|
إلى متى يبقى العراق رهينة لإرادة هذا البلد أو ذاك، سواء دول الجوار أو دول الاحتلال، ومزاج هذا الزعيم أو ذاك ممن أعلنوا أنفسهم بأنفسهم قادة لهذا البلد الجريح وبقوة السلاح والميليشيات والعناصر المسلحة بكافة أنواعها وانتماءاتها القومية والعرقية والطائفية والدينية ؟ فدول الجوار، وبدون استثناء، تتصارع وتتنافس على أرض العراق وتتجاذب وتستقطب فيما بينها القوى السياسية الداخلية وتحرض الواحدة ضد الأخرى كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وهناك أمريكا وبريطانيا، ومن حولهما في قوات التحالف الدولية، وهما القوتان الرئيسيتان اللتان تحتلان العراق،تخططان وتلعبان بالعراق وشعبه ومقدراته ومستقبله وسيادته وثرواته كما يحلوا لهما. وقد جعلتا من أرض الرافدين ساحة مفتوحة تثير شهية المخابرات العربية والدولية المتعددة الوجوه والأسماء والأساليب، بما فيها المخابرات الإسرائيلية بالطبع المتغلغلة من خلال الجيش الأمريكي والشركات الأمنية الخاصة، وهي تسرح وتمرح وتناور وتتصارع وتدمر وتثير الفوضى والأحقاد الطائفية والقومية بين سكان العراق البسطاء وعلى مرأى ومسمع من القوى السياسية العراقية، العريقة منها والجديدة على الساحة السياسية العراقية، التي تبدو عاجزة أمام مثل هذا المشهد المهين. إن انتقاد وفضح جرائم القوى الإرهابية لايعني السكوت عن جرائم وفظائع الاحتلال الأمريكي كما اتهمني بعض القراء لمقالي السابق عن تكتيك القاعدة الجديد في العراق، ولا تعني التغاضي عن فساد وتجاوزات الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية أو الأهلية وإهمالها للمواطنين العراقيين المظلومين لاسيما النازحين من بيوتهم ومدنهم مشردين داخل العراق وخارجه، يعيشون ظروفاً صعبة وقاسية ومأساوية ولا إنسانية يندى لها جبين البشرية وتلقي على العراق ومسئوليه العار بسبب هذه التراجيديا التي كانوا هم أحد أسبابها إلى جانب الاحتلال وجبروته. فأي مراقب منصف للمشهد العراقي يجد اليوم أن القدرة الشرائية للمواطن العراقي تنهار يوماً بعد يوم ويتفشى التضخم وغلاء المعيشة ويتفاقم الفقر والعوز وتختفي المواد الضرورية والأولية من الأسواق أو تحتكر وتخفى لتظهر بعد حين في السوق السوداء بأسعار جنونية لا قدرة لأحد من المواطنين العاديين من ذوي الدخل المحدود على شرائها أو اقتنائها. هذا إلى جانب أن الخدمات الأساسية مفقودة أو نادرة أو رديئة جداً مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب والغاز والوقود المنزلي المستخدم للطبخ والتدفئة والإضاءة البدائية، ووقود السيارات، وعدم وجود أو توفر وسائل النقل العمومية، مع ما يترتب على ذلك من معاناة لا تحتمل تقع على كاهل المواطن العراقي المنهك والمهدد في قوته وحياته اليومية والذي لاذنب له سوى أنه ولد عراقياً وإبناً لهذا البلد المنكوب ويحمل جنسيته ويفتخر أن يكون مواطناً من مواطنيه. القوى السياسية في البرلمان تتصارع فيما بينها وتبتز إحداهما الأخرى للتصويت على هذا القانون قبل ذاك لأنه يناسبها ويحقق لها مصالحها الحيوية والمادية والسياسية ويلبي مطالبها، في إطار لعبة المساومات والتهديدات بالمقاطعة والانسحاب من الجلسات كما لمسنا ذلك بجلاء في أزمة التصويت على ثلاثة قوانين تم تأجيلها