حجر الزاوية في هذا المشروع. إن مثل هذا التبدل في السريع في المواقف والذي فرضته السلطة واحكامها قد اوقع المالكي في صراع داخلي رهيب بين ما يؤمن به من مباديء وثوابت وبين ما يقوم به من افعال ولقد أدى به هذا الصراع الى السقوط مغميا عليه قبل مدة . ولذافإن رجل بمثل هذه الحالة الصعبة سوف يكون اخر من يحقق مصالحة وطنية وإن اراد النجاح فعليه ان يحل أولا أزمة التناقض هذه التي يعاني منها ومن ثم ينطلق لحل أزمات العراق, ولا اظن ان المالكي سينجح في ذلك ولذا فمن الأولى له إن اراد الخير للعراق ولنفسه ان يترك رئاسة الوزراء لمن لايعاني من مثل هذه الأزمة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |