|
السنوات الخمسة الماضية والسنوات الخمسة المقبلة .. مراجعة للعملية السياسية من منظور آية الله المدرسي
جميل عودة/ مركز العمل للدراسات الإستراتيجية إن صلاح وفساد الأمم والشعوب يرتبط بصلاح أو فساد مؤسستين كبيرتين في المجتمع الأولى المؤسسة الدينية والثانية المؤسسة السياسية؛ فإذا صلحتا صلح المجتمع، وإذا فسدتا انحرف المجتمع، فهاتان المؤسستان هما اللتان تفرخان وتمدان المؤسسات المجتمعية بالقيادات الدينية والسياسية والإدارية التي ترفع من مستوى تقدم البلاد وازدهارها، أو تساهم في تأخرها وانحطاطها. فربما تعاني بعض الشعوب في العالم من مشاكل اقتصادية ومالية، ومشاكل اجتماعية وثقافية، ومشاكل إدارية وفنية وسوء في التخطيط والعمران وغيرها، ولكن هذه المشاكل كلها مشاكل ثانوية وهي نتيجة وخلاصة لمشكلة أهم وأكبر، مشكلة هي أساس وسبب المشاكل كلها وهي القيادة بطرفيها السياسي والديني، وهي رغم وضوحها ولكن الناس عادة يغفلون عنها وينشغلون بالمشاكل الأقل . هذه الحقيقة كشف عنها المرجع المدرسي في إحدى محاضراته أمام حشد من رجال الدين والقيادات المحلية والسياسية في كربلاء حيث أكد بضرس قاطع أن مشكلة الشعوب والأمم إنما تبدأ "عندما يقودها ويسودها الجهال وسفلة الرجال، ومثل هؤلاء إذا سادوا فأنهم يقودون حسب أهوائهم وحسب أجندتهم وعصبياتهم وتحزباتهم.. إذا كان الغراب دليل قوم إلى أين يدلهم؟ إلى دار الخراب كما يقول الشاعر، والناس على دين ملوكهم، حينما يجد الناس الرأس، ذلك الكبير يقوم بمثل هذه الأمور، فمن الطبيعي أن الناس أيضا يقومون بنفس هذه الأمور" فإذا كانت مشكلة شعوبنا في قياداتها؛ فالسؤال هنا ما هي السبل التي تجعلنا نضع في مواقع القيادة ومواقع السيادة الرجال المؤهلين، أصحاب الكفاءة والخبرة والأمانة، وأصحاب الدين والعلم والإيمان، وأصحاب الشجاعة والتقوى؟ يرى آية الله المدرسي أن هناك وسيلتان أساسيتين لإعداد واختيار وانتخاب القيادات الكفوءة للأمة وهما: الأولى: هي الحوزات العلمية؛ لان الحوزة العلمية هي التي ترشح في داخلها الرجال الأكفاء للقيادة؛ وهؤلاء حينما يسودون وتلتف حولهم الحوزة، شيئاً فشيئاً يقودون الأمة، أي أن الأمة تنظر إلى الحوزة، والحوزة تصقل وتنظر إلى الرجال الأكفاء في داخلها بعيدا عن العنصرية والجنسية والقومية، بعيدا عن المكان، بعيدا عن كل الاعتبارات الأخرى، لذا، تجد في الحوزة العلمية رجال من العراق ومن أفغانستان، أتراك وإيرانيين وهنود وباكستانيين، ومن كل مكان، والناس عندما يقلدون مرجعاً لا يسألون عن جنسيته، إنما يؤمنون ويثقون بدينه وعلمه وكفاءته. إلا أن المرجع المدرسي يرى أن هناك من لا يريد للحوزة الدينية أن تأخذ دورها في إعداد وصناعة القيادات الربانية الأمينة فـ"هناك تخطيط خبيث ومؤامرة وكيد في سبيل إضعاف الحوزات العلمية والعلماء والربانيين في هذه الأمة، إضعافهم وإبعادهم عن قيادة مسيرة الأمة، ثلاثون عاماً يعلم الله تعالى ماذا عانت الحوزات العلمية في العراق، في مدينة كربلاء المقدسة قد محيت الحوزة عن بكرة أبيها، هدمت ومحيت مدارسها، وعلماؤها بعض قتلوا، وبعض هجروا ...الخ ... أما في النجف الاشرف فأن بعض مراجع الدين الكبار قد استشهدوا وانتم تعرفونهم، كالشهيد محمد باقر الصدر رحمة الله عليه، والشهيد الصدر الثاني، رحمه الله، والشهيد الشيخ الغروري، والشهيد الشيخ البروجردي رحمهم الله ومثل هؤلاء بالعشرات من كبار أساتذة الحوزة الذين شردوا وعذبوا وقتلوا.. وبعد التغير وسقوط النظام البائد، فان المرجع المدرسي أيضا يستنكر ما تؤول إليه الحوزة العلمية في ظل النظام السياسي الجديد "فأين دور الحوزات وأين المكانة والرعاية التي يجب أن تولى لها؟ كُتب الدستور العراقي بفضل العلماء، اقر بفضلهم وفتواهم وتوجيههم وأمرهم، لكن للأسف قد ترى اليوم نوعا ما لا يوجد احترام لكلمة العلماء ودور المرجعية وحقهم في الأمة... بعد تلك التضحيات العلماء يعيشون في ظروف صعبة، لا حوزات لا مدارس علمية بالقدر الكافي والمطلوب، أخواني تعالوا وانظروا لا يوجد عون ودعم للعلماء ولا يوجد اهتمام بالحوزات العلمية والمساجد، وفي الشارع يبثون دعاية ضد العلماء وضد دور العلماء والمعممين ولا يوجد من يدافع، هؤلاء هم الأمان لهذه الأمة، هم الذين بنوا هذه الأمة، هم الذين بجهودهم ودمائهم ودموعهم وسهرهم في الليل وعملهم في النهار من اجل خدمة هذا البلد جعلوه يقوم ويقف، واليوم نسمع الكلام والذي يأتي من وراء الحدود، هناك أجندة هناك خلل، يبثون مثل هذه الدعايات والدعوات، وعلى الحوزات العلمية بدورها أن تنظم نفسها أن توحد كلمتها أن تبني مؤسساتها وتكون في مستوى التحدي في هذا اليوم، وعلى الناس أيضا أن يهتموا بهذا الجانب لأنه لو انتهت هذه الحوزات لا سمح الله، أمان هذا البلد ينتهي". الثانية: الأحزاب السياسية: وذلك حينما تتبلور في داخل الأحزاب السياسية المخلصة في داخل هذه المؤسسة السياسية رؤية اتجاه العناصر الأكثر كفاءة والأكثر نزاهة وأكثر قدرة على الإدارة، ومن ثم هذه المؤسسات تطرح مثل هؤلاء الرجال الأكفاء على الأمة. ويحدد المرجع المدرسي الأدوار والأهداف التي يجب أن تتشكل على أساسها المؤسسة السياسية في العراق فيقول "نحن بحاجة إلى مؤسسات لا يكون هدفها التحصيص، أي كل واحد يفكر بحصته، نحن نريد من الأحزاب الدينية والأحزاب الوطنية الرشيدة أن يكون هدفها خدمة الأمة، وبناء الكوادر المتميزة والمتفوقة والقادرة على قيادة هذه الأمة.. في هذه الأمة يوجد رجال صالحون؛ لكن من الذي يبحث عن هؤلاء؟ يفتش عن هؤلاء ويبرز هذه الطاقات ويدفعها إلى الأمام؟ إن دور الأحزاب هو هذا، الدور الحقيقي للأحزاب ليس أن تذهب وتدخل كشريك في الأمة بل تكون كخادمة للأمة، تدخل في الأمة لأجل الإصلاح وبناء المؤسسات الحقيقية في الأمة، كذلك التيارات بمختلف أنواعها. ويقارن آية الله المدرسي بين هذه السنوات الخمسة الماضية وبين السنوات الخمسة المقبلة فيقول عن الماضية "يجب أن نمحوها من تاريخ حياتنا، سنوات يندى لها جبين الإنسانية، ما حدث في العراق خلال السنوات الخمس الماضية لا يشرفنا، حلت وارتكبت فيها فجائع مثل القتل والنهب والذبح وانعدام الأمن والاضطرابات وغيرها، خمس سنوات عجاف كسنوات يوسف الصديق. وعن السنوات القادمة فيقول "تعالوا نفكر للسنين القادمة، في الخمس سنوات القادمة مثلا وما بعدها، خمس سنوات جدد نخطط فيها لحاضرنا ومستقبلنا، إذ بإمكاننا أن نبدل أمورنا، أن نجبر كسرنا أن نستفيد من هذه التجربة المرة ونعتبر منها ونخطط لمستقبل أفضل، فالعراق يسع الجميع وأكثر، العراق خيراته كثيرة، فاتفقوا مع بعضكم حتى ترتاحوا، لا أن يكون احدٌ بجانب آخر ولا يريد للثالث أن يأتي معهما!، تفسحوا يفسح الله لكم، اتفقوا على تقسيم خيرات البلاد بينكم بالعدل والسوية حتى ترتاحوا جميعكم، لا تتصور بأن نصيبك يذهب، كل واحد له نصيبه العادل. فنحن بحمد الله شعب لا يملك فقط البترول ، هنالك موارد كبيرة أخرى، كذلك عندنا الرافدان، وعندنا هذه المعادن الأخرى، وعندنا قبل وبعد كل ذلك هذا الشعب، بعض الناس يقولون الشعب العراقي كسلان، الشعب العراقي تعبان، لا يا أخي الشعب العراقي لا تعرفونه إلا في خارج العراق، لماذا؟ لأنه في داخل العراق ما كان بإمكانه أن يكشف عن نفسه، كانت عليه ضغوط لا تطاق، منذ عقود والى الآن العراقي الموجود في المهجر في أي مكان في العالم متحرك كفوء قيادي جدي وشعب ممتاز.. عندك شعب كفوء وارض وخيرات: "بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" تعالوا إذن وخذوا وتقاسموا بينكم بالحق والعدل، وتوسعوا وأعطوا فرصة لغيركم، لا يبقَ الشخص ثابتاً ومتسمراً في مكانه وموقعه..، فلتشترك كل الناس، هذا البلد كبير والخير واسع (فأفسحوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) إذا كان الهم هذا الكرسي، كفى الالتصاق به والتشبث به..، انهض ودع المجال لغيرك، كفوء ومخلص ومؤمن يأتي ويجلس لخدم هذا الشعب"!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |