الاتحاد المتوسطي : مشروع فرنسي فاشل!

 

 د. سّيار الجميل

www.sayyaaljamil.com

كما كان قد سبقه مشروع اليورو ـ متوسطي او ما سميّ بـ " المتوسطية " قبل اكثر من عشرين عاما، وقد فشل، فان مشروع الاتحاد المتوسطي سيفشل هو الاخر، وذلك بسبب انعدام التكامل بين المجموعة المتوسطية اولا، وبسبب التحديات العولمية والامريكية ثانيا .. اذكر انني كنت قد نشرت دراسة بعنوان ( المتوسطية : الشرعية التاريخية العربية ومشروع المتوسطية ) في مجلة دراسات عربية، يوليو 1988، وفي كتابي العولمة الجديدة، 1997 قلت فيها : " ثمة خلل أساسي يكمن في قلب المتوسطية، ذلك هو الانقسام التاريخي بين دول الشمال ودول الجنوب ومواريثها جمعاء .. " كما قلت : " سيبقى مشروع المتوسطية مهمشا من قبل امريكا وبعض الدول الاوربية .. " !

لقد دعا نيكولاي ساركوزي مؤخرا الى مشروع الاتحاد المتوسطي، واقترح انه سيتألف من ستة عشر دولة تمتد عبر جنوب اوروبا والشرق الأوسط وشمال افريقيا المطله جميعها على البحر المتوسط : البرتغال، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا، اليونان، قبرص، مالطة، تركيا، لبنان، اسرائيل، السلطة الفلسطينية، مصر، ليبيا، تونس والجزائر والمغرب. ويهدف المشروع اساسا : تأسيس اتحاد اقتصادي، وبحث قضايا البلدان الاكثر اثارة للجدل مثل اخفاق تركيا في الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي، والهجره غير الشرعية ومكافحة الارهاب، وأمن الطاقة، فصلا عن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، اذ سيوفر الاتحاد منتدى فيه اسرائيل وجيرانها من الدول العربية للمشاركة معا . نعم، قال ساركوزي انه يدّق على ابواب بلدان البحر المتوسط لتشكيل مجلس يحّضر لعقد مؤتمر قمة تحت رئاسة يتم تداولها بالتناوب، وهو يتصور ان مشروعه يعدّ جسرا بين اوروبا والعالم الاسلامي.

وفي حين اعربت بعض البلدان عن تأييدها الكامل لتفعيل لهذا الاقتراح، فان تركيا تقاعست، اذ اعتبرته مجرد آلية لابقائها خارج الاتحاد الأوروبي، لأنها تعلم بأن ساركوزي نفسه قد جادل في الماضي جاعلا تركيا دوما هي آسيا الصغرى وليس من اوروبا الكبرى .

 لقد اقترح تشكيل مؤسسات ومنظمات مشتركة، وهي بمثابة كيانات منفصلة ومتميزه. ووفقا للدكتور هادار، فان الاقتراح هو امتداد لعملية برشلونة عام 1995 برعايه الاتحاد الاوروبي وهي تسعى الى جعل 12 من بلدان حوض البحر المتوسط الى منطقة للتجارة الحرة بحلول عام 2010. هذه مبادره برشلونة المسماة بـ ( الشراكه الاورومتوسطيه) .. وهو حاليا المحفل الوحيد فيها "اسرائيل والبلدان العربية الجلوس حول طاولة واحدة."

يقول الدكتور هادار ايضا ان ساركوزي يريد الابتعاد عن فرنسا القديمة الممالئة للعرب، وتأسيس سياسة خارجية تمالئ اسرائيل لان التجارة بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي قد زادت ثلاثة اضعاف فى العقد الماضى. وعليه، فالمشروع معبر حقيقي الى الشرق الاوسط حيث صادرات النفط، كما انه سيمتص النقمة على المهاجرين الذين اصبحوا قنبلة موقوتة تهدد الديموغرافيه في الاتحاد الاوروبي بكثرة ولاداتهم ازاء قلتها عند الاوربيين، وسيزيل الحوافز الى الهجره نحو اوروبا وتوفير فرص عمل لهم في بلدانهم، وسيبدأ التعجيل في الروابط التجارية والاستثمارية بين اطراف الاتفاق.

 لا جدال أن مثل هذه المبادرة سينظر اليها من قبل الولايات المتحدة كونها محاولة فرنسية لاضعاف موقف اميركا في المنطقة اولا والعالم ثانيا، وهذا ما لا تسمح به وحلفائها ابدا ! وبقول المؤيدون للمشروع انه سيمتلك " استراتيجية " ينبغي ان ينظر اليها باعتبارها استراتيجية مكمله للاستراتيجية العسكرية الامريكية في خط الوسط، وكلاهما يتمثل هدفه النهائى "لدفع قضية السلام والاصلاح السياسي والاقتصادي" في المنطقة ـ على حدّ ما قيل حتى هذه اللحظة ـ.

سينعقد اجتماع باريس في يونيو 2008 لوضع أسس سياسية واقتصادية وثقافية للاتحاد المتوسطي واقتراح إشراك اللجنة الأوروبية في الاتحاد المتوسطي، ولم يحدد الرئيس الفرنسي شكل ذلك الاتحاد الذي يريد إقامته بين ضفتي المتوسط . لكن على الأرجح لن يكون اتحاداً اندماجياً كما هو عليه الحال بين دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش ـ باستثناء بريطانيا ـ باقتصاد واحد وبعملة واحدة هي "اليورو" . ولعل حضور الضفة العربية من البحر المتوسط في تفكير ساركوزي وغيره من رؤوساء وملوك أوروبا، إنما يعود أساسا إلى هاجس الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من دول المغرب نحو أوروبا . وأصبحت تشكّل عبئاً ثقيلاً على الحكومات الأوروبية لأسباب متعددة أهمها العامل الديمغرافي، حيث أن هذه الحكومات باتت تتخوف من غلبة العناصر المهاجرة على الشعوب الأوروبية . ومن ثم هناك العامل الأمني، فالمتسللون إلى دول الاتحاد قد يقومون بأعمال تخريب بعيداً عن أعين السلطات الساهرة، مما قد ينجم عنه خسائر كبيرة في النفوس والممتلكات . وأيضاً، فإن دولة الرفاه السائدة في أوروبا والتي تحسب حساباً لكل مولود جديد، قد ازدادت المطالب عليها بسبب كثرة المهاجرين وحاجة هؤلاء إلى الاندماج في المجتمع الأوروبي بكل عاداته وتصرفاته . وتدرك دول الاتحاد أن إيقاف الهجرة غير الشرعية إليها هو مهمة مستحيلة بالنسبة لها، خاصة أن قوانين هذه الدول فيها نزعة إنسانية .

 لقد أخفقت مبادرة برشلونة للشراكة المتوسطية . لكن ظل الأمل يحدو الأوروبيين في التوّصل إلى صيغة تعاون مع دول المغرب العربي للحدّ من ظاهرة الهجرة فقط لا من أجل ضمّ هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي . ولا شك أن خطاب ساركوزي في طنجة 23 اكتوبر 2007، يصبّ في هذا الاتجاه على الرغم من أنه دعا إلى إقامة اتحاد متوسطي . فساركوزي هو نفسه يرفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بحجة خلفيتها الحضارية الآسيوية . ومن يرفض دخول دولة مسلمة مثل تركيا إلى الاتحاد لن يقبل بإقامة اتحاد مع دول عربية ومسلمة في المغرب العربي!

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com