الديوان الثقافي في الفهود ..... أه الثقافة في وجع الهور

 

 

جواد كاظم أسماعيل

jawad_k2@yahoo.com

كنت وأنا في بدايات عمري الطرية أرقب وأراقب التشيكل والخليط المتجانس من التجمعات لنخب من شباب مدينتي التي ولدت فيها وهم يتجمهروا في هذه المقهى أو تلك.. كنت حينها مسحورا ومبهورا بما يجري وأنا مصاب بالدهشة لأني حينها لا أدرك مايجري وعن ماذا تتحدث هذه المجاميع في تلك الفترة وهي الفتره الذهبية للثقافة العراقية عموما........وأقصد هنا مرحلة السبعينيات من القرن الماضي حيث تصارع الأيدلوجيات الماركسية واللبرالية والأسلامية فمن هنا بدأت تختط عندي ملامح الأهتمام في الكتاب والكتابة وتتوثب بداخلي الرغبة العرامة للمشاركة والقراءة مما دفعني الفضول ولمرات عدة أن أدخل هذه المقاهي لأسترق السمع لحديث أبناء مدينتي الذين سبقوني بالعمر وبالدراسة والتي أعتقد لو أنني أدركتها بشكل واعي لأدركت بعدها أشياء مهمة أخرى بقت مجهولة لدي حتى أيام متأخرة من عمري....هنا من رائحة البردي وعبق القصب ومن نسيم الهور ولد الشعر وحفلت الدواوين بالمساجلات والحوارات وبرزت أفكار عديدة وهي بالتأكيد لم تخلو من تصادم وعراك بين هذه النخب..... لكن لم يتجاوز ذلك مساحة مقهى سيد ((رحم)) رحمه الله وكذلك مقهى الراحل ((كاظم بوهه)) رحمه الله.... من هنا وربما منذ عهد لم أدرك زمنه... أنطلقت قوافل من المتعلمين والمتنورين الى مساحة أبعد من مساحة الهور.. فكانت الناصرية المحطة الأولى ثم بغداد وتحديدا شارع المتنبي..... لاتأتي هذه القافلة من رحلتها دون متاع تحمله معها وكان المتاع سرعان ماينتشر في بيوتات المدينة المشيدة بقصب الهور.....كان الشعر والرواية والفلسفة والفكر الماركسي هو المائدة والمذاق الحقيقي لهذه الطبقة ...طبعا هذا كله يجري دون وجود أي مؤسسة ثقافية ترعى الثقافة والفكر في مدينة مثل مدينة الفهود التي تتربع قلب أهوار ذي قار أنما كانت المقاهي المشيدة من القصب هي من تحتوي وترعى هذه الأفكار وبمختلف توجهاتها......أستمر هذا التدفق بالعطاء الأبداعي الثر رغم أنه لم يسجل له بصمة أو أثر في المشهد الثقافي على صعيد المحافظة أو على صعيد المشهد في عموم القطر وعسى يكون السبب هو بعد المدينة عن مركز المحافظة وغياب دور الأعلام والتوثيق والتدوين جعل الجهد مشتت والأسماء غائبة و مجهولة من ذاكرة المشهد الفكري والثقافي عموما....لكن لايمكن أن نغفل أسماء كبيرة وكثيرة أنجبتها تلك المرحلة التي نوهنا عنها في بداية حديثنا.... فمن بين هذه الأسماء الشاعر المبدع _ فضل خلف جبر , وكريم الأسدي ,وأبو طالب محمد سعيد ,,,طالب الحسن.., .. والمربي الأول شريف محمد صالح...., والشاعر والكاتب المبدع سهر العامري ....,الشاعر والكاتب عوض الفهداوي......., عبد الأمير محسن المشكور ...., وسلام عبود الأسدي....., أسماء كثيرة وكثيرة لم تسعفني الذاكرة على ذكر ها كلها..... وأما على صعيد الأدب الشعبي فكانت أسماء لامعة مثل.... ملا عبود .....,شيخ داود ....,الشيخ ابو هدية ....وسيد يوسف الكوبعي..,,,,ملا عمران المشكوري....,جادر ملا عبود..., شاطي الهلالي........,والقائمة تطول... وتطول لكن لم ولن تقف المسيرة فلازال هناك عبق ولازال هناك وهج يستمد ضوءه من رائحة الأيام المعطرة بالقهوة والهيل وليالي سمر الأحبة وجلسات الأنس على ضفاف نهر ((اللعيوسية)) هذا النهر الذي لازل يجري ماءا صافيا عذبا يروي كبد الشاربين...وهو لن ينفك عن مزاوجة جريانه بطور الأنين من الأبوذية والدارمي والزهيري........ ولن يتوقف حتى عند حدود محل صياغة المجوهرات لصاحبه((جوهر الصبي)) هذا المحل الذي نسج الكثير من القلائد الذهبية الخالصة لتطبع على جيد فتياتنا أيام الزفاف............ وأنا حينما أستذكرت هذه المرحلة من الزمن فهذا لايعني أن العمق الثقافي لمدينة الفهود يبتدأ من هذا التاريخ أنما أستذكاري جاء فقط من باب معاصرتي لمرحلة زمنية تشبعت بنكهتها وتشبعت ذاكرتي بصورها الجميلة الصور الصافية المنسوجة بطيبة الناس وفطرتهم... لذلك فأن هذه الذاكرة لاتهدأ من نداءها الصاخب لأستذكار ولو جزء من ذلك الزمن الساحر لكي نواصل الرحلة ونتواكب مع ركب الأنسانية عبر نافذة الثقافة المجردة من كل شيء مجردة من الأنتماء للأيدلوجيات الحزبية اوالأنتماء للطائفة والعشيرة ...أنما هو انتماء صميمي للحرف والكلمة فحسب ومن خلال هذا نلتقي مع الأنسانية ونتلاقح فكريا مع الأنسان أينما كان ....من هنا ...من رائحة((الطين الحري)) أنطلقنا بفكرة تأسيسنا للديون الثقافي في الفهود وأشد ما دفعنا هو هذا الخراب والوجع والألم المزمن الذي خلفه نظام البعث في هذه المدينة المنكوبة والتي أسميها دوما ((بحلبجة الجنوب)) منطلقا بذلك من تضحياتها الجسام من هذا الوجع ومن ذاكرة الأمس شرعنا نحن نخبة لانتجاوز عدد أصابع اليد على تأسيس هذا الديون ...أما لماذا ديون دون أسم أخر,,,؟؟ فأن مدينة الفهود مدينة سومرية جنوبية تمتاز بكثرة الدواوين والمضايف والديوان هو رمز للكرم والضيافة ومكان للسمر وحل المشاكل وتبادل الأحاديث وسرد القصص وكذلك هو مكان للمساجلات وهو مكان لذكر التاريخ بأفراحه وأتراحه... وهو صرخة أأأأأأأأأأأأأأأأأه نطلقها في فضاء وجع الهور المكلوم علنا نشهد من مخاض هذالمشروع وليدا معافى يرسم بأنامله الطرية الغضة على لوحة القصب........أنشودة الخلود والطرب والتشبث بالجمال والحب والناس والنهر والطير.....؟؟؟؟نشودة تبقى ترنيمة أزلية لنا نتخلى عنها ولن يتخلى عنها الجميع..........ياهور الجبايش لاتسد الشط,............ياهو الجبايش ياجثير البط.............خل سمجك يهوري بيك يتلعبط

وهنا أستحضرت قول شاعر بن الفهود حينما غيب في غياهب الجب أبان الحكم البعث الساقط:

يلفهود وداعة الله هذا أخر هم وداع

سيست بينة السفينة وأنكطع حبل الشراع

أقول لك منفي ولكل غريب ولكل بعيد لن ترحل السفينة بعيدا ولازال الشراع متينا مهما أشتد العصف ومها أشتد ضراوة حركة الريح....وهذا ليس من باب شد العزم لذواتنا وأنما هو يقين وثقة مطلقة أن الأنسان قادر أن يصنع المجد لذاته ولوطنه ولمدينته لو توفرت النوايا الحسنة وهي و نبتت في أرض خصبة وهي اليوم متوفرة بكل عناصرها..............ولكم جميعا يامن نأى بكم الزمن بعيدا في بلاد الصقيع اقول لكم كونوا معنا بمشروعنا هذا بقلوبكم فقط ولانحتاج منكم ومن الجميع الأ قليل من الحب....الحب لاغير ...!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com