عدة مرات وهي قانون الموازنة أو الميزانية وقانون المحافظات غير المنضوية في أقاليم وقانون العفو العام. كان الشعب العراقي ومايزال رهينة لكافة أشكال الصراعات والمواجهات المسلحة والدامية التي تحتدم بين القوى المتكالبة على مقدراته فهو دائماً موجود بين المطرقة والسندان فمن جهة هناك الأمريكيين بأساليبهم العسكرية الدموية ومن جهة أخرى هناك الإرهابيين المحترفين المنضوين تحت لواء تنظيم القاعدة الإرهابي ومن يتحالف معه وبينهما سكان مدنيين يئنون بين فكي هذه الكماشة الدموية التي تغرقهم في دوامة العنف والخراب والمآسي وفقدان الأحبة والأعزاء من أطفال وشيوخ ونساء، زوجات وأخوات وأمهات، اللواتي يتحولن إلى أرامل ثكلى يتجاوز عددهن المليون أرملة وأطفال أيتام مشردين لاحامي لهم ولا معين . فعلى ضفتي دجلة تدور اليوم مواجهات مسلحة عنيفة ،وبالأخص في الموصل أحد أهم معاقل تنظيم القاعدة الإرهابي، بين مجرمي هذا التنظيم الذين يعيثون في أرض الرافدين فساداً وبطشاً وإجراماً وقتلاً وممارسات وحشية ضد المدنيين الأبرياء ، من جهة، وجحافل القوات المسلحة العراقية تساندها القوات الأمريكية ومعها جماعات مسلحة كانت بالأمس متحالفة مع القاعدة وأصبحت اليوم مناوئة ومنافسة لها على السطوة والنفوذ ،وهي تنظيمات شبه عسكرية ذات توجهات إسلاموية وقوموية وعشائرية تخفت وراء تسميات متعددة كالصحوات والمقاومة الشريفة وما إلى ذلك تدعمها وتمولها وتسلحها قوات الاحتلال الأمريكي وتغض الحكومة الطرف عنها مرغمة إذعاناً للرغبة والإرادة الأمريكية التي فرضت على الجميع مثل هذا التعاون والتنسيق من أجل سحق العدو الأول المشترك أي القاعدة. وبفعل هذه الحملة العسكرية الحاسمة التي تسميها الدولة العراقية بالخطة الأمنية للموصل ، انقسمت المدينة إلى قسمين بيد أن السكان فيها خائفين ومتشائمين من تبعات ونتائج هذه الحملة العسكرية إذ هم يعلمون بحكم التجارب السابقة أن الإرهابيين عندما يشعرون أنهم سيندحرون فإنهم سيفرون إلى أماكن ومدن ومناطق أخرى أكثر أمناً ومن ثم سيعودون للانتقام ممن خذلوهم أو انقلبوا عليهم وتعاونوا مع الحكومة وقوات الاحتلال ضدهم، بعد جلاء القوات الأمريكية والعراقية التي لاتستطيع البقاء والاحتفاظ بالأرض بعد تطهيرها من العناصر الإرهابية في أغلب الأحيان. مناً ومن ثم سيعودون للانت فتأكيدات الأمريكيين والحكومة العراقية المنتشية وعلى لسان وزير الدفاع الأمريكي روبيرت غيتس بأن القاعدة قد هزمت واندحرت وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة في العراق، سابقة لأوانها ومتفائلة جداً وهي ليست مؤكدة أو مضمونة ميدانياً. فالقادة العسكريين الأمريكيين حذرين ولايحبذون إطلاق مثل تلك التصريحات والمزاعم التي لا أساس متين لها على أرض الواقع. فالتفجيرات وعمليات الخطف والاغتيالات مستمرة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة مازالت تحصد الأرواح وقذائف الهاون مازالت تتوالى وتنهال على رؤوس الأبرياء ومازالت الانقسامات العشائرية حادة لاسيما في الموصل الأمر الذي تستغله القاعدة وتستفيد منه لمنع ظهور صحوات جديدة في المنطقة على غرار صحوات الأنبار وديالى وبغداد حيث تم طرد عناصر القاعدة بالقوة وبكثير من الدماء والتضحيات والخسائر البشرية مما جعل الإرهابيين يشعرون بهول ما حل بهم وهم يخسرون مناطق نفوذهم وملاذاتهم الآمنة الواحدة تلو الأخرى وصاروا مجبرين على البحث عن بدائل أخرى في مدن عراقية كبرى ذات غالبية سنية وقريبة من الحدود السورية التي توفر المعبر الأساسي للمقاتلين العرب والأجانب المتطوعين في صفوف القاعدة في العراق، و الذين يعبرون الحدود السورية سراً إلى العراق بطرق غير شرعية، وحيث يصعب على قوى الأمن والجيش العراقيين مراقبة تلك الممرات الوعرة التي تربط بين سورية ومنطقة ربيعة التي تقطنها قبيلة شمر المتهمة بالتواطؤ والتعاون والتنسيق مع عناصر القاعدة . وفي نفس الوقت غيرت القاعدة من تكتيك عملياتها الإرهابية ونوعت ممارساتها من التفجيرات الاستعراضية الكبيرة ذات الدوي الإعلامي الهائل إلى العمليات الانتحارية الفردية الأكثر تمركزاً والتي تختار لها أهدافاً رمزية متمثلة بكبار القادة العسكريين ومختلف مراتب منتسبي الجيش والشرطة وزعماء العشائر الذين انقلبوا على القاعدة وأتباع الصحوات الذين صاروا يطاردون ويقاتلون عناصر القاعدة إلى جانب القوات الأمريكية وذلك يعكس تطابق الرؤى والتخطيطات بين زعماء القاعدة الكبار في أفغانستان وقادة فرع التنظيم في العراق تلبية لنداءات وتوصيات وأوامر أسامة بن لادن " للانتقام من الخونة(يقصد أبناء الصحوات والعشائر التي انقلبت على القاعدة) الذين تآمروا على الإسلام مع الأمريكيين" ، وفي نفس الوقت اعترف بن لادن بأن أتباعه في العراق ارتكبوا أخطاءً فادحة وتجاوزات أبعدت عنهم الشارع العراقي وأفقدتهم تعاطف المدنيين العراقيين مع قضيتهم حيث كان سلوك مقاتلي القاعدة من عرب وأجانب وعراقيين قد أثار سخط السكان ضدهم لأنهم صاروا يبطشون بالناس لأتفه الأسباب بذريعة عدم إمتثال السكان لأوامر الشريعة وقوانينها فيقتلون الشخص لا لشيء إلا لأنه يلبس بنطلون الجينز أو يحلق لحيته أو لعدم تأديته الصلاة في المسجد معهم وغير ذلك من التفاصيل مما جعل العراقيين ينفرون من هؤلاء الجهاديين الأجانب والعرب الذين لايهمهم العراق ولا الشعب العراقي بقدر ما يهمهم تصفية حساباتهم مع خصومهم فوق الأرض العراقية وعلى حساب العراقيين وأمنهم واستقرارهم . فالعراقيين الذين انتموا إلى تنظيم القاعدة أو تعاونوا معه إنما فعلوا ذلك بدافع الحاجة المادية في أغلب الأحيان أو للثأر والانتقام مما تعرضوا له من أذى من جانب جماعات مسلحة أخرى، شيعية أو سنية، لاسيما تلك التي تدعمها إيران والتي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الآمنين من العراقيين بدوافع طائفية مقيتة . وبعد تعرضهم لضربات قاصمة فر بعض قادة القاعدة من العراق يحملون أموالاً كثيرة إلى السعودية وقطر والإمارات المتحدة . وبذلك يمكننا القول أن تنظيم القاعدة في العراق يواجه في الوقت الحاضر، حسب تقدير الأمريكيين، أزمة عاصفة وتم تأكيد ذلك في اعترافات ويوميات أحد القياديين في القاعدة تنظيم العراق المدعو " أبو طارق والتي عثر عليها في أحد المخابئ التابعة للتنظيم حيث قال فيها:" كنت أميراً على رأس كتيبة من 600 مقاتل واليوم لايتجاوز عدد المقاتلين معي العشرة أشخاص وإن القيادة العليا مكونة من العرب حصراً وقد انسحبت إلى الموصل وجنوب ديالى " ومن بين هؤلاء مجرمون عتاة وقساة