صفقات مشبوهة..والقادم أعظم..!!

 

 

هادي فريد التكريتي/عضو

 اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

في الأسبوع المنصرم مررت سلطة المحاصصة، بعد حالة استعصاء، ومنازلة للي الأذرع، بين القوى السياسية المسيطرة على المجلس النيابي، ثلاثة مشاريع داخلية، يتعلق الأول بالميزانية، وحصة الكورد فيها، والثاني  يخص قانون المحافظات وفدرالية " الحكيم " الموسومة فدرالية الوسط والجنوب، والمشروع الثالث، قانون المسائلة والعدالة، إرضاء لأطراف متعددة، بعثية وإسلاموية وقومانية، بعض من هذه القوى ممثل في السلطة، والبعض الآخر، لا زال يحمل السلاح،  ضد الاحتلال أولا" وضد الحكومة ثانيا"، إلا أن فعله الحقيقى، وضرره المباشر  واقع على جماهير الشعب، المتضررة من الجميع، من الاحتلال ومن الحكومة الطائفية وميليشياتها،ومن قوى الإرهاب..هذه المشاريع الثلاثة، وإن كانت لا تخلو من أهمية على أمن وحياة ومعيشة جماهير الشعب، إلا أنها كانت تحتوى أيضا على إقرار واقع طائفي وعنصري، تناهضه غالبية القوى الوطنية والعلمانية، وجماهير شعبية واسعة، لا مصلحة لها في تقسيم العراق إلى كانتونات طائفية وعنصرية، ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها، تجاه قوى إقليمية، عربية وأجنبية، طامعة في ثروات العراق، والأهم ما  تؤسس عليه،  لفرقة وطنية، لا تخدم  سوى الاحتلال وأعوانه، كما تضمنت هذه الصفقة، إطلاق سراح الكثير من المجرمين والقتلة، وهذا بالضبط ما أقدم عليه النظام البعثي الفاشي، قبل سقوطه،  هذه المشاريع التي مُرِرَتْ، لم تكن القوى السياسية التي مررتها، حريصة على الشعب ومصالحه، بقدر ما كانت حريصة على تحقيق مصالح فئوية، طائفية وعنصرية، وبذلك أثبت الجالسون في الهيئة التشريعية، أنهم غير جديرين بتمثيل من انتخبوهم، كما لا تهمهم وحدة الشعب العراقي، وغير حريصين على مصالحه، بقدر ما كانوا شهود زور على تقسيم العراق ونهب ثرواته، وإبقاء حالة الصراع دائمة وقائمة بين طوائفه ..

الإدارة الأمريكية، وقوى الاحتلال، كانت تضغط على الحكومة، و مجلس الرئاسة، وعلى القوى الفاعلة في البرلمان، لتمرير "صفقة" المشاريع، وبالرغم من أن هذه المشاريع هي داخلية، إلا أن إقرارها يمثل  خطوة متقدمة لبدء  بتنفيذ الخطوة  الأهم في أجندة الإدارة الأمريكية، لتقرير بقاء وتواجد قوات الاحتلال وقيادتها، في العراق، فبعد أن تحققت الموافقة على  تمرير المشاريع الثلاثة، بصفقة واحدة ومن دون"إضاعة" للوقت في مناقشة بنودها، سارعت إدارة قوات الاحتلال والسفارة الأمريكية، على إعلان ارتياحهما بالقول " شعر مسؤولون أمريكيون بشيء من الارتياح لاتخاذ السياسيين في بغداد خطوة تقربهم من الإستقرار السياسي المفقود في البلاد.." والحقيقة أن مبعث هذا الارتياح هو ليس  توافق هذه القوى فيما بينها لمصلحة البلد أم من عدمه، بل من أجل تهيئة الأجواء الجديدة للبدء في محادثات ثنائية، بين الجانبين الأمريكي والعراقي، لعقد اتفاقيات ومعاهدات طويلة الأمد، والتي سبق وإن أعلن عنها الجانبان، الأمريكي والعراقي،تمشيا مع قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1790 في 18 كانون الأول 2007، والذي أُعلن فيه عن انتهاء بقاء قوات " الاحتلال "في العراق، حتى 31 كانون الأول 2008، وهذا آخر موعد، وآخر طلب من الحكومة العراقية، لتجديد بقائها في العراق، لذا تحاول الإدارة الأمريكية، والحكومة العراقية، التعجيل بالمباشرة والتفاوض على الشروط والنصوص التي ستتضمنها هذه الإتفاقيات والمعاهدات،حيث ستبدأ المفاوضات خلال الأيام القادمة، على أن تتم الموافقة والتشريع، للاتفاقية، قبل 31 من تموز القادم...

 من تحصيل حاصل إذا قلنا أن الإدارة الأمريكية، ستضغط بكل ما لديها من وسائل ضغط، للتاثير على سير المحادثات، لأن تكون نصوص ومواد  الاتفاقيات والمعاهدات التي ستبرمها مع الحكومة العراقية، لصالحها، مستثمرة ما يمكن أن يحدثه تواجدها العسكري، على الأرض العراقية، من تأثير على نفسية الوفد المفاوض العراقي، كما هي ستستثمر كل العلاقات، السياسية والاقتصادية والثقافية، التي أقامتها مع مختلف القوى والفئات القومية/العنصرية، والدينية /الطائفية، قبل وبعد احتلالها للعراق، وما قدمته لبعض هذه القوى من مكاسب سياسية واقتصادية، لتمارس ضغوطا على المفاوض العراقي، من أجل تنازل أو تساهل في حقوقنا الوطنية.. 

 الشعب العراقي، وحركته الوطنية العراقية، لهما تجربة ثرة، وغنية في أغراض ومرامي حكومات الاحتلال، فالاحتلال البريطاني، بداية احتلاله للعراق في العام 1914  أعلن أنه جاء " محررا لا فاتحا  " إلا أنه عندما أبرم معاهدتي  1922 و1930، كرس في هاتين المعاهدتين الذل والعبودية للشعب، وقد حاول الاحتلال البريطاني، تجديد واستبدال هاتين المعاهدتين، بمعاهدة " بورت سموث "  أخطر وأثقل قيودا من سابقتيها، نظرا لانتهاء ظروف الحرب العالمية الثانية، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الصراع في العالم، تطلبت المصلحة البريطانية عقدها، على الضد من مصلحة الشعب العراقي، وطلائعه السياسية، من أحزاب وقوى قومية وطنية، وديموقراطية وشيوعية، التي عرفت ليس كيف تجهض إبرامها فقط، وإنما عرفت أيضا كيف تقبر هذه المعاهدة وإلى الأبد، بدماء شهداء الشعب، في وثبة كانون المجيدة في  العام 1948، ودحرجت رؤوس  منفذيها وفارضيها على الشعب، في ثورة 14 تموز  1948،  كما وصمت نظام الحكم ورجاله آنذاك، وكل من حاول إبرامها بالعار والخيانة...

 واليوم الإدارة الأمريكية، وفي ظرفنا السيئ، تحاول أن تعيد تجربة وثبة كانون الخالدة في ضمير الشعب، بمسميات أخرى،  إلا أن هذه الإدارة،  تنطق بنفس المفاهيم الاستعمارية آنئذٍ، وتنطلق من نفس التجربة البريطانية يوم ذاك، مع اختلاف في الوقت والأدوات،  فهل التاريخ يعيد نفسه، أم نحن نستعيد قراءة أحداثه ونتائجه،  مذكرين حكامنا الجدد، بعد خمسين عاما، بان التاريخ لن يرحمهم، ولن يرحم من يفرط بحق من حقوق العراق وشعبه، بمثل بنود  تلك المعاهدات المقبورة، وربما سيكون الحكم عليهم أسوء، ممن سبقهم، نظرا لتوافق  مفاهيمهم، الوطنية مع العمالة، وتطابق مقاييس،السيادة مع الاحتلال، ومن دون حياء أو خجل،  يشبك علم الاحتلال ويعانق علمهم، علم الله أكبر، في منطقة خضراء، كانت يوما، رمزا لسيادة مهزومة، والآن،  الحكم والاحتلال، يتقاسمون غرف النوم والعمل، وليس من يفرق بين عراقي وأمريكي، وكثيرا ما يتوهم الأمريكي، دخول مقر الرئاسة أو مقر الحكومة، (دون إحم ولا دستور) معتقدا أنها سفارته، أو مكان إقامته ونومه، ومن هنا  نتوقع الخطر، إذا خلط الحكم بين مصلحته الخاصة والمصلحة الأمريكية..!

 المسؤولية الكبرى تقع على عاتق القوى الوطنية والديموقراطية،الممثل الحقيقي لمصلحة الشعب العراقي، ليس في التذكير بموعد البدء بهذه المحادثات فقط، أو إبداء وجهة نظر مقتضبة، لا تغني عن تبيان خطورة وأهمية الحدث، كما لا يمكن إلقاء المسؤولية على عاتق الحكومة العراقية فقط، كما فعلت (طريق الشعب) مع توضيح مقتضب لما يتطلب الأمر من " تهيئة مستلزمات تحقيق إجماع وطني تستند عليه في مفاوضاتها القادمة " إن المسؤولية الكبرى والمهمة، هي مسؤولية استنهاض الشعب بكل قواه، تتحملها القوى السياسية الوطنية والقومية الديموقراطية، سواء أكانت ممثلة في البرلمان أم لا، وعلى الحزب الشيوعي، وكل اليسار، بمختلف أشكاله وتنوعاته، تقع مهمة ومسؤولية  تتبع مسار هذه المحادثات، ونشر كل خطواتها، وبشافافية كاملة، في كل أجهزة الإعلام المتوفرة لهذه القوى، خصوصا وإن الحزب الشيوعي ممثل في البرلمان، وله موقع وثقل بين القوى السياسية يفوق عدده، مع التذكير بأن الشعب العراقي عندما قبر معاهدات النظام الملكي، لم يكن للحزب الشيوعي، أو اليسار،  أي موقع في البرلمان والحكومة، ومن هنا تتأتى، مسؤولية الحزب الشيوعي، وضرورة التعاون مع كل القوى الوطنية، ومسؤولية هذه القوى كبيرة ومهمة، في مجال المتابعة وتحشيد الجماهير، وإطلاع الرأي العام العراقي والعربي والعالمي،أولا بأول على مسار المفاوضات، كما أن الظرف السياسي مهيأ لنقلة نوعية في مكانة القوى الديموقراطية بشكل عام واليسار بشكل خاص، نتيجة لفشل الحكم في تنفيذ برنامجه الذي أعلن عنه،ورِدَةُ فعل  المرجعيات الدينية / الطائفية، وأثرها الفاعل على هذا الحكم، التي بدأت تحذر من ارتهان المفاوضات بين أركان غرف المتفاوضين، وهي ليست (المرجعيات) مع عقد اتفاقية دون تمحيص موادها وبنودها في كل مراحلها.. وهذا الظرف ما يجب أن تستغله القوى الوطنية و الديموقراطية، للضغط على المفاوض العراقي بأن يعلن عن كل مرحلة من مراحل التفاوض،  ونشر ما يتم التوصل إليه بهذا الصدد،تقوية  لمركزه أثناء التفاوض، خصوصا وأن وزير الخارجية وصف الاتفاقية بأنها " استراتيجية وطويلة الأمد للتعاون بين أمريكا والعراق..."

 كل الدلائل تشير أن الحكم غير قاد على إبرام هذه المعاهدة " الاتفاقية "، طويلة الأمد والاستراتيجية،لكونها تحتوي بنودا وأهدافا كبيرة، تؤثر على حياة ومستقبل الشعب العراقي لأجيال متعددة  ولفترة طويلة،وتحتاج لحكومة وحدة وطنية حقيقية، تتمتع بثقة الشعب كله، وليست حكومة محاصصة طائفية / عنصرية، تساوم على حقوق الشعب والوطن، من أجل الطائفة أو العشيرة،  فهذه الاتفاقية إن  أُبرمت، في ظل الحكومة القائمة، فهي صفقة مدانة ومشبوهة..!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com