بلا رحمة ولا ضمير كانوا في ماضيهم لصوصاً وقطاع طرق ثم أصبحوا أمراء على بعقوبة وسامراء . كما يعاني التنظيم الإرهابي اليوم من شحة المتطوعين بعد أن تمكنت السلطات السورية من تخفيض عدد المتسللين إلى العراق عبر حدودها إلى النصف حسب مصدر في المخابرات الأردنية، مع تفاقم حملة التصفيات الجسدية والاعتقالات للقياديين الإرهابيين الذين أدلوا باعترافات خطيرة ومهمة. وبالرغم من ذلك ماتزال القاعدة عبارة عن دولة افتراضية أو رقمية في العراق لكنها متواجدة على شبكة الانترنيت وسوف يتسلل عناصرها من الموصل بعد إطباق الحصار عليهم إلى سورية ولبنان لإغراق هذا الأخير في الفوضى والدمار والإرهاب إذ أن المناخ ملائم الآن لأنشطتهم التدميرية والبلد يقبع على أبواب حرب أهلية أكثر شراسة ودموية من سابقتها كما أشارت إلى ذلك تقارير استخباراتية سرية . قدرت السلطات الأمريكية عدد الإرهابيين والجماعات المسلحة المناوئة للعملية السياسية القائمة بـ 77500 منهم 15000 في بغداد وحدها وهم موزعين على 300 ميليشيا أو تنظيم مسلح ومنتشرين في جميع أنحاء العراق، منهم من كان يعمل داخل تنظيم القاعدة ومنهم من كان منضوياً تحت لواء التشكيلات المسلحة التي تحمل أسماء أخرى كالجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش محمد وغيرها من التنظيمات . وقد انتبه الأمريكيون إلى هذه الحقيقة التي تشكل تحدياً يصعب مواجهته فلجأوا إلى التكتيك القديم والمجرب الذي سبق أن أثبت فعاليته ألا وهو " فرق تسد" ونجحوا نسبياً بفضل الدولارات والخدمات والتسليح والتدريب والوعود المعسولة بالمشاركة الحقيقية في السلطة في المستقبل القريب في استدراج بعض العشائر وقلبها ضد القاعدة وقد نجحت تلك العشائر في دفع القاعدة خارج مدنها إلى الصحراء بعيداً عن المدن والحاضنة الاجتماعية التي تحتاجها القاعدة لتنفيذ نشاطاتها الإرهابية. إثر ذلك شهدت بغداد وبعض المدن الأخرى تحسناً أمنياً ملموساً لكنه مازال هشا.ً إن مستوى العنف في العاصمة، لاسيما العنف الطائفي، مرهون بمزاجية وقرار شخص واحد لا يمتلك رصيداً نضالياً ولا خبرة سياسية يدعى مقتدى الصدر الذي يقف على رأس 60000 ألف مقاتل هم قوام ميليشيا جيش المهدي. ففي أعقاب اشتباكات كربلاء المسلحة التي سقط فيها 52 ضحية في آب الماضي 2007 ، قرر زعيم التيار الصدري الشاب مقتدى الصدر وقف نشاطات ميليشياه المعروفة بجيش المهدي لمدة ستة أشهر رغم امتعاض بعض القيادات الميدانية المتشددة في تياره من قراره هذا . وقد انخفضت نسبة الهجمات المسلحة وأعمال القتل الطائفي إلى النصف منذ ذلك التاريخ وهذا يعني أن جيش المهدي ضالع في أعمال العنف الطائفي التي أدمت العاصمة العراقية ومدن أخرى ولكي يطاع أمره أعلن السيد مقتدى الصدر أن كل ناشط في تياره يثبت عليه قيامه بأعمال عنف في فترة الهدنة متجاوزاً أمره بوقف إطلاق النار سيتم طرده من بين صفوف التيار وأن التيار بريء منه أي أنه سيتخلى عن حمايته ويصبح لقمة سائغة للقوات الأمريكية والعراقية لاعتقاله ومحاسبته ومحاكمته ومعاقبته. أي أن قرار التبرؤ والطرد يعني الموت بالنسبة لعشرات المئات من العناصر المارقة وغير المنضبطة في صفوف التيار الصدري. وهكذا تم تصفية واعتقال المئات من العناصر المجرمة والمنفلتة التي ارتكبت جرائم قتل وخطف وتهجير للسكان باسم جيش المهدي، وقد تم اعتقال هؤلاء المجرمين من قبل القوات الأمريكية والقوات النظامية العراقية في الجيش والشرطة ، بل وأحياناً يتم الإرشاد إلى تلك العناصر استناداً إلى وشايات تأتي من رؤسائهم داخل التيار أو من داخل ذراعه المسلحة أي جيش المهدي.وكانت المجابهات المسلحة الدامية التي وقعت في كربلاء المقدسة في العام المنصرم بين مسلحي جيش المهدي وميليشيا المجلس الأعلى الإسلامي المعروفة باسم قوات بدر ، قد أرغمت الزعيم الشاب على اتخاذ هذا الإجراء على مضض لتهدئة الخواطر والنفوس ووقف تدهور الأوضاع الأمنية التي كانت تهدد بالانزلاق نحو صدامات داخلية شيعية ـ سنية وشيعية ـ شيعية وسنية ـ سنية وعربية ـ كردية أي حرب أهلية طاحنة وبلا هوادة تأكل الأخضر واليابس وكادت تعصف بالبلاد برمتها. وضعت الأسلحة جانباً وأخفيت في البيوت ولكن بقيت الميليشيات محتفظة بأسلحتها وعلى أهبة الاستعداد بانتظار إشارة خرق الهدنة. أي أن الهدوء النسبي الذي حل في العاصمة مرهون بكلمة من جانب هذا الزعيم الذي يثير الرعب في نفوس الكثير من أبناء العراق لاسيما العلمانيين والفنانين والمثقفين المبدعين والكوادر التعليمية والتربوية العليا . ماتزال عمليات الخطف والقتل المبرمجة ضد أهداف بعينها ، والتفجيرات متوالية تستهدف أشخاصاً أو أماكن محددة مستمرة في وتيرتها في العاصمة وبعض المدن الأخرى ولكن بإيقاع أبطأ ولم تتغير مواقع الأطراف المتخاصمة والمتصارعة بقوة السلاح وماتزال باقية في مواقع نفوذها . فأغلب الأحياء اليوم هي إما سنية أو شيعية ونادراً ما نجد حياً مختلطاً محتفظاً بتركيبته الأصلية السابقة إثر عمليات التهجير الطائفي القسرية العنيفة والمأساوية.بيد أن فرض الطوق الأمني وانتشار الجنود الأمريكيين والعراقيين في الشوارع والساحات ونصب الحواجز ونقاط التفتيش، في إطار خطة فرض القانون، وسريان مفعول الهدنة الصدرية، وتشكيل ما سمي باللجان الشعبية وحرس الأحياء السنية، وهي بشكل من الأشكال ميليشيات مسلحة وممولة من قبل الأمريكيين بغية ضرب عناصر القاعدة، وحماية الأحياء السنية من جميع الميليشيات المتطرفة والمتشددة التكفيرية سواء أكانت شيعية أو سنية ، حسب افتراض الأمريكيين، قد أدى إلى هذا الهدوء الأمني النسبي الهش والقابل للانفجار والانهيار في أية لحظة حسب اعتراف أحد الوزراء. والحال أن مختلف الأطراف السياسية الداخلة في العملية السياسية منقسمة على نفسها إزاء القوانين التي كان مزمعاً التصويت عليها، وهي قانون الميزانية وقانون المحافظات وقانون العفو العام. وهو نفس الانقسام والتوتر الذي ساد بشأن التصويت على قانون المساءلة والعدالة البديل عن قانون إجتثاث البعث والذي كان يشكل عقبة كأداء أمام مشروع المصالحة الوطنية الذي نادى به رئيس الوزراء العراق الأستاذ نوري المالكي وتمنته الولايات المتحدة الأمريكية . وقد صرح قادة سياسيون في التيار الصدري ومن داخل البرلمان العراقي مثل ناصر الربيعي وقصي السهيل عن الكتلة الصدرية أن مقتدى الصدر ينوي تمديد الهدنة بالرغم من الامتعاض المتنامي داخل صفوف جيش المهدي وضغوط عدد من مستشاري مقتدى الصدر المتشددين والذين يشكون من استهداف التيار ويعانون من حملة الاعتقالات والتهجير التي طالت العديد من كوادر التيار الصدري وعوائلهم . إلا أن الزعيم الشاب ينظر إلى مستقبله السياسي بعيون أخرى ونظرة متأنية فهو عازم على مواصلة دروسه الفقهية لدى أية الله كاظم الحائري في قم على أمل حصوله خلال ثلاث سنوات قادمة على درجة الاجتهاد وربما التصدي للمرجعية خلفاً ووريثاً لوالده المرجع الشهيد محمد محمد صادق الصدر الذي اغتاله النظام الصدامي المقبور في التسعينات من القرن الماضي . وقد ندد مسؤولون في التيار الصدري كصلاح العبيدي وعبد الهادي الكربلائي بحملة الاعتقالات والتصفيات التي استهدفت أتباع مقتدى الصدر وتشن اليوم ضد التيار الصدري ولم تنف القوات الأمريكية ولا الحكومة العراقية هذه المعلومة التي بررتها بأنها تهدف إلى تطهير وتنظيف جيش المهدي من العناصر المارقة والمجرمة والمنفلتة الخارجة على القانون والعرف والتي لا وازع لديها ولاضمير ولا عقيدة ولا إيمان حقيقي وتقوم بارتكاب الجرائم بحق الأبرياء باسم جيش المهدي مما يسيء إلى سمعة ومصداقية ومكانة التيار الصدري . ويعتقد قائد القوات الأمريكية في العراق دافيد باتريوس أن مقتدى الصدر يرغب في فتح حوار مع الأمريكيين لكن القيادي في التيار قصي السهيل نفى ذلك واعتبره خطاً أحمر لن يتجاوزه زعيم التيار مهما كان الثمن . وبالرغم من نجاح البرلمان العراقي في تمرير القوانين الثلاثة المختلف بشأنها في حزمة واحدة إلا أن الوضع السياسي في العراق مازال منغلقاً وفي مأزق إن لم نقل في طريق مسدودة ولم تفلح كافة المحاولات في إحداث أي تعديل أو إصلاح أو تغيير حكومي جوهري منذ وقوع الانسحابات الكبرى وغياب 17 وزيرا من الحكومة. بل لم تنجح رئاسة الحكومة حتى في سد الفراغات في الوزارات الشاغرة مما يعكس أزمة شديدة التعقيد تأخذ في خناق البلد. وكان رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني قد حذر الأطراف السياسية العراقية المشاركة في صفقة تمرير القوانين الثلاثة قبل التصويت عليها مؤخراً من أنه في حالة فشل البرلمان في إقرارها فإن العراق سيغرق في دوامة وسيدخل البرلمان في حلقة مفرغة في حالة عدم اكتمال النصاب القانوني مما يعني أن وجود البرلمان سيكون مشكوكاً فيه وفي جديته وجدواه وربما سيؤدي هذا الإشكال الخطير وتصلب المواقف وتعطيل الآليات البرلمانية إلى انهيار الدولة العراقية بكاملها".وبناءاً على ماتقدم تتلخص معضلة العراق اليوم بحل أزمة الثقة القائمة بين مختلف مكونات الشعب العراقي وممثليهم السياسيين التي تنعكس على استقرار المجتمع و خلخلة الاستقرار في الشارع العراقي فالأولويات يجب أن تعطى لاجتثاث آفة الإرهاب بكل أشكالها وتجفيف منابعها المالية والاجتماعية ومعالجة الفساد المستشري في مسامات البلد وأحشائه حيث أن القاعدة الفاسدة تنشر العدوى وتلوث الرؤوس الصالحة والنزيهة التي تأتي لقيادة أية مؤسسة فإما التكيف مع الفساد والانخراط في أو القتل والتصفية الجسدية للشرفاء هذه هي المعادلة التي تحكم مؤسسات العراق وفي المقام التالي يجب الالتفات إلى حاجات المواطنين وأمنهم واستقرارهم وتوفير كافة الخدمات الضرورية لهم وبأسرع وقت ممكن قبل وقوع الكارثة وحدوث الانفجار الاجتماعي والشعبي الذي لاتحمد عقباه